لماذا في خلق آدم قال (ونفخت فيه من روحي) بينما في خلق عيسى قال (فنفخنا فيه من روحنا)؟

السؤال: في قصة مريم عليها السلام وعيسى عليهما السلام أن الله تعالى جاء بضمير التعظيم في قوله تعالى: (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا). (12) التحريم. وقوله: (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ)، أما في قصة آدم عليه السلام يأتي الخطاب (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ). وقوله: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ). ما دلالة ذكر (نفخت) مع آدم عليه السلام. بينما ذُكِرَ(نفخنا) مع مريم عليها السلام.

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

أولاً: وردت كلمة (الرّوح) في القرآن الكريم في موارد متعدّدة وبمعاني مختلفة، منها:

1- الرّوح بمعنى روح القدس التي يؤيّد الله بها الانبياء والرسل، ومن ذلك قوله تعالى: (وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ)، والروايات في هذا الشأن كثيرة.

2- الرّوح التي يؤيّد الله بها المؤمنين ويربط بها على قلوبهم، ومن ذلك قوله تعالى: (أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ).

3- الرّوح بمعنى المَلَك الذي ينزل بالوحي، ويسمّى بالرّوح الأمين، ومن ذلك قوله تعالى: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ).

4- الرّوح بمعنى مخلوق أفضل من الملائكة وأعظم من جبرائيل، ففي الكافي بإسناده عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه ‌السلام عن قول الله عز وجل : "يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي" قال: خَلْقٌ أعظم من جبرائيل وميكائيل كان مع رسول الله صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله، وهو مع الأئمة، وهو من الملكوت".

5- الرّوح بمعنى القرآن أو الوحي السّماوي، ومن ذلك قوله تعالى: (وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا).

6- الرّوح بمعنى الرّوح الإنسانيّة، كما في آيات خلق آدم وعيسى (عليهم السلام).

ثانياً: الروح بكلّ معانيها خَلقٌ لله وهي فعله تعالى، ونسبة الروح إلى الله هي إضافة مِلْكٍ وتشريفٍ، فالله خالقها ومالكها، قبضها وبسطها بيده سبحانه، ونقول روح الله كما نقول بيت الله وناقة الله وعباد الله ورسول الله، فكلّها مخلوقات أضيفت لله تعالى للتشريف والتكريم، جاء في تفسير العياشي عن زرارة وحمران عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما ‌السلام في قوله: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ» قال: "إن الله تبارك وتعالى أحد صمد ـ والصمد الشيء الذي ليس له جوف فإنما الروح خلق من خلقه ـ له بصر وقوة وتأييد يجعله في قلوب الرسل والمؤمنين"

ثالثاً: إذا فسّرنا الرّوح في خلق آدم وعيسى (عليهما السلام) بالرّوح الإنسانيّة فحينها يكون الفرق هو أنّ الله منح آدم روح الحياة من دون واسطة، أيْ: أنّ الله هو الذي تولّى ذلك بنفسه، ولذا كان التعبير المناسب هو قوله: (ونفخت فيه من روحي)، بينما منح الله عيسى روح الحياة بواسطة مَلَك، والذي يدلل على ذلك قوله تعالى: (فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا)، أيْ: أنّ الملك هو الذي نفخ روح الله في عيسى (عليه السلام) ومنحه الحياة، ولذا كان التعبير المناسب هو قوله: (فنخفنا فيه من روحنا). والله العالم.