يدعي بعض المنحرفين عدم صحة زيارة الاضرحة المقدسه، فما هو جوابكم؟

: السيد أبو اَلحسن علي الموسوي

الجوابُ: 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أجمعَ المسلمونَ على جوازِ زيارةِ القبور، ولم يُخالِف في ذلكَ أحدٌ مِنهم حتّى السلفيّةُ الوهابيّة، وشيخُهم ابنُ تيمية، فقد جوّزوا زيارةَ القبورِ في الجُملة، روى مسلمٌ في صحيحِه بسندِه عن بريدة قالَ: قالَ رسولُ الله (ص): نهيتُكم عن زيارةِ القبور فزوروها. (صحيحُ مُسلم: 6 / 82). فإنّ زيارةَ القبورِ تذكّرُ بالآخرة، وتليّنُ القلوبَ، وتقلّلُ منَ التعلّقِ بالدنيا.

فإن كانُ زعيمُ فرقتِهم لازالَ على مذهبِ أهلِ البيت عليهم السلام، فنجيبهُ مِن وجهين:

 

الوجهُ اَلأَوَّلُ: تواترتِ اَلأخبَارُ عَن اَلأئِمَّةِ اَلأطهار عَلَيْهِم اَلسَّلَامُ في اَلحَثُّ على الزيارة، حَتَّى صَنَّفَ ثِقَةَ اَلإسلام جَعْفَرٌ بن مُحَمَّد بن قُولْوِيَّه اَلقُمِّي اَلمُتَوَفّى : 367 هِجري كِتَابًا سَمَّاهُ : « كَامِلُ اَلزِّيَارَاتِ » . فَذَكَرَ فِيهِ 843 حَدِيثًا فيهِ آدابُ زيارةِ قبورِ الأئمّةِ المَعصومين (عليهم السلام) وأوقاتُها وكيفيّتُها، وما شابهَ ذلكَ منَ التفاصيل.

روى الكُليني في الكافي 4/589 عن محمّدٍ بنِ يحيى, عن سلمةَ بنِ الخطاب, عن عبدِ اللهِ بنِ الخطاب, عن عبدِ الله بنِ محمّدٍ بنِ سنان, عن مسمع, عن يونسَ بنِ عبدِ الرحمن, عن حنان, عن أبيه قالَ : قالَ أبو عبدِ الله (عليهِ السلام) : يا سدير تزورُ قبرَ الحُسين عليهِ السلام في كلِّ يوم ؟ قلتُ : جُعلتُ فداكَ لا, قالَ : فما أجفاكم, قالَ : فتزورونَه في كلِّ جمعةٍ ؟ قلتُ: لا, قالَ : فتزورونَه في كلِّ شهرٍ ؟ قلتُ : لا, قالَ : فتزورونَه في كلِّ سنة ؟ قلتُ : قد يكونُ ذلك, قالَ : يا سدير ما أجفاكم للحُسين عليهِ السلام أما علمتَ أنَّ للهِ عزَّ وجل ألفي ألف ملكٍ شعثٌ غبرٌ يبكونَ ويزورونَ لا يفترون وما عليكَ يا سدير أن تزورَ قبرَ الحُسين (عليهِ السلام) في كلِّ جمعةٍ خمسَ مرّات وفي كلِّ يومٍ مرّة ؟ قلتُ : جعلتُ فداكَ إنَّ بينَنا وبينَه فراسخَ كثيرة فقالَ لي : اصعَد فوقَ سطحِك ثمَّ تلتفتُ يُمنةً ويُسرة ثمَّ ترفعُ رأسَك إلى السماءِ ثمَّ انحو نحوَ القبر وتقول : " السلامُ عليكَ يا أبا عبدِ الله السلامُ عليكَ ورحمةُ الله وبركاتُه " تُكتَب لكَ زورةٌ والزورةُ حجّةٌ وعُمرة, قالَ : سدير فربّما فعلتُ في الشهرِ أكثرَ مِن عشرينَ مرة .

الوجهُ اَلثَّانِي: دَلَّتْ سِيرَةَ اَلأئمّةِ اَلمعصومينَ عَليهم اَلسَّلام القطعيّةُ عَلَى إِتيانهم مراقدَ آبَائهم وزيارتهم لها وَقد صَنَّفَ شيخُ اَلطَّائفة مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن النّعمان المفيد المتوفّى : 413 هجري كِتَابًا فِي كيفيّة اَلزِّيارةِ اَلواردةِ عنهم عليهم اَلسَّلام سَمَّاهُ : « المزار » . وَكذا مُحَمَّد بن جَعْفَر بن اَلمشهديّ المتوفّى : 594 هجري . وغيرُهما . وقد نقلَ ابنُ قولويه في ( كاملِ الزيارات ) ص 304 بسندِه عن موسى بنِ القاسمِ الحضرمي، قالَ : وردَ أبو عبدِ الله (عليهِ السلام) في أوّلِ ولايةِ أبي جعفرٍ فنزلَ النجفَ فقال: يا موسى اذهَب إلى الطريقِ الأعظمِ فقِف على الطريقِ فانظُر فإنّه سيجيئُكَ رجلٌ مِن ناحيةِ القادسيّة، فإذا دنا منكَ فقُل له: هاهُنا رجلٌ مِن ولدِ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) يدعوكَ فسيجئُ معَك.

قالَ: فذهبتُ حتّى قمتُ على الطريقِ والحرُّ شديدٌ فلم أزَل قائماً حتّى كدتُ أعصي وأنصرف وأدعهُ، إذ نظرتُ إلى شيءٍ مُقبلٍ شبهَ رجلٍ على بعير، قالَ: فلم أزَل أنظرُ إليه حتّى دنا منّي فقلتُ له: يا هذا هاهُنا رجلٌ مِن ولدِ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) يدعوكَ وقد وصفكَ لي.

قالَ: اذهَب بنا إليه، قالَ: فجئتُه حتّى أناخَ بعيرَه ناحيةً قريباً منَ الخيمةِ.

قالَ: فدعا به فدخلَ الأعرابيُّ إليه فدنوتُ أنا فصرتُ على بابِ الخيمةِ أسمعُ الكلامَ ولا أراهما فقالَ أبو عبدِ الله (عليهِ السلام): مِن أينَ قدمت؟ قالَ: مِن أقصى اليمن قالَ: فأنتَ مِن موضعِ كذا وكذا؟ قالَ: نعم أنا مِن موضعِ كذا وكذا، قال: فيما جئتَ ههنا قالَ: جئتُ زائراً للحُسين (عليهِ السلام).

فقالَ أبو عبدِ الله (عليه السلام): فجئتَ من غير حاجةٍ ليس إلا الزيارة؟ قال: جئتُ من غير حاجةٍ ليس إلّا أن أبيتَ

 عندَه وأزورَه وأسلّمَ عليه وأرجعَ إلى أهلي، قالَ له أبو عبدِ الله (عليهِ السلام): وما تروونَ في زيارته؟ قالَ: نروي في زيارتِه أنّنا نرى البركةَ في أنفسِنا وأهالينا وأولادِنا وأموالِنا ومعايشِنا وقضاءِ حوائجِنا.

قالَ: فقالَ له أبو عبدِ الله (عليهِ السلام): أفلا أزيدُكَ مِن فضلِه فضلاً يا أخا اليمن؟ قالَ:

زِدني يا بنَ رسولِ الله قالَ: إنَّ زيارةَ أبي عبدِ الله (عليهِ السلام) تعدلُ حجّةً مقبولةً مُتقبّلةً زاكيةً معَ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليه وآله)، فتعجّبَ مِن ذلك فقالَ: إي والله وحجّتين مبرورتينِ مُتقبّلتين زاكيتين معَ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليه وآله) فتعجّبَ مِن ذلك فلَم يزَل أبو عبدِ الله (عليهِ السلام) يزيدُ حتّى قال: ثلاثينَ حجّةً مبرورةً مُتقبّلةً زاكيةً معَ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله). (كاملُ الزياراتِ لابنِ قولويه، ص304).