هل كان الإنسان البدائي قرد؟

:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تنتمي فرضية الأصل المشترك بين الإنسان والقرد إلى نظرية النشوء والارتقاء، وقد ظهرت هذه النظرية وتبلورت في بداياتها الأولى على يد العالم البريطاني تشارلز داروين، حيث يعتبر كتابه (عن أصل الأنواع) والذي نشر في عام 1859م حجر الأساس لعلم الأحياء التطوري، وقد ساهمت هذه النظرية في تقديم بعض التفسيرات حول التغيرات التي تحدث للكائنات الحية، إلا أنها عاجزة عن تقديم تصور كلي لأصل الحياة على كوكب الأرض، حيث تفترض هذه النظرية أن الحياة بدأت من كائن ذو خلية واحدة من غير أن تقدم تفسيراً واضحاً لنشوء هذه الخلية، وما هو مطروح من تفسيرات ليس إلا مجرد فرضيات لا تدعمها أي شواهد علمية، فمثلاً يقول العالم السويسري (إرينيوس) إن الكائنات الوحيدة الخلية مصدرها كائنات مجهرية توجد في فضاء الكون منذ الأزل، حيث انسلت إلى الأرض، ثم تطورت صدفة فأعطت حيوانات ونباتات صدفة، وعن طريق التطور. أما التفسير الثاني فيقدمه (لارنست هيكَل) الذي يقول بأن الكائنات تطورت من جماد، بمعنى أنه في فترة ما من الزمن الماضي تحولت مواد غير عضوية إلى مواد عضوية صدفة ثم أعطت أحماض أمينية التي تحولت بنفسها صدفة إلى بروتينات ثم إلى صبغيات صدفة، فأعطت كائنات ذات خلية واحدة صدفة، ثم تكونت النباتات والحيوانات وهكذا.. وكل ذلك كما هو واضح مجرد افتراضات لا تسندها التجارب العلمية، ومن الأخطاء الكبيرة التي وقع فيها بعض المندفعين لهذه النظرية هي القول بحدوث التطور بين الأنواع، أي أن النوع يمكن أن يتطور فينقلب إلى نوع أخر، وهذا أمر مستبعد بحسب البحوث الحديثة لهذه النظرية، فالعصفور لا يمكن أن يتطور فيصبح قطاً، والسمكة تصبح فرساً، والقرد يصبح إنساناً، ولا وجود لشاهد واحد يثبت حدوث تطور في النوع، فالعصفور يتغير منقاره إلا أنه يظل عصفور، والاسماك تتشكل بأشكال أخرى إلا إنها تظل اسماك، والإنسان يمكن أن يتغير لونه أو حجمه إلا أنه لا يخرج عن كونه إنساناً، ومن هنا فإن خرافة إن الإنسان والقرد يرجعان إلى جد واحد أو أن الإنسان والقرد أبنا عمومة هو مجرد هراء فكري لا يمتلك شاهد علمي واحد على صحته.وعليه يمكن قبول هذه النظرية في حدود التكيف البيئي للكائنات الحية، ولا يمكن قبولها كتفسير لأصل الحياة، كما لا يمكن قبول التطور على مستوى الأنواع، وبالتالي لا يمكن التنازل عن التفسير الديني الذي يقول بأن بداية الحياة حدثت عندما أراد الله ذلك فخلق الإنسان وغيره من الكائنات الحية، وهذا تفسير منطقي ينسجم مع العقل الذي يقول لا يمكن أن تأتي الحياة من الفراغ وإنما لابد لها من مصدر كامل لا نقص فيه ولا حاجة، ولا يمكن التنازل عن ذلك بسبب فرضية ساذجة تقول بإن بداية الإنسان خلية واحدة وجدت في ماء آسن منذ ملايين السنين، ولا نعلم ولا يعلمون من أين أتت هذه الخلية وكيف حصلت على الحياة؟ وأن المادة الميتة كيف يمكنها أن تهب الحياة لغيرها؟ بل من أين أتت هذه المادة من الأساس¬¬¬؟ وعليه لا يمكن الاعتماد على هذه النظرية في اثبات الأصل المشترك بين الإنسان والقرد، وكل ما يقال في هذا الشأن لا يتعدى حدود الافتراضات التي تفتقر لما يدعمها، فمع أن التشابه بين الكائنات حقيقة مشاهدة بالعيان إلا أنه لا علاقة له بدعوى نشأتها من أصل واحد، فصفات الكائنات تمكننا من تصنيفها ولكن لا تمكننا من معرفة أصلها، ومن أكبر الإشكالات العلمية التي تواجه نظرية الأصل المشترك بين الإنسان والقرد هي الحلقة الوسيطة لهذا التحول، فحسب نظرية داروين فإن التغييرات تتعاقب ببطء، وتسفر في النهاية على الانتقال من نوع إلى نوع آخر، وهذا لا يمكن تصديقه إلا باكتشاف الحلقة الوسطية، وهذا ما عجز العلم الحديث من الوصول إليه، فكل الحفريات والاختبارات التي أجريت على هياكل عظمية قديمة لم تتمكن من الوصول إلى الكائن الذي يمثل مرحلة الافتراق بين القرد والإنسان، وقد احتفت الأوساط العلمية مؤخراً بأحدث اكتشاف لهيكل عظمي للإنسان أطلقوا عليه "أردي"، عاش قبل 4.4 مليون سنة، يظهر أن البشر لم يتطوروا عن أسلاف يشبهون قرد الشمبانزي، فقد نشر مجلة العلوم الأمريكية "ساينس" 47 مقالة عن الكشف الأثري، ويذكر أن البحث الأولي عن الكشف قد نشر عام 1994، وقال الباحثون إن الحقيقة المتعلقة بــ(الحلقة المفقودة)؛ أي الجد المشترك بين الإنسان والقردة الحديثة، كانت مختلفة عن الاثنين وتطورت القردة تماما بقدر ما تطور الإنسان عن هذا الجد المشترك. ويؤكد العلماء أن "أردي" ربما تكون الآن أقدم أسلاف الإنسان المعروفين، لكنها ليست الحلقة المفقودة وذلك وفقا لما نقلته وكالة رويترز.وفي المحصلة كل ما يمكن أن يقال عن الأصل المشترك بين الإنسان والقرد هو مجرد فرضيات لا علاقة لها بالحقائق العلمية، وبالتالي لا يمكن التشكيك في التفسير الديني لأصل الإنسان لمجرد افتراضات ما زالت في طور التخيلات، يقول السيد الطباطبائي في ذلك: (هذا النسل الموجود من الإنسان ليس نوعاً مشتقاً من نوع آخر حيواني أو غيره حولته إليه الطبيعة المتحولة المتكاملة، بل هو نوع أبدعه الله تعالى من الأرض، فقد كانت الأرض وما عليها والسماء ولا إنسان، ثم خلق زوجان أثنان من هذا النوع وإليهما ينتهي هذا النسل الموجود ... وأما ما أفترضه علماء الطبيعة من تحول الأنواع، وأن الأنسان مشتق من القرد، وعليه مدار البحث الطبيعي اليوم، أو متحول من السمك على ما أحتمله بعض، فإنما هي فرضية، والفرضية غير مستندة إلى العلم اليقيني، وإنما توضع لتصحيح التعليلات والبيانات العلمية، ولا ينافي اعتبارها اعتبار الحقائق اليقينية، بل حتى الإمكانات الذهنية، وإذ لا اعتبار لها أزيد من تعليل الآثار، والأحكام المربوطة بموضوع البحث ... )، الميزان في تفسير القرآن: ج1، ص64.