حديثُ إذا كانَ يومُ القيامةِ أنبتَ اللهُ لطائفةٍ مِن أمّتي أجنحةً ....إلخ السؤالُ: ( لماذا لم يُذكَر سندُ الحديثِ ورجالهُ؟)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لقد تتبعت هذه الرواية التي ينقلها صاحب جامع السعادات عن كتاب بحار الأنوار وصاحب بحار الأنوار ينقلها عن كتاب مسكن الفؤاد في فقد الاحبة والأولاد لشهيد الثاني ولكن لم يذكر سند الحديث او رجاله وهذه هي الرواية .️( روي عن رسول الله صلى الله عليه واله إنه قال ) : ( إذا كان يوم القيامة أنبت الله تعالى لطائفة من أمتي أجنحة فيطيرون من قبورهم إلى الجنان يسرحون فيها ويتنعمون فيها كيف شاؤوا ، فتقول لهم الملائكة : هل رأيتم الحساب ؟ فيقولون ما رأينا حسابا!! فتقول لهم : هل جزتم الصراط ؟ فيقولون : ما رأينا صراطا . فتقول لهم : هل رأيتم جهنم ؟ فيقولون : ما رأينا شيئا فتقول الملائكة : مِنْ أمة مَنْ أنتم ؟ فيقولون : من أمة محمد صلى الله عليه وآله . فتقول : ناشدناكم الله ! حدثونا ما كانت أعمالكم في الدنيا . فيقولون : خصلتان كانتا فينا فبلغنا الله هذه المنزلة بفضل رحمته ، فيقولون : وما هما؟ فيقولون : كنا إذا خلونا نستحي أن نعصيه ونرضى باليسير مما قسم لنا . فتقول الملائكة : يحق لكم هذا . ) ( جامع السعادات للشيخ الجليل النراقي قدس سره

الجوابُ:

إنَّ السّببَ في عدمِ ذكرِ سندِ الحديثِ ورجالِه يكمنُ في أنَّ أصلَ الحديثِ مِن طُرقِ العامّة، وتحديداً هوَ مِمّا اختصَّ به الصوفيّةُ مِن أمثالِ أبي طالبٍ المَكيّ والغزاليّ وغيرِهما.

وقد علّقَ العراقيُّ على هذا الخبرِ قائِلاً: رواهُ ابنُ حبّان في الضعفاءِ وأبو عبِدِ الرحمنِ السّلمي مِن حديثِ أنسٍ معَ اختلافٍ وفيه حميدٌ أبو علىّ القيسيّ ساقطٌ هالكٌ والحديثُ مُنكَرٌ مُخالِفٌ للقرآنِ وللأحاديثِ الصحيحةِ في الورودِ وغيرِه. [تخريجُ أحاديثِ إحياءِ علومِ الدين ج5/ص366].

ولكنّي رأيتُ أبا طالبٍ المكّي صاحبَ كتابِ قوتِ القلوبِ في مُعاملةِ المَحبوب ووصفِ طريقِ المُريد إلى مقامِ التوحيد، (ج ٢/ص ٦٥) يقولُ: وقد روَينا حديثاً حسناً كالمُسنَدِ عن حمّادَ بنِ سلمة عن ثابتٍ البناني عن أنسٍ بنِ مالك: إذا كانَ يومُ القيامةِ أنبتَ اللهُ لطائفةٍ مِن أمّتي أجنحةً فيطيرونَ مِن قبورِهم إلى الجِنان ، يسرحونَ فيها ويتنعّمونَ كيفَ شاؤوا قالَ : فتقولُ لهُم الملائكة : هل رأيتُم الحِساب؟ فيقولونَ : ما رأينا حساباً فيقولونَ : هل جِزتُم الصراطَ فيقولونَ : ما رأينا الصراطَ فيُقالُ لهُم : رأيتُم جهنّمَ ؟ إلى آخرِ الحديث.

ولكن عندَ التحقيقِ فإنَّ دعوى أبي طالبٍ المَكّيّ أنّ هذا الحديثَ حسنٌ كالمُسنَد، لا تصمُد، وذلكَ لعلّتين: إحداهُما: أنَّ أصلَ هذا الحديثِ هوَ مِن روايةِ حميدٍ بنِ عليّ القيسيّ الذي كانَ يظهرُ عليه صفاتُ الخيرِ والصّلاحِ كما هوَ حالُ الصوفيّة، رواهُ عن هدبة بنِ خالدٍ عن حمّادَ بنِ سلمةَ به، كما بيّنَ ذلكَ ابنُ حبّان في كتابِه المجروحينَ في ترجمةِ القيسيّ (269) حينَ سمعَ منهُ بالبصرة، وقالَ في حقِّه بعدَ أن روى له بعضَ الأحاديث: في كتابِه المجروحين، (ج ١/ص ٢٦٤): أنّهُ لا يخلو أمرُه مِن أحدِ شيئين إمّا أن يكونَ هوَ الذي يتعمّدُ قلبَ هذهِ الأحاديثِ أو قُلبَت لهُ فحدّثَ بها ، فلا يجوزُ الاحتجاجُ به بعدَ روايته مثلَ هذهِ الأشياءِ عن هؤلاءِ الثقاتِ الذينَ لم يُحدّثوا بهذهِ الأحاديث على هذا النحو ، وهذا شيخٌ ليسَ يعرفهُ كثيرُ أحد ، وإنّما ذكرتُه لعلَّ مَن يجيءُ بعدَنا مَن يحتجُّ بشيءٍ مِن روايةِ هذا الشيخ ، ويُوهمُ المُستمعينَ أنّه كانَ ثِقةً.

والعلّةُ الثانيةُ: أنَّ أبا طالبٍ المَكّيّ وإن كانَ رجلاً صالحاً؛ لكنّهُ مُتّهمٌ فيما ذكرَه في كتابِه قوت القلوبِ وحشاهُ بالأشياءِ المُنكرةِ كما هوَ حالُ كثيرٍ منَ الصوفيّةِ الذينَ لا يتورّعونَ في سردِ الأحاديثِ كما يحلو لهم. وإليكَ طائفةً مِن أقوالِ النقّادِ في حقِّه:

قَالَ العتيقي: وكانَ رجلاً صالحاً مُجتهداً في العبادةِ، ولهُ مُصنّفاتٌ في التوحيد. قالَ الخطيبُ البغدادي: صنّفَ كتاباً سمّاهُ قوتَ القلوبِ على لسانِ الصوفيّة، ذكرَ فيه أشياءَ مُنكرةً مُستشنعةً في الصّفات. [تاريخُ بغداد (ج4/ص151)].

قالَ أبو طاهرٍ مُحمّدُ بنُ عليّ ابنُ العلاف: أنّه وعظَ ببغداد وخلطَ في كلامِه وحُفظِ عنه أنّه قالَ ليسَ على المخلوقينَ أضرُّ منَ الخالقِ فبَدّعَهُ الناسُ وهَجروه. [الوافي بالوفيّاتِ 4/86، والإعلامُ للزركليّ 6/274].

قالَ ابنُ الجوزي: وصنّفَ لهُم أَبُو طالبٍ المَكّي قوتَ القلوبِ فذكرَ فيه الأحاديثَ الباطلةَ وما لا يُستنَدُ فيهِ إلى أصلٍ مِن صلواتِ الأيّامِ والليالي وغيرِ ذلكَ منَ الموضوعِ وذكرَ فيهِ الاعتقادَ الفاسد. [تلبيسُ إبليس ص148].

وأمّا متابعةُ الغزاليّ له في إخراجِ الحديثِ في كتابِه الإحياء فلا تنفعُه، لأنَّ الغزاليَّ نفسَه ليسَ مِن عُلماءِ الحديثِ الذينَ يُفرّقونُ بينَ الصّحيحِ والضعيفِ فضلاً عن الموضوع، ولذا كانَ يقولُ عَن نفسِه: «وبضاعتي في الحديثِ مُزجاة» [قانونُ التأويل ص93]. وكتابُه «إحياءُ علومِ الدين» شاهدٌ على ذلك، فقد حشاهُ بالأخبارِ الضعيفةِ والموضوعةِ ما اللهُ تعالى أعلمُ به، دَعكَ منَ الأخبارِ التي لا أصلَ لها، وبوسعِ المُتتبّعِ أن يرجعَ إلى تعليقِ العراقيّ على كتابِه آنفاً ليتبيّنَ له حقيقةُ ذلك.

فإذا عرفتَ ذلكَ، فاعلَم أنَّ إيرادَ عُلمائِنا لمثلِ هذهِ الأحاديثِ في كُتبِهم ليسَ للاحتجاجِ بها وإنّما للاستئناسِ، على فرضِ واحتمالِ أن تكونَ صادرةً عن المعصومِ عليهِ السلام، خصوصاً أنَّ موردَها مِن مواردِ الترغيبِ والترهيبِ التي لا يتشدّدُ فيها العلماءُ في التدقيقِ في أسانيدِها، مُستندينَ في ذلكَ إلى (أخبارِ مَن بلغ ) المُبيّنةِ عندَهم في قاعدةِ التسامحِ في أدلّةِ السّننِ التي مضمونُها: (أنَّ مَن بلغَهُ شيءٌ منَ الخيرِ والثواب فعملَهُ كانَ له ذلكَ الثواب وإن كانَ رسولُ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) لم يقُله). ودُمتُم سالِمين.