ممكن بيان الموقفُ الشّرعي من بعض المنصّات الالكترونية "شبكة نتفلكس" مثالا؟

السلام عليكم احبتي... هناك منصاتٌ بعضها مجانية على شبكة الانترنيت نذكرُ اثنين منها هي سينمانا ونتفلكس، تبثان الصالح والطالح من الأفلام الجنبية والعربية المليئة بمشاهدِ وحواراتِ الانحلال الجنسي واللواط وزنا المحارم والقيم الاجتماعية الغربية الضالة وغيرها، وأغلب متابعيها هم من المراهقين وغير المتفقهين من شباب وفتيات الذين قد يتأثرون بشكل كبير بما يردُ في هذه الأفلام، وحسب تجربتنا فإنّ المشاهد والحوارات الخبيثة تتسرّب الى المشاهد والمستمع حتى عند اختيار الوضع العائلي في هذه المنصات. راجين منكم النصيحة او ما ترونه مناسباً بهذا الخصوص لما له من تأثير اجتماعي سلبي عام على شريحة الشباب. السلام عليكم ورحمة الله.

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :  لابدَّ منَ الإشادةِ بحرصِ السائلِ على شبابِ الأمّةِ الإسلاميّة وخوفِه عليهم منَ الانحرافِ والضياع، ونحنُ بدورِنا نُبدي تخوّفنا الكبيرَ جدّاً مِن هذه المنصّاتِ التي تعملُ وبشكلٍ مدروسٍ على استهدافِ كلِّ القيمِ الأخلاقيّة، فقد أشارَ السائلُ إلى مُحتوى بعضِ الأفلامِ التي تعملُ على جعلِ الفاحشةِ أمراً مُعتاداً وطبيعيّاً، ويبدو أنَّ غايةَ هذه المنصّاتِ ليسَت الأرباحَ الماليّةَ فقط، وإنّما يقفُ خلفَها مشروعٌ ثقافيٌّ يستهدفُ ضربَ الأديانِ السماويّة مِن خلالِ تفكيكِ البُنيةِ الفطريّةِ والأخلاقيّة عندَ الإنسان، فعندَما يتمُّ مسخُ الإنسانِ فطريّاً وأخلاقيّاً وقيميّاً سوفَ ينعدمُ حينَها الرابطُ الوجدانيّ بينَ الإنسانِ وبينَ تعاليمِ الأديانِ السماويّة؛ وذلكَ لأنَّ قبولَ الإنسانِ لرسالاتِ الأنبياءِ وإيمانَه بما جاءَ فيها يعودُ إلى كونِها تخاطبُ ضميرَ الإنسانِ وقيمَه الفطريّة، وعندَما يفتقدُ الإنسانُ الإحساسَ الفطريّ بهذهِ القيمِ سوفَ يفتقدُ الدافعَ نحوَ الالتزامِ الدينيّ والأخلاقي، فالإنسانُ السويّ وفي حالتِه الطبيعيّة لا يمكنُ أن يقبلَ الفاحشةَ كأمرٍ طبيعيّ ومُعتاد، ولكن عندَما تتلوّثُ فطرتُه وتنحرفُ سريرتُه وتصبحُ الغرائزُ والشهواتُ هيَ المُتحكّمةَ في خياراتِه، حينَها سوفَ تصبحُ الفاحشةُ هيَ الخيارَ الأكثر انسجاماً مع طبيعتِه المُنحرفة، وقد وصفَ القرآنُ الحالةَ التي كانَ عليها قومُ لوط بقولِه: (لَعَمرُكَ إِنَّهُم لَفِي سَكرَتِهِم يَعمَهُونَ) أي كانوا مُغيّبينَ تماماً عن كلِّ إحساسٍ يمثّلُ فضيلةً أخلاقيّة.   وعليهِ ما تبقّى مِن قيمٍ وفضائلَ أخلاقيّة في عالمِ اليومِ هوَ بفضلِ تلكَ الأديانِ السماويّة، فمثلاً مَن يُناهضُ الإجهاضَ والمثليّةَ الجنسيّة في الدولِ الغربيّة هيَ فقط بعضُ المؤسّساتِ الكنسيّة، الأمرُ الذي يدلُّ على أنَّ الأديانَ السماويّةَ باتَت هيَ آخرُ القلاعِ التي تقفُ في وجهِ هذه الثقافةِ المُنحرفة، معَ أنّه وإلى وقتٍ قريبٍ كانَت الثقافةُ المُجتمعيّةُ في الغربِ هيَ التي تعارضُ وتستهجنُ مثلَ هذهِ الأفعال، ولكن بفعلِ العملِ المُركّزِ والمدروسِ تحوّلت هذهِ الثقافةُ المُجتمعيّة إلى ثقافةٍ داعمةٍ لهذه المشاريعِ الانحلاليّة حتّى باتَت أمراً مُعتاداً ومطلوباً، ولذلكَ أصبحَت البرلماناتُ في بعضِ الدولِ تطالبُ بتشريعِ المثليّة الجنسيّة وحقِّ المرأةِ في الإجهاضِ كقوانين تحميها الدولةُ، وقد أصبحَت بالفعلِ قوانينَ نافذةً في كثيرٍ منَ الدولِ الغربيّة، ومِن هُنا لا يُستبعدُ أن تتمدَّد هذه الثقافةُ ومِن خلالِ هذهِ المنصّاتِ وبما تعرضُ مِن أفلامٍ في الشارعِ الإسلامي، وعندَها يصبحُ الفسادُ الأخلاقيُّ أمراً مُعتاداً كما هوَ حالُ الشعوبِ الغربيّة، وما يؤسفُ له أنَّ هناكَ مظاهرَ بدأت بالفعلِ في البروزِ على السطح، حيثُ تشكّلت جمعيّاتٌ حقوقيّةٌ ومؤسّساتٌ إعلاميّة جميعُها تعملُ على جعلِ الفاحشةِ حقّاً طبيعيّاً يجبُ الاعترافُ به.  ولمواجهةِ كلِّ ذلكَ لابدَّ أن يتحمّلَ الجميعُ المسؤوليّةَ ولا يوكلُ هذا الأمرُ فقَط للمؤسّسةِ الدينيّة، فالحكوماتُ بجميعِ مؤسّساتِها العدليّةِ والتربويّةِ والتعليميّةِ والاعلاميّةِ والدينيّة والاجتماعية، يجبُ أن تتصدّى لهذا التدميرِ المُتعمّدِ للفطرةِ الإنسانيّة، كما يجبُ الاهتمامُ بشكلٍ كبيرٍ بالأسرِ مِن خلالِ توفيرِ الحياةِ الطيّبةِ لها قبلَ تحميلِها كاملَ المسؤوليّة، فكلّما استقرَّ الوضعُ النفسيُّ للآباءِ والأمّهاتِ كلّما كانَ اهتمامُهم أكبرَ بتربيةِ الأولادِ، ولا يُفهمُ مِن ذلكَ أنّنا نُعفي المؤسّسةَ الدينيّةَ عن المسؤوليّة، فمُضافاً لدورِها المُعتادِ في التوعيةِ والوعظِ والإرشاد، يجبُ أن يكونَ لها اهتماماتٌ خاصّةٌ بتوسيعِ مؤسّساتِها التعليميّةِ وابتكارِ وسائلَ جديدةٍ للوصولِ إلى أكبرِ قدرٍ مِن شبابِ الأمّة. ومنَ المُفيدِ مُضافاً لِما تقدّمَ أن يكونَ للمؤسّسةِ الدينيّةِ لجانٌ خاصّةٌ تقومُ بالبحثِ والدراسةِ لكثيرٍ منَ القضايا المُستحدثةِ ومِن ثمَّ عرضها للفقيهِ بشكلٍ علميٍّ ومُحايد حتّى تكونَ الفتوى قائمةً على تشخيصٍ دقيقٍ للموضوعات، وما يُؤسفُ له أنَّ بعضَ الأمورِ الحسّاسةِ والتي تشكّلُ همّاً عامّاً يتمُّ عرضُها كاستفتاءٍ للمراجع، حيثُ يقومُ المُستفتي بصياغةِ السؤالِ مِن منظورِه الخاص، وحينَها ستكونُ الفتوى انطلاقاً منَ الشرحِ الذي قدّمَه المُستفتي، وهذا ما حصلَ بالضبطِ في الاستفتاءِ الذي قُدّمَ لمكاتبِ المرجعِ السيّدِ السيستاني الذي جاءَ فيه:توجدُ شركةٌ باسم (نتفلكس) وهيَ تقدّمُ خدماتِ عرضِ الأفلامِ والمُسلسلاتِ مقابلَ اشتراكٍ شهري يتمُّ عرضُ مُسلسلاتٍ وأفلامٍ ثقافيّةٍ وترفيهيّةٍ للأطفالِ والكبارِ بحيثُ يُمكنُك اختيارُ ما يمكنُ عرضُه وما يمكنُ تجنّبُه، وفي الآونةِ الأخيرةِ تمّ ملاحظةُ أنّ المُحتوى الداعي للترويجِ للمثليّةِ قد ازداد، ولكن يمكنُ تجنّبُ عرضِ مثلِ هذهِ المُسلسلاتِ أو الأفلام، فأنا مَن يقومُ باختيارِ ما سيتمُّ عرضُه. السؤالُ: هل يجوزُ الاشتراكُ في مثلِ هذهِ الشبكة؟ الجوابُ: إذا لم تختصَّ هذهِ الشبكةُ بنشرِ الأفلامِ والمُسلسلاتِ والبرامجِ المُحرّمة لم يحرُم الاشتراكُ فيها للانتفاعِ المُباحِ منها. نعَم، مَن لا يحرزُ مِن نفسِه أو أهلِه عدمُ الانجرارِ إلى استخدامِها في المُحرّمِ لا يجوزُ له الاشتراكُ فيها.فمنَ الواضحِ أنَّ السؤالَ في هذهِ المسألةِ يجبُ أن يتضمّنَ شرحاً مُفصّلاً عن هذهِ المنصّاتِ ومَن يقفُ خلفَها وما هيَ أهدافُها الاستراتيجيّةُ وما هيَ الفوائدُ والأضرارُ المُترتّبةُ عليها وغيرُ ذلكَ منَ العناوين، فمثلاً في هذا الاستفتاءِ يُشيرُ السائلُ إلى إمكانيّةِ التحكّمِ في المُحتوى في حينِ نجدُ آخرينَ يُشكّكونَ في هذهِ الإمكانيّة، فمثلاً هناكَ مقالٌ على موقعِ الجزيرة نت يقولُ فيه الكاتب: (قمتُ بإلغاءِ اشتراكي معَ نتفليكس للأبدِ إن شاءَ الله. خطوةٌ تأخّرتُ كثيراً بها... عندَ اشتراكي، كنتُ مُدرِكاً أنَّ بعضَ المُسلسلاتِ تحتوي على بعضِ المشاهدِ الإباحيّة بما فيها تلكَ ذاتُ الطبيعةِ الشاذّة. لكِن تصوّري وقتَها كانَ أنَّ هذهِ الشبكةَ تُعنى بالأرباحِ فقط، فهيَ تقدّمُ خدمةَ عرضِ الأفلامِ والمُسلسلاتِ المُتنوّعةِ، لذلكَ سأجدُ الغثَّ والسمينَ، وما عليَّ إلّا حسنُ اختيارِ العروضِ المُناسبةِ لي وغيرِ المُتعارضةِ معَ ثقافتي وديني. وإذا ما صادفَني بينَ الحينِ والآخرِ مشهدٌ غيرُ لائق، فما عليَّ إلّا تقديمُ الأحداثِ أو غضُّ البصرِ حتّى انتهاءِ المشهدِ كما تعوّدنا دوماً في شوارعِ المُدنِ الغربيّة أو معَ الأفلامِ الأجنبيّة القديمةِ في شاشةِ التلفاز. لكن ومعَ مرورِ الوقتِ، واستمرارِ تنقّلي بينَ العروض، بدأتُ ألحظُ خطأً واضحاً يزدادُ ويصبحُ أكثرَ جراءةً باضطراد، مفادُه إقحامُ وحشرُ المشاهدِ الإباحيّةِ ذاتِ الطبيعةِ الشاذّةِ (فعلِ قومِ لوط، السحاقِ، زنا الأقارب، العلاقاتُ الثلاثيّة، وغيرُها) في كلِّ مُسلسلٍ جديدٍ يذيعُ صيتُه بالدعايةِ له. بل ولاحظتُ كما لاحظَ الكثيرُ غيري في وسائلِ التواصلِ الاجتماعي وحلقاتِ النقاشِ الشبابيّة إقحامَ هذهِ المشاهدِ في المُسلسلاتِ بما لا يخدمُ أيَّ هدفٍ فنّي أو درامي إلّا الصدمةَ والتطبيعَ معَ مُختلفِ أنواعِ الانحرافاتِ الجنسيّة، وصارَ هذا الاتّجاهُ لا يخفى على أيّ شخصٍ يتابعُ مُسلسلاتِ نتفليكس الأصليّة) وفي المُحصّلةِ النصيحةُ العامّةُ التي يمكنُ تقديمُها للشبابِ هوَ الابتعادُ عن مثلِ هذه المنصّاتِ والاهتمامُ بما فيهِ صلاحُهم دنيويّاً وأخرويّاً.