لماذا يصر البعض على البقاء على تقليد المرجع الميت؟

: - اللجنة العلمية

إنَّ المنهجَ الشيعيَّ هوَ منهجٌ مُتجدّدٌ وغيرُ مُنغلقٍ ولا يتوقّفُ عندَ أحد، لذلكَ بابُ الاجتهادِ مفتوحٌ، فإذا كانَ كذلكَ لماذا يصرُّ البعضُ على البقاءِ على تقليدِ المرجعِ الميّت وإن كانَ بقناعتِهم أعلمَ منَ الأحياءِ والأموات؟ المفروضُ وعلى منهجِ أئمّةِ الهُدى التحوّلُ إلى المرجعِ الحيّ، وهذا سمِعنا في الأخبارِ عن سفراءِ الإمامِ الأربعةِ عندَما يتوفّى أحدٌ تذهبُ الناسُ إلى الآخر، وكذلكَ مراجعُ وعلماءُ عظام مثلَ الشيخِ الطوسي والأنصاريّ والمُفيد، تتّجهُ الناسُ إلى الحيّ عندَما يموتُ العالمُ في زمانِه ووقتِه.

الجوابُ:

السلامُ عليكُم ورحمةُ الله وبركاته،

أوّلاً: لا إشكالَ أنّ بابَ الاجتهادِ والاستنباطِ مفتوحٌ عندَ الشيعةِ الإماميّة (رفعَ اللهُ رايتَهم)، وهذا البابُ مفتوحٍ لمَن هوَ مؤهّلٌ للاستنباط، أعني مَن حازَ مرتبةً عاليةً منَ العلمِ والمعرفة حتّى أصبحَ قادراً على استنباطِ الحُكمِ الشرعي مِن أدلّتِها التفصيليّة، وألمَّ بمُقدّماتِها منَ اللغةِ والصرفِ والنحوِ والبلاغةِ والمنطقِ والأصولِ وغيرِها ممّا هوَ دخيلٌ في عمليّةِ استنباطِ الحُكمِ الشرعيّ.

ومنَ الواضحِ أنّ هذا ليسَ مِن شأنِ عامّةِ المؤمنين، بل هوَ خاصٌّ بالمُجتهدين؛ إذ يجبُ على المُجتهدِ أن يعملَ بما يستنبطهُ منَ الحُكمِ الشرعيّ، ولا يجوزُ له تقليدُ مُجتهدٍ آخر. بينَما يجبُ على غيرِ المُجتهد أن يُقلّدَ الأعلمَ أو يحتاط.

وبهذا يظهرُ أنَّ ما جاءَ في السؤالِ غيرُ مُرتبطٍ، فانفتاحُ بابِ الاجتهادِ مُتعلّقٌ بالمُجتهد، بينَما تقليدُ الأعلمِ يتعلّقُ بغيرِ المُجتهد، فلا ارتباطَ بينَ المُقدّمتين؛ لأنّ المقدّمةَ الأولى مرتبطةٌ بالمُجتهد، في حينِ المقدّمةِ الثانيةِ مرتبطةٌ بالعامّي أعني غيرَ المُجتهد.

وثانياً: بحثُ الفقهاءِ والأصوليّينَ مسألةَ تقليدِ المُجتهدِ الميّتِ بشكلٍ مُستوعبٍ في مسألتين: الأولى: حكمُ تقليدِ الميتِ ابتداءً، والثانيةُ: حكمُ تقليدِ الميتِ استمراراً، يعني البقاءَ على تقليدِ الميّت. وفي هذهِ المسألةِ الثانيةِ ذهبَ الأكثرُ إلى عدمِ جوازِ البقاءِ على تقليدِ الميت، في حين ذهبَت جماعةٌ إلى جوازِ ذلك، واستدلَّ كلُّ فريقٍ ببعضِ الأدلّة.

وعمدةُ دليلِ القائلينَ بعدمِ جوازِ البقاء هوَ الإجماع، وقد ناقشَه القائلونَ بالجوازِ بأنّه أولاً: هذه المسألة بصيغتها المطروحة لم تكُن مُعنوَنةً في كلماتِ القدماءِ منَ الفقهاء، فالإجماعُ غيرُ مُتحقّق. وثانياً: إنَّ الإجماعَ في المقامِ ليسَ تعبديّاً قابلاً لاستكشافِ قولِ المعصوم (عليهِ السلام)؛ لاحتمالِ استنادِهم إلى بعضِ الأدلّة، فتكونُ العبرةُ بتلكَ الأدلّة فيُنظرُ فيها وفي مدى تماميّتَها.

واستدلَّ القائلونَ بالجوازِ بالاستصحاب، والسيرةِ العُقلائيّة، وإطلاقاتِ ما دلَّ على حُجيّةِ رأي المُجتهد. وتفصيلُ الكلامِ في ذلك يُطلَبُ منَ الكتبِ الفقهيّةِ والأصوليّة.

فالعبرةُ في المقامِ هوَ الدليلُ على هذا الحُكمِ الشرعيّ.

وأمّا وجودُ سيرةٍ عمليّةٍ على ذلك ـ أي الرجوعُ للحيّ عندَ موتِ المُجتهد، وعدمُ البقاءِ على تقليدِه ـ فهوَ واضحٌ بالنسبةِ للمسائلِ المُستحدثة، وأمّا غيرُها منَ المسائل فمِن غيرِ الواضحِ وجودُ مثلِ هذهِ السيرةِ بحيثُ تكونُ مُمتدّةً لزمانِ المعصومينَ (عليهم السلام) حتّى تكونَ مورداً للإمضاء، بل قد يُدّعى وجودُ سيرةٍ بالعكس ـ أي تقليدُ الميّت ـ كما قد يستفادُ مِن بعضِ الشواهد. وقد بحثَ سماحةُ المرجعِ السيّدِ السيستانيّ هذهِ السيرةَ في المسألةِ بشكلٍ رائع، كما جاءَ في تقريراتِ السيّدِ الربّانيّ لبحثٍ في [الاجتهادِ والتقليدِ والاحتياط]، فمَن شاءَ التفصيلَ فليُراجِعه.

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.

"