يجبن أصحابه ويجبنونه !

السؤال: هل صحّ في كتب أهل السنة والجماعة أنّ عمر بن الخطّاب كان يجبّن أصحابه ويجبّنونه في معركة خيبر؟

: السيد رعد المرسومي

الجواب:

نعم، صحّ ذلك من حديث أمير المؤمنين (ع)، وورد من طرق أخرى ضعيفة تشهد لهذه الحادثة، إذْ روى ابن أبي شيبة في كتابه المصنف قائلاً: حدثنا عبيد اللَّه قال: حدثنا نعيم بن حكيم، عن أبي مريم، عن علي قال: سار رسول اللَّه صلى الله عليه [وآله] وسلم إلى خيبر، فلما أتاها بعث عمر ومعه الناس إلى مدينتهم - أو إلى قصرهم -، فقاتلوهم فلم يلبثوا أن ‌انهزم ‌عمر وأصحابه، فجاء يجبنهم ويجبنونه، فساء ذلك رسولَ اللَّه صلى الله عليه [وآله] وسلم فقال: "لأبعثنّ إليهم رجلًا يحب اللَّه ورسوله ويحبه اللَّه ورسوله، يقاتلهم حتى يفتح اللَّه له ليس بفرار"، فتطاول الناس لها، ومدّوا أعناقهم يرونه أنفسهم رجاء ما قال، فمكث ساعة ثم قال: "أين عليّ؟ " فقالوا: هو أرمد، فقال: "ادعوه لي"، فلما أتيته فتح عيني ثم تفل فيهما، ثم أعطاني اللواء فانطلقت به سعياً خشية أن يحدث رسول اللَّه صلى الله عليه [وآله] وسلم فيهم حدثًا أو فِيّ، حتى أتيتهم فقاتلتهم فبرز مرحب يرتجز، وبرزت له أرتجز كما يرتجز حتى التقينا، فقتله اللَّه بيدي، وانهزم أصحابه فتحصنوا وأغلقوا الباب، (فأتينا الباب) فلم أزل أعالجه حتى فتحه اللَّه. (المصنف لابن أبي شيبة: 21 / 22 رقم39664، ت: الشثري، مسند البزار: 3 / 22رقم 770).

أقول: ورجال الإسناد ثقات صادقون، وفي بعضهم كلام لا يضرّ في صحة الرواية، كما سيتبيّن بعد قليل، أمّا عبيد الله بن موسى: فهو ثقة من شيوخ البخاري. وشيخه نعيم بن حكيم: وثّقه العجليّ، وذكره ابن حبّان في ثقاته، وقد وثّقه صريحاً ابن معين كما نقل ذلك عنه اثنان من تلامذته، وقد انفرد بتضعيفه الساجيّ، بل نسب التضعيف إلى ابن معين وهو واهم بذلك، لأنّه يخالف ما ذكره بعض تلاميذه عنه، وقال ابن خراش: صدوق لا بأس به، وقال النسائيّ: ليس بالقويّ، وهي من الأوصاف التي يحتجُّ برواتها النسائيّ في سننه كما هو معروفٌ عنه، فتجعل من حديثه عنده حسناً.

وأما الأزديّ فلا عبرة بكلامه في الرجال، وكذا الحال فيما يتعلّق بكلام ابن سعد، إذْ أغلب أقواله مستندها الواقديّ، كما نبّه على ذلك ابن حجر العسقلانيّ وغيره، فالرجل في أقلِّ أحواله صدوقٌ حسن الحديث، خصوصاً أنّه روى عنه الأجلاء من نقّاد الحديث وثقاتهم كيحيى بن سعيد القطّان، ووكيع، وأبي عوانة، ومحمد بن بشر العبديّ، وعبيد الله بن موسى، وغيرهم.

وأما أبو مريم المدائني: فقد سمع من أمير المؤمنين (ع)، وسمع منه نعيم بن حكيم، وعبد الملك بن حكيم، وقد وثّقه صريحاً النسائيّ، وذكره ابن حبّان في ثقاته، واسمه قيس، كما قال بذلك أبو حاتم الرازيّ والنسائيّ وابن حبّان.

وأمّا الدارقطنيّ فالظاهر أنّه ما عرفه، فلذا قال عنه مجهولٌ. كما في سؤالات البرقاني للدارقطنيّ.

ومن هنا تعلم أنّ الشثريّ محقّق كتاب المصنّف قد قصّر في تحرير أحواله حين زعم أنّه مجهولٌ .

فإسناد هذا الحديث حسنٌ وَفْقاً لقواعد علم الحديث.

ومن هنا يعلم صحة ما ذهب إليه الحاكم حين ذهب إلى صحة إسناد هذا الحديث، ووافقه عليه الذهبي. (المستدرك على الصحيحين: 3 / 37).

وهناك طرق أخرى لا يخلو أسانيدها من ضعف، ولكنها تعدّ من الشواهد، وبها اشتهرت هذه الحادثة حتى صارت معروفة بين المؤرخين والمحدثين، وإليك بعضاً من هذه الطرق بحسب ما يسع المجال:

أولاً: روى البزار في مسنده قال: حَدَّثنا عباد بن يعقوب، قَال: حَدَّثنا عَبد الله بن بكير، قَال: حَدَّثنا حَكِيمِ بْنِ جُبَير، عَن سَعِيد بْنِ جُبَير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه [وآله] وسلم إِلَى خَيْبَرَ، أَحْسَبُهُ أَبَا بَكْرٍ، فَرَجَعَ مُنْهَزِمًا وَمَنْ مَعَهُ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ، بَعَثَ عُمَر، فَرَجَعَ مُنْهَزِمًا، ‌يُجَبِّنُ أصحابَهُ، ويُجَبِّنُهُ أصحابُهُ، فَقَالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه [وآله] وسلم: لأُعطين الرَّايَةَ غَدًا رَجُلا، يُحب اللَّهَ ورسولَهُ، ويُحبه اللَّهُ ورسولُهُ، لا يَرْجِعُ حَتَّى يفتحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَثَارَ الناسُ. فَقَالَ: أَيْنَ عَلِيٌّ؟ فَإِذَا هُوَ يَشْتَكِي عينَهُ، فتَفَلَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه [وآله] وسلم فِي عَيْنِهِ، ثُمَّ دَفَعَ إِلَيْهِ الرايةَ، فَهَزَّهَا، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ. (مسند البزار: 11 / 327).

أقول: ورجال إسناد هذه الرواية لا إشكال فيهم، عدا حكيم بن جبير، فقد ضعّفه بعض النقّاد، وقوّى أمره آخرون، وظاهر ترجمته أنه لا يبعد عنه الصدق كما ذهب إلى ذلك أبي زرعة الرازي، وكان يحيى بن سعيد القطان لا يرى في حديثه بأساً، بل كان يقول: نحن نحدث عمن دون هؤلاء. (لاحظ شرح علل الترمذي: 2 / 565).

والظاهر أنّ منشأ تضعيفه من قبل بقية النقاد كونه من الشيعة، وحديثه يصلح في المتابعات والشواهد.

ولذا يعدّ حديثه هذا حسناً لغيره، وفقاً لقواعد علم الحديث.

ثانياً: روى ابن أبي شيبة في المصنف قال: حدثنا هوذة بن خليفة قال: حدثنا عوف (عن) ميمون أبي عبد اللَّه عن عبد اللَّه بن بريدة الأسلمي عن أبيه قال: لما نزل رسول اللَّه بحضرة خيبر فزع أهل خيبر وقالوا: جاء محمد في أهل يثرب، قال: فبعث رسول اللَّه صلى الله عليه [وآله] وسلم عمر بن الخطاب بالناس فلقي أهل خيبر فردوه وكشفوه هو وأصحابَه، فرجعوا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه [وآله] وسلم، ‌يجبن ‌أصحابه ويجبنه أصحابه، قال: فقال رسول اللَّه صلى الله عليه [وآله] وسلم: "لأعطين اللواء غدا رجلا يحب اللَّه ورسوله، (ويحبه اللَّه ورسوله) "، قال: فلما كان الغد تصادر لها أبو بكر وعمر، قال: فدعا علياً وهو يومئذ أرمد فتفل في عينه وأعطاه اللواء قال: فانطلق بالناس، قال: فلقي أهل خيبر ولقي مرحبا الخيبري، وإذا هو يرتجز (ويقول):

قد علمت (خيبر أني مرحب) … شاكي السلاح بطل مجرب

إذا (الليوث) أقبلت تلهب … أطعن أحيانا وحينا أضرب

قال: فالتقى هو وعلي (فضربه علي ضربة على هامته) بالسيف، عضّ السيف منها بالأضراس، وسمع صوت ضربته أهل العسكر، قال: فما تتام آخر الناس حتى فتح لأولهم. (المصنف لابن أبي شيبة: 21 / 14 رقم 39649، ت: الشثري).

أقول: ورجال الإسناد ثقات، لا إشكال فيهم، عدا ميمون أبي عبد الله، فقد ضعّفه طائفة من النقاد، ولكن قال بعضهم كالنسائي وأبي أحمد الحاكم: ليس بالقوي، وذكره ابن حبان في الثقات، وهذا يعني أنّ حديثه يحسّنُ في المتابعات والشواهد، كما في هذا الحديث.

وهناك طرق أخرى ضعيفة ذكرها الحاكم في المستدرك: 3 / 37 – 38، ولكننا استغنينا عنها بهذه الطرق التي تقدّم بانها آنفاً، والتي تثبت صحة الحادثة.

فالنتيجة: أنّه من مجموع هذه الطرق يثبت صحة حادثة أنّ عمر بن الخطاب كان "يجبّن أصحابه ويجبنونه" في معركة خيبر.

ودمتم سالمين.