هل حديثُ (أبو بكرٍ وعُمر سيّدا كهولِ أهلِ الجنّة) صحيح؟
السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،هذا الخبرُ لا يصحُّ سنداً ولا متناً، فأمّا مِن حيثُ السندُ، فإليكَ بعضاً مِن أقوالِ نُقّادِ الفنِّ حينَ سُئلوا عن هذا الخبرِ بحسبِ ما يسعُ المقام؟ أوّلاّ: في كتابِ سؤالاتِ أبي زرعةَ الرازيّ (2/699) قلتُ: حديثُ عبدِ الله، عن نافعٍ، عن ابنِ عُمر "أبو بكرٍ، وعُمر سيّدا كهولِ أهلِ الجنّة، رواهُ عبدُ الرحمنِ بنُ مالكٍ بنِ مغول. فضعُفَ عبدُ الرحمن، ووهنَ أمرُه جدّاً. ثانياً: في كتابِ (الضعفاء للعقيليّ (2/345): قال العقيليّ: وَمِن حَدِيثِه عبدُ الرحمنِ بنُ مالكٍ بنِ مغول: مَا حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ المُؤَدِّبُ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ مِهرَانَ الدَّبَّاغُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبدُ الرَّحمَنِ بنُ مَالِكِ بنِ مِغوَلٍ، عَن عُبَيدِ اللَّهِ، عَن نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ: آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَينَ أَبِي بَكرٍ وَعُمَرَ، فَبَينَمَا هُوَ قَاعِدٌ إِذ طَأطَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنهُمَا آخِذًا بِيَدِ صَاحِبِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهلِ الجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ إِلَّا النَّبِيِّينَ، وَالمُرسَلِينَ، لَا تُخبِرهُمَا يَا عَلِيُّ». قال العقيليّ: لَيسَ بِمَحفُوظٍ مِن حَدِيثِ عُبَيدِ اللَّه. ثالثاً: وفي كتابِ عللِ الحديثِ لابنِ أبي حاتمٍ الرازيّ (6/450)، وسألتُ أَبِي عَن حديثٍ رَوَاهُ عَلِيُّ بن عابِسٍ، عن أَبِي الجَحَّاف، عَن عَطِيَّة، عَن أبي سعيد، عن النبيِّ (ص) أَنَّهُ قَالَ لأَبِي بَكرٍ وَعُمَرَ: هَذَان ِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهلِ الجَنَّةِ؟ قَالَ أَبِي: هَذَا خطأٌ؛ يَروِيهِ تَلِيدُ بنُ سُلَيمان، عَن أَبِي الجَحَّاف، عَن عَطِيَّة، عَن أَبِي سَعِيدٍ: أنَّ النبيَّ (ص) قَالَ: إِنَّ أَهلَ الدَّرَجَاتِ العُلَى ...، فأَحسَبُ عليَّ بنَ عَابِسٍ أَرَادَ هذا الحديث. رابعاً: وفي كتابِ عللِ الحديثِ (6/471). وسُئِلَ أَبُو زُرعَةَ عَن حديثٍ رَوَاهُ دَاوُدُ بنُ مِهران، عَن عبد الرحمن بنِ مَالِكِ بنِ مِغوَل، عَن عُبَيدالله ، عَن نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، عن النبيِّ (ص) ؛ أَنَّهُ قَالَ لأَبِي بَكرٍ وَعُمَرَ: هَذَان ِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهلِ الجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِينَ والآخِرِينَ، إِلاَّ النَّبِيِّينَ والمُرسَلِينَ، لاتُخبِرهُمَا يَا عَلِيُّ؟ قَالَ أَبُو زُرعَةَ: «هَذَا حديثٌ باطِلٌ» ، يَعنِي بِهَذَا الإِسنَادِ؛ وامتَنَعَ أَن يحدِّثَنا بِهِ، وَقَالَ: «اضرِبُوا عَلَيهِ». خامساً: وفي كتابِ عللِ الحديثِ (6/475) قال أَبُو مُحَمَّد: ذكرتُ لأبي، فقلتُ: سمعتُ يونس بن حَبِيب؛ قَالَ: ذكرتُ لعليِّ بن المديني حديثاً حدَّثنا به محمَّد ابن كَثِيرٍ المِصِّيصي، عَنِ الأَوزَاعِيِّ، عَن قَتادة، عَن أنَس؛ قَالَ: نظر النبيُّ (ص) إِلَى أَبِي بكر وعمر فقال: هَذَان ِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهلِ الجَنَّةِ، فقال عليٌّ: كنتُ أشتهي أن أرى هذا الشيخَ، فالآنَ لا أحبُّ أن أراه. فقال أَبِي: صدَقَ؛ فإنَّ قَتادة، عَن أَنَس؛ لا يجيءُ هذا المتن. وأمّا مِن حيثُ المتنُ، فالخبرُ يُعارضُ صريحاً ما ثبتَ عن رسولِ اللهِ (ص) أنّه قال: في الحسنِ والحُسين أنّهما سيّدا شبابِ أهلِ الجنّة، وفي تلخيصِ الشافي : ۲/۲۱۹ علّقَ الشيخُ الطوسيّ على خبرِ أبي بكرٍ وعُمر سيّدا كهولِ أهلِ الجنّةِ قائلاً: « أمّا الخبرُ الذي يتضمّنُ أنّهما سيّدا كهولِ أهلِ الجنّة ، فمَن تأمّلَ أصلَ هذا الخبرِ بعينِ إنصافٍ علمَ أنّهُ موضوعٌ في أيّامِ بني أميّةَ ، مُعارضةً لِما رويَ مِن قولِه صلّى اللهُ عليهِ وآله في الحسنِ والحُسين أنّهما سيّدا شبابِ أهلِ الجنّةِ وأبوهُما خيرٌ مِنهما». فإن قلتَ: إنّ هناكَ فرقاً بينَ الخبرين، إذ الخبرُ الأوّلُ قد بيّنَ أنّ أبا بكرٍ وعُمر هُما سيّدا الكهولِ، والخبرُ الثاني بيّنَ أنَّ الحسنَ والحُسين هُما سيّدا الشبابِ، ولا خلافَ في أنّ الكهلَ غيرُ الشابِّ مِن حيثُ العُمر؟ فالجوابُ عن ذلك: أنّ المعروفَ بينَ أهلِ العلمِ أنَّ الجنّةَ ليسَ فيها كهولٌ، وأبناءُ العامّةِ رووا في كتبِهم ما يؤكّدُ ذلك، ففي سُننِ الدارمي : ۲/۳۳٥ ، وسُننِ الترمذي : ٤/۸٦ ، عن أبي هُريرة ، عن النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله ، قالَ :« أهلُ الجنّةِ شبابٌ جُردٌ مردٌ كُحل ، لا تبلى ثيابُهم ، ولا يفنى شبابُهم » ، فكيفَ يكونُ فيهم كهولٌ؟! والحديثُ حسنٌ مُعتبَر وفقَ شروطِ الحديثِ عندَهم. ويؤيّدُ ذلكَ ما ورَدنا مِن طُرقِنا الخاصّةِ، إذ رويَ أنّ المأمونَ العباسيّ بعدَما زوّجَ ابنتَه أمَّ الفضلِ للإمامِ الجوادِ (ع) كانَ في مجلسٍ، وعندَه أبو جعفرٍ الجواد عليهِ السلام ويحيى بنُ أكثم وجماعةٌ كثيرة، فوجّهَ له يحيى بنُ أكثم عدّةَ أسئلةٍ مِنها:ما تقولُ يا بنَ رسولِ اللهِ في الخبرِ الذي رويَ (أنّهما سيّدا كهولِ أهلِ الجنّة)؟فقالَ أبو جعفرٍ الجواد عليهِ السلام: وهذا الخبرُ محالٌ أيضاً، لأنَّ أهلَ الجنّةِ كلّهم يكونونَ شباباً ولا يكونُ فيهم كهلٌ، وهذا الخبرُ وضعَه بنو أميّةَ لمُضادّةِ الخبرِ الذي قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله في الحسنِ والحسين عليهما السلام: بأنّهما (سيّدا شبابِ أهلِ الجنّة). [الاحتجاجُ للطبرسيّ ج2/ص246]. ولا تستغرِب أخي القارئ مِن وضعِ مثلِ هذه الأحاديثِ في قبالِ الأحاديثِ الصّحيحةِ الواردةِ في مناقبِ أهلِ البيت، لأنّ هذا العملَ هوَ وظيفةُ الكذّابينَ والوضّاعينَ الذينَ كانوا يسعونَ بكلِّ جهدِهم لطمسِ الحقائقِ وليبقى الواقعُ على ما هُم عليهِ الآن، كما وضعوا مِن قبلُ حديث (أبو بكرٍ وعُمر منّي بمنزلةِ هارونَ مِن موسى) الذي رواهُ الخطيبُ البغداديّ في تاريخِ بغداد 11 / 384 . والمُتّقي الهنديّ في كنزِ العُمّالِ 11 / 567 . وغيرُهما. وهوَ حديثٌ موضوعٌ لا شُبهةَ في وضعِه مِن قبلِ أحدِ الكذّابينَ في قبالِ الحديثِ الصّحيحِ المُتّفقِ على صِحّتِه بينَ جميعِ المذاهبِ الإسلاميّةِ في أنّ رسولَ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله قالَ لعليٍّ (عليهِ السلام) أنتَ مِنّي بمنزلةِ هارونَ مِن موسى إلّا أنّه لا نبيَّ بعدي. ولو أرَدنا أن نسردَ لكَ منَ الأحاديثِ الموضوعةِ في بعضِ الخلفاءِ في مقابلِ الأحاديثِ الصّحيحةِ في فضلِ أميرِ المؤمنينَ وآله الأطهارِ لطالَ الجوابُ وخرَجنا عن موضوعِ البحث، فنكتفي بذلكَ ما دامَ الأمرُ صارَ واضحاً لكلِّ قارئٍ مُنصِف. ودمتُم سالِمين.
اترك تعليق