ما الدليل على اعتبار الشياع وشهادة العدلين من أهل الخبرة في معرفة الأعلم؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
إنّ طريقَ ثبوتِ الإجتهادِ والأعلميّةِ ليسَ طريقاً خاصّاً، بَل هوَ كسائر الطّرقِ إلى إثباتِ الموضوعاتِ التي لها حكمٌ شرعيٌّ، كالطّهارةِ والنّجاسةِ والعدالةِ وغيرها. وقد ذكرَ الفُقهاءَ في رسائلِهم العمليّةِ ـ على إختلافٍ بينِهم في التّفاصيلِ ـ أنّهُ يُعرفُ إجتهادُ المُجتهدِ وأعلميّتُه بأحدِ أمور: العلمُ الوجدانيُّ، شهادةُ عادلينِ مِن أهلِ الخبرةِ بشرطِ عدمِ المُعارضةِ، الشّياعُ المُفيدُ للعلم.
فلا بأسَ ببيانِ مدركِ هذهِ الطّرقِ الثّلاث:
الطّريقُ الأوّلُ: العلمُ الوجدانيّ أو الإطمئنانُ: فإنّهُ يثبتُ بهِ الإجتهادُ والأعلميّةُ وغيرُ ذلكَ؛ لأنّ العلمَ حُجّةٌ بذاتِه.
الطّريقُ الثّاني: شهادةُ عدلينِ مِن أهلِ الخبرةِ معَ عدمِ المُعارضةِ: فقد إستدلَّ على حُجّيّتِها بوجوه:
منها: الأخبارُ الدّالّةُ على عمومِ حُجّيّةِ البيّنةِ، مثلَ روايةِ مسعدةَ بنِ صدقة، عَن أبي عبدِ اللهِ عليهِ السّلام، قالَ: سمعتُه يقولُ: « كلُّ شيءٍ هوَ لكَ حلالٌ حتّى تعلمَ أنّهُ حرامٌ بعينِه فتدعَه مِن قبلِ نفسِك، وذلكَ مثل الثوبِ يكونُ عليكَ قد إشتريتَه وهوَ سرقةٌ، أو المملوكِ عندَك ولعلّهُ حرٌّ قد باعَ نفسَه أو خُدعَ فبيعَ قهراً، أو إمرأةٌ تحتك وهيَ أختُك أو رضيعتُك، والأشياءُ كلّها على هذا حتّى يستبينَ لكَ غيرَ ذلكَ أو تقومَ بهِ البيّنةُ ». (وسائلُ الشّيعة 17/ 89). وهذهِ الرّوايةُ يُستفادُ منها أنّ البيّنةَ حُجّةٌ شرعيّةٌ في إثباتِ الموضوعاتِ المذكورةِ في الرّوايةِ، وبما أنّ كلمةَ « الأشياءِ » منَ الجمعِ المُحلّى باللّامِ، وهوَ مِن أدواتِ العمومِ، سيّما معَ تأكيدِها بكلمةِ « كلّها »، فيُتعدّى عنها إلى بقيّةِ الموضوعاتِ، ومنها الإجتهادُ والأعلميّة.
ومِنها: أنّا نعلمُ أنّ النّبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وآله كانَ يعتمدُ على إخبار العَدلينِ في مواردِ التّرافعِ مِن غيرِ شكٍّ، وإعتمادُه صلّى اللهُ عليهِ وآله يدلّنا على أنّ شهادةَ العدلينِ أيضاً مِن مصاديقِ الحُجّةِ، فإنّه لولا كونِها حجّةً لم يجُز لهُ أن يعتمدَ عليها أبداً، فبهذا نستكشفُ أنّها حُجّةٌ مُطلقاً. (التّنقيحُ 1/ 174).
وقد إعتبروا أن يكونَ العادلانِ مِن أهلِ الخبرةِ؛ لأنّ الإجتهادَ والأعلميّةَ منَ الموضوعاتِ التي تحتاجُ إلى نظرٍ وتفكّرٍ، بخلافِ الطّهارةِ والنّجاسةِ ونحوها ممّا لا يحتاجُ لذلكَ، وهذا طريقٌ عقلائيٌّ فإنّه يقبلُ شهادةُ أهلِ الخبرةِ فيما يختصّونَ به.. كما أنّهم إعتبروا ألّا تكونَ الشّهادةُ مُعارضةً بشهادةِ عادلينِ مِن أهلِ الخبرةِ ينفيانِ ذلكَ؛ لأنّ حُجّيّةَ البيّنةِ مُختصّةٌ بصورةِ عدمِ التّعارضِ، وإلّا فتتساقطُ البيّنتانِ، فلا تكونُ حُجّة.
الطّريقُ الثّالث: الشّياعُ المُفيدُ للعلمِ:
والشّياعُ يُعبّرُ عنهُ بالإستفاضةِ والتّسامعِ أيضاً، ومعناهُ أن يُصبحَ أمراً معروفاً عندَ مُختلفِ أفرادِ النّاسِ مِن أهلِ الخبرةِ أو غيرِهم. وبعبارةٍ أخرى: هوَ شيوعُ أمرٍ بينَ النّاس.
وهذا الطّريقُ يُعتبرُ مِن أفرادِ الطّريقِ الأوّلِ، وذكرَهُ بعضُ الفُقهاءِ لوحدِه لأنّه ممّا يحصلُ منهُ العلمُ غالباً، بينَما تركَ ذكرَه البعضُ الآخرُ باعتبارِ أنّهُ مِن أفرادِ العلم.
اترك تعليق