نفي التجسيم في مدرسة اهل البيت (ع)

سؤال: هل وردَ في كتبِ الشيعةِ تجسيمُ الذاتِ المُقدّسة مثلَما رواهُ هاشمٌ البحراني في كتابِه (مدينةُ المعاجز ج 3 ص 463 ح رقم 980) عن الإمامِ الصّادق -عليهِ السلام- أنَّ اللهَ تعالى يزورُ الحُسينَ ويصافحُه ويقعدُ معَه على سريرٍ نرجو توضحَ ذلك؟

: السيد أبو اَلحسن علي الموسوي

الجواب:

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرحيم

الروايةُ مِن حيثُ السندِ ضعُفَت بمُحمّدِ بنِ سنان، فلم يثبُت توثيقُه على المَشهور (١).

ومِن حيثُ المضمون وقعَ فيها خطأ في النقلِ فقد ذكرَها البحرانيّ في كتابِه مدينةِ المعاجز نقلاً عن كتابِ دلائلِ الإمامة، للطبريّ الإماميّ فالمرويُّ في كتابِ مدينةِ المعاجز وردَت هذه العبارة: «.. وإذا قامَ القائمُ - عليهِ السلام - وافوا فيها بينَهم الحُسين حتّى يأتي كربلاءَ فلا يبقى أحدٌ سماويُّ ولا أرضي منَ المؤمنينَ إلّا حفّوا بالحُسين - عليهِ السلام - حتّى أنَّ اللهَ تعالى يزورُ الحُسينَ ويصافحُه ويقعدُ معَه على سرير» (2).

بينَما المرويُّ في كتابِ دلائلِ الإمامة، للطبريّ الإمامي تختلفُ تماماً عمّا ذُكرَ في كتابِ البحراني وعبارتُه هي: «.. فإذا قامَ القائمُ وافوا فيما بينَهم الحسينَ -عليهِ السلام- حتّى يأتي كربلاء، فلا يبقى أحدٌ سماويُّ ولا أرضي منَ المؤمنين إلّا حفَّ به، يزورُه ويصافحُه ويقعدُ معَه على السرير.» (3).

وبهذا يتبيّنُ للقارئِ الكريم أنَّ الضميرَ في الروايةِ يزورُه ويصافحُه للسماويّ والأرضي، لا للهِ تعالى فتنتفي الشُّبهة..

ثمَّ الثابتُ في اعتقاداتِ الشيعة نفيُ القولِ إنَّ اللهَ تعالى يزورُ أحداً مِن خلقِه، أو يصافحُه أو يقعدُ على سريرِه ..

ومعروفٌ مِن مذهبِ الشيعةِ الإماميّة لو وردَ لفظٌ فيهِ ما يدلُّ على التجسيم يُؤوّلُ مِثلما صنعَ البحرانيّ في ذيلِ الروايةِ فقالَ البحراني: معنى قولِه -عليهِ السلام-: «حتّى إنَّ اللهَ تعالى يزورُ الحُسينَ عليهِ السلام إلخ» كناية عن قُربِ شأنِ الحُسين عليهِ السلام منَ اللهِ تعالى، وهذا معلومٌ؛ لأنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالى ليسَ بجسم، ولا يجوزُ عليه الحركةُ والسكونُ والانتقال، وليسَ في مكان، ولا يخلو منهُ مكان، سبحانَه وتعالى ربُّ العالمين (4).

وقد دلَّت رواياتُ أئمّةِ أهلِ البيت –عليهم السلام- على نفي التجسيمِ والتشبيهِ ونكتفي بذكرِ بعضِ ما جاءَ في كتابِ نهجِ البلاغة عن أميرِ المؤمنينَ –عليهِ السلام-

قالَ -عليهِ السلام-: "ومَن أشارَ إليه فقَد حدّه، ومَن حدَّه فقَد عدّه، ومَن قالَ "فيمَ؟" فقد ضمَّنَه. ومَن قالَ "علامَ؟" فقد أخلى منه. كائنٌ لا عن حدث، موجودٌ لا عن عَدم، معَ كلِّ شي‏ءٍ لا بمُقارنة، وغيرُ كلِّ شي‏ءٍ لا بمُزايلة"(5).

وقالَ -عليهِ السلام-: "الحمدُ للّه الذي لا تدركُه الشواهد، ولا تحويهِ المشاهِد، ولا تراهُ النواظر، ولا تحجبُه السواتر"(6).

وقالَ -عليهِ السلام-: "ما وحّدَه مَن كيّفَه، ولا حقيقتَه أصابَ مَن مثَّلَه، ولا إيّاهُ عنى مَن شبّهَه، ولا حمدَه مَن أشارَ إليهِ وتوهّمَه"(7).

وقالَ -عليهِ السلام-: "قد علمَ السّرائر، وخبرَ الضمائر، لهُ الإحاطةُ بكُلِّ شي‏ء، والغلبةُ لكُلِّ شي‏ء والقوّةُ على كُلِّ شي‏ء"(٨).

والحمدُ للهِ أوّلاً وآخراً..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- مُعجمُ رجالِ الحديث جُزء 17 صفحة 169.

2- مدينةُ المعاجز ج 3 ص 463 ح رقمُ الحديث: (980)

3- دلائلُ الإمامة ص 190.

4- مدينةُ المعاجز ج 2 ص 101.

5- نهجُ البلاغة، الخُطبةُ الأولى، طبعةُ مصر.

6-نهجُ البلاغة، الخُطبة 180، طبعةُ مصر.

7-نهجُ البلاغة، الخُطبة 181، طبعةُ مصر.

8-نهجُ البلاغة، الخُطبة 82، طبعةُ مصر.