هل القرآن قديم؟

السؤال: القرآن كلام الله، هل تكلم به قبل خلق السماوات والأرض وقبل خلق المخلوقات، وبيَّنَ فيه ما يجري على الأنبياء وقبل خلقهم وبعثهم، ثمّ بعد بعثة الرسول (صلى الله عليه وآله) أنزله على قلبه، أم أنّ الله لا يتأثّر بالزمان، وعليه لا يكون للسؤال أصل؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

من المباحث التي كثر البحث والجدال فيها هي مسألة كلام الله تعالى، إلى درجة أنّه أطلق على علم الإلهيّات والعقائد (علم الكلام) نسبة لهذه المسألة – على ما قيل –، ونقطة النزاع التي احتلّت الحيّز الأكبر بين الفرق الكلاميّة هي القرآن الكريم؛ هل هو قديم أم حادث مخلوق؟

وقد تدخّلت السلطة العباسيّة في هذا النزاع، وخلقت منه بلبلة واسعة في الوسط الإسلاميّ آنذاك، ففي حين تبنّى المأمون والمعتصم القول بأنّ القرآن مخلوق تبعاً للمعتزلة، فقد تبنّى المتوكّل القول بقدم القرآن تبعاً للحنابلة وأهل الحديث، وهكذا كانت كلّ سلطة تلاحق خصومها وفقاً لرأيها في مسألة خلق القرآن وقدمه.

وبسبب توظيف هذه المسألة سياسيّاً وخروجها عن الإطار العلميّ، منع أهل البيت (عليهم السلام) أصحابهم من الخوض في هذه المسألة، وأمروهم بالاكتفاء بالقول بأنّ القرآن كلام الله (عزّ وجلّ).

ففي الرواية: « سُئل الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام): يا ابن رسول الله، ما تقول في القرآن، فقد اختُلف فيه من قِبَلنا، فقال قومٌ: إنّه مخلوق، وقال قومٌ: إنّه غير مخلوق، فقال (عليه السلام): أَمَا إنّي لا أقول في ذلك ما يقولون، ولكنّي أقول: إنّه كلام الله ». [التوحيد للصدوق، ص224].

وفي رواية أخرى: « سُئل الإمام الرضا (عليه السلام): ما تقول في القرآن؟ فقال (عليه السلام): كلام الله لا تتجاوزوه ». [التوحيد للصدوق، ص223].

ولكنّ ذلك لم يمنع الأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام) من بيان موقفهم الواضح من هذه المسألة في الظروف المناسبة، فصرّحوا بحدوث القرآن وعدم قدمه.

ففي الحديث: كتب الإمام علي بن موسي الرضا (عليه السلام) إلى بعض شيعته ببغداد: « ... نحن نرى أنّ الجدال في القرآن بدعة... وليس الخالق إلّا الله (عزّ وجلّ)، وما سواه مخلوق...». [التوحيد للصدوق، ص224].

فكلام الله غير الله تعالى، وكلّ ما هو غير الله فهو مُحدَث، أي لم يكن ثم كان.

وعن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) قال: « القرآن كلام الله محدَث، غير مخلوق، وغير أزليّ مع الله تعالى ذكره، وتعالى عن ذلك علوّاً كبيراً ». [التوحيد للصدوق، ص227].

ولا يخفى عدم التنافي بين التعبير بـ « غير مخلوق » وبين التعبير بـ « محدث وغير أزليّ »؛ لأنّ المراد من « غير مخلوق » هو أنّه غير مكذوب، فكلمة (المخلوق) تأتي في اللغة بمعنى (المكذوب) أيضاً، فيُقال: هذه قصيدة مخلوقة، أي: مكذوبة على صاحبها أو مضافة إلى غير قائلها.

فالأئمّة (عليهم السلام) أوضحوا موقفهم بذكر الاستعمال القرآنيّ وهو أنّ القرآن محدَث، ولم يقولوا بأنّه مخلوق؛ لئلّا يكونوا طرفاً في هذه القضيّة التي تدخّلت فيها السلطة، ولئلّا تكون هذه اللفظة قشّةً تتمسّك بها الملاحدة والزنادقة للخدش في مصداقيّة القرآن.

قال الشيخ الصدوق في تعليقه على الحديث: (معنى ما فيه أنّه « غير مخلوق »، أي غير مكذوب، ولا يعني به أنّه غير محدث؛ لأنّه قال: « محدَث، غير مخلوق، وغير أزليّ مع الله تعالى ذكره » [التوحيد ص229].

وقال أيضاً: (قد جاء في الكتاب: أنّ القرآن كلام الله، ووحي الله، وقول الله، وكتاب الله. ولم يجئ فيه: أنّه مخلوق. وإنّما امتنعنا من إطلاق المخلوق عليه؛ لأنّ المخلوق في اللغة قد يكون مكذوباً، ويقال: كلام مخلوق، أي مكذوب، قال الله تبارك وتعالى: {إنما تعبدون من دون الله أوثاناً وتخلقون إفكاً} أي كذباً، وقال تعالى - حكاية عن منكري التوحيد -: {ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إنْ هذا إلّا اختلاق}، أي افتعال وكذب.

فمَن زعم أنّ القرآن مخلوق، بمعنى أنّه مكذوب، فقد كفر.

ومَن قال: إنّه غير مخلوق، بمعنى أنّه غير مكذوب، فقد صدق وقال الحقّ والصواب.

ومَن زعم أنه غير مخلوق، بمعنى أنه غير محدَث وغير منزَل وغير محفوظ، فقد أخطأ وقال غير الحقّ والصواب) [التوحيد ص225].

وبعيداً عن الخوض في تفصيل هذه المسألة واستعراض أدلّة المخالفين والموافقين، فإنّ هذا المقدار كافٍ في الاجابة على سؤال السائل، حيث اتّضح أنّ القرآن لم يكن ثمّ كان، أي: أنّ الله أحدثه وأنزله على النبيّ الاعظم (صلى الله عليه وآله) بعد أنْ لم يكن موجوداً، ولا يتعارض هذا القول مع كون الله خارج عن الزمان والمكان، فالمخلوقات والموجودات الإمكانيّة هي التي تحتاج إلى الزمان والمكان، بينما الخالق لا يكون خالقاً إذا كان مقيّداً بالزمان والمكان؛ لأنه حينها يكون مخلوقاً وليس خالقاً، فالزمان والمكان من لوازم المخلوقيّة والمحدوديّة، والله سبحانه غير مخلوق وغير محدود، فهو خالق المكان والزمان، فلا تحتويه الأمكنة ولا تحيطه الأزمنة.

عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: « إنّ الله تبارك وتعالى لا يُوصف بزمان، ولا مكان، ولا حركة، ولا انتقال، ولا سكون، بل هو خالق الزمان والمكان والحركة و السكون والانتقال، تعالى عمّا يقول الظالمون علواً كبيرا ». [التوحيد للصدوق، ص184]