في وصيّةِ رسولِ اللهِ (ص) إلى أميرِ المؤمنينَ (ع): ثلاثٌ يحسنُ فيهنَّ الكذب، ... وعِدتُك زوجتَك!

في وصيّةِ رسولِ اللهِ (ص) إلى أميرِ المؤمنينَ (ع): ثلاثٌ يحسنُ فيهنَّ الكذب، ... وعِدتُك زوجتَك! فما معنى (وعِدتكَ زوجتَك)، وكيفَ نوفّقُ بينَ حُرمةِ الكذبِ وبينَ هذا المورد؟

:

هذهِ الرّوايةُ أوردَها الصّدوقُ رحمَهُ اللهُ في الفقيهِ والخِصال، قالَ في الفقيه ...  يا عليّ: ثلاثٌ يحسنُ فيهنَّ الكذب المكيدةُ في الحربِ، وعِدتُك زوجتَك، والإصلاحُ بينَ الناس... الحديث. (الفقيهُ كتابُ الفرائِض - بابُ النوادر- ح 4/ص259) وفي الخِصال: (حدّثنا أبي رضيَ اللهُ عنه قالَ : حدّثنا سعدٌ بنُ عبدِ الله ، عن أحمدَ بنِ الحُسينِ بنِ سعيد ، عن أبي الحُسينِ بنِ الحضرمي ، عن موسى بنِ القاسمِ البجلي ، عن جميلٍ بنِ درّاج ، عن مُحمّدٍ بنِ سعيد ، عن المحاربي ، عن جعفرٍ بنِ مُحمّد ، عن أبيه ، عن آبائِه ، عن عليٍّ عليهم السلام قالَ : قالَ النبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وآله : ثلاثٌ يحسنُ فيهنَّ الكذب : المكيدةُ في الحربِ ، وعِدتُك زوجتَك ، والإصلاحُ بينَ الناس).( الخِصال / ج1/ بابُ ثلاثة/ ص 87/ح20). الجوابُ: سندُ الحديث:  أمّا سندُه في الفقيهِ فضعيفٌ إمّا بالإرسالِ أو بسندِه في المشيخةِ إلى رواياتِ حمّاد بن عمرو وأنسٍ بنِ مُحمّد على تفصيلٍ يطولُ المقامُ بذكرِه. وأمّا سندُه في الخصالِ فضعيفٌ أيضاً في عدّةِ موارد.  الموردُ الأوّل: أحمدُ بنُ الحُسين بنِ سعيدٍ الأهوازي المُلقّبِ بـ (دندان) فهوَ مجهولُ الحالِ بل ضعّفَهُ القمّيّونَ وقدحوهُ بالغلو. الموردُ الثاني: الحسنُ بنُ الحضري مجهولُ الحال. الموردُ الثالث: محمّدٌ بنُ سعيدٍ مجهولُ الحالِ أيضاً. إذن الروايةُ في جميعِ طُرقِها ضعفٌ واضح. هذا تمامُ الكلامِ في السّندِ مُختصراً. متنُ الحديث: إنَّ الأخذَ بظاهرِ الحديثِ غايةٌ في الإشكالِ لوجوهٍ عدّة. الوجهُ الأوّل: إنَّ الحديثَ بظاهرهِ لم يجوِّز الكذبَ فحسب بل حبّذَه، (يحسنُ فيهنَّ الكذب)، ولا شبهَ في دلالتِه على أنَّ الكذبَ هُنا راجحٌ وليسَ مرجوحاً. وهذا مُخالفٌ لِما ثبتَ في الدينِ مِن ضرورةِ حُرمةِ الكذب، خرجَ مِنه بعضُ أفرادِه بالدليلِ الحُجّةِ تخصيصاً، والباقي باقٍ تحتَ عمومِ الحُرمة، وهذهِ الرّوايةُ بعدَ ثبوتِ ضعفِ سندِها وأنّها ليسَت بحُجّةِ فكيفَ يمكنُ لها أن تُخصّصَ عموماتِ حُرمةِ الكذب؟؟؟. بل كيفَ يمكنُ للفقيهِ أن يُفتي طِبقها ويجوّزَ الكذبَ على الزوجةِ في المواعدةِ ويُخرِجَ هذا الموردَ مِن عموماتِ حُرمةِ الكذبِ وحُرمةِ الإفتاءِ بلا علمٍ وحُرمةِ الإسنادِ إلى المولى بلا دليل. إن قُلتَ: إنَّ إفتاءَ الفقيهِ اعتماداً على قاعدةِ التسامحِ في أدلّةِ السّنن. قلتُ: ليسَ الموردُ مِنها، فإنَّ هذهِ الروايةَ لم تتحدّث عن ثوابٍ يثبتُ لفاعلِه حتّى نتمسّكَ برواياتِ (مَن بلغَه). أقولُ: لو أرَدنا أن نعملَ بالرّوايةِ، مِن بابِ أنَّ الجمعَ أولى منَ الطرح ، فيمكنُنا أن نفهمَ الحديثَ فهماً آخرَ بالشكلِ الذي لا يتعارضُ معَ عموماتِ حُرمةِ الكذبِ وذلكَ بأن نقولَ: أنَّ المرادَ مِن (يحسُن) الواردةِ في الحديثِ هيَ لبيانِ الجوازِ وعدمِ الحُرمةِ فقط ، وليسَ لبيانِ استحبابِ الفعل. والمرادُ منَ المواعدةِ، هيَ المواعدةُ المَبنيّةُ على الإرادةِ الجادّةِ والصّادقةِ في تنفيذِ الوعدِ حالَ قطعِه، ثمَّ بعدَ ذلكَ إذا بدا له شيءٌ بحيثُ لا يريدُ أن يفيَ بوعدِه لزوجتِه جازَ له خلفُ الوعد.  فيكونُ ذلكَ منَ الكذبِ مِن جهةِ خلفِ الوعد، وهوَ جائزٌ، لاتّفاقِ أصحابِنا على جوازِ ذلك. قالَ السيّدُ الخوئي رحمَهُ اللهُ في مصباحِ الفقاهة:  (خلفُ الوعد: قد عرفتَ أنَّ حقيقةَ الوعدِ إنّما تتحقّقُ بأحدِ أمورٍ ثلاثة، وأمّا المرادُ مِن خلفِه فهوَ نقضُ ما التزمَ به وتركُ ما وعدَه، وعدمُ إنهائِه وإتمامِه، فهل هذا حرامٌ أم لا؟ قد يقالُ بالحُرمةِ، بدعوى أنّه مِن أفرادِ الكذب، فيكونُ مشمولاً لعمومِ ما دلَّ على حُرمتِه، ولكنّها دعوىً جُزافيّة، فإنَّ ما دلَّ على حُرمةِ الكذبةِ يختصُّ بالكذبِ الفِعلي الابتدائيّ فلا يشملُ الكذبَ في مرحلةِ البقاء، وقد استدلَّ على حُرمةِ مُخالفةِ الوعدِ على وجهِ الإطلاقِ بالأخبارِ الكثيرةِ الدالّةِ على وجوبِ الوفاءِ به. أقولُ: الرّواياتُ الواردةُ في هذا المقامِ كثيرةٌ جدّاً، وكلُّها ظاهرةٌ في وجوبِ الوفاءِ بالوعدِ وحُرمةِ مُخالفتِه، ولم نجِد مِنها ما يكونُ ظاهِراً في الاستحبابِ، ولكنَّ خُلفَ الوعدِ حيثُ كانَ يعمُّ به البلوى لجميعِ الطبقاتِ في جميعِ الأزمانِ فلو كانَ حراماً لاشتهرَ بينَ الفقهاءِ كاشتهارِ سائرِ المُحرّماتِ بينَهم. مع ما عرفتَ مِن كثرةِ الرواياتِ في ذلكَ وكونها بمرأىً مِنهم ومسمع، ومعَ ذلكَ كلّه فقد أفتوا باستحبابِ الوفاءِ به وكراهةِ مُخالفتِه حتّى المُحدثينَ مِنهم، كصاحبي الوسائلِ والمُستدركِ وغيرِهما معَ جمودِهم على ظهورِ الرّوايات، وذلكَ يدلّنا على أنّهم اطّلعوا في هذهِ الرّواياتِ على قرينةِ الاستحبابِ فأعرضوا عن ظاهرِها) مصباحُ الفقاهةِ (ج1/ص 492)أمّا إذا كانَ بانياً على عدمِ الوفاءِ في وعدِه لأهلِه مِن أوّلِ الأمرِ ومعَ ذلكَ وعدَها فإخراجُ هذا القسمِ مِن حُرمةِ الكذبِ غايةٌ في الإشكال، واللهُ ورسولهُ وأهلُ بيتِه الكِرام هُم العالمونَ.