كرامة الدفن بجوار امير المؤمنين(ع)
رُوى أنَّه يدخل الجنة من غير حساب ممن دفن بجوار امير المؤمنين عليٍّ ع-ليه السلام- سبعون الفاً كرامةً للدفن هناك، ولكن الاعداد التي دُفنت الى اليوم تفوق الملايين فهل السبعون الفاً هم المؤمنون والباقي غير مؤمن؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربِّ العالمين
وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين
خلطٌ وإيضاح:
خلط السائلُ الكريمُ بين المؤمن وبين من يدخل الجنَّة بغير حساب، فتساءل: فهل السبعون ألفاً مؤمنون والباقي غير مؤمن؟
وحتى نوضح المطلب نقول: المؤمنون صنفان:
صنفٌ يدخل الجنَّة بغير حساب قال تعالى: (وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) غافر 40
وصنفٌ يدخل الجنة بحساب، غايته أنَّ هذا الصنف يدخلها بعد أن يُحاسب حساباً يسيراً (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ*فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا) الانشقاق 7و8
وكلاهما مؤمن.
مستند السؤال:
ولعلَّ السائل نظر إلى ما رواه السيد عبد الكريم بن طاووس في كتابه "فرحة الغري" قال: (كتاب "فضل الكوفة"، بإسناد رفعه إلى عقبة بن علقمة قال:
اشترى أمير المؤمنين عليٌّ -عليه السلام-ما بين الخورنق إلى الحيرة إلى الكوفة.
وفي حديثٍ آخرَ بين النجف إلى الحيرة إلى الكوفة من الدَّهاقين بأربعين ألف درهم وأشهَدَ على شرائه.
قال: فقيل له: يا أمير المؤمنين تشتري بهذا المال وليس ينبت قط؟
فقال: سمعتُ من رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: كوفان يرد أولها على أخرها، يحشر من ظهرها سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، فاشتهيتُ أن يحشروا في ملكي.
السبعون مبالغة في الكثرة:
أحياناً يأتي العدد ويكون المُراد به المبالغة، وأكثر ما يُستعمل ذلك في السبعين والسبعة من كلام العرب.
فإذا تمَّ الشيءُ في قواه البدنية سُمِّي سبعاً كما في الأسد مثلاً.
وإذا تمَّ الشيءُ سبعاً من جنسه سُمِّي اسبوعاً لكماله كما في تتمّة الأيام السبعة، أو أشواط الطواف فإنَّها تُسمَّى أسبوعاً بعد تمامها.
ويقولُ العربيُّ في التهديد: لأعملن بفلانٍ عملَ سبعة! يعني المبالغة وبلوغ الغاية في الشر، أي يعمل فيه عمل سبعة رجالٍ كناية عن المبالغة في تهديده.
ومن قولهم: هو سُباعيُّ البدن ،أي: تامُّ البدن.
فراجع في ذلك مادَّة "س،ب،ع" في المعاجم اللغويَّة.
والشاهد من ذلك كُلِّه أن السبعة في مقام التمام والمبالغة ومنه الرواية الآنفة الذكر، فالسبعون ألفاً من باب المبالغة في الكثرة فكأنَّه –عليه السلام- قال: يُحشر منها أقوامٌ كثيرون جداً بغير حساب.
ونظير ذلك ما وقع في قوله تعالى: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ) التوبة 80 بمعنى مهما تستغفر لهم فلن يغفر الله لهم ولو بالغت في الاستغفار لأنهم لا يستحقون استغفارك (َذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) ولو كان المُراد "السبعين" نفسها لزاد عليها النبيُّ –صلى الله عليه وآله-
ومنه قوله تعالى: (ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ) الحاقة 32، فالمراد بها المبالغة في طول السلسلة لا أن طولها سبعون.
ومنه قوله تعالى: (َلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) لقمان 27، فإنَّه أيضاً من باب المبالغة فكأنَّه قال: لو كلَّ الدنيا صارت بحاراً لتكون حِبراً ومِداداً لكلمات الله تعالى فمهما تكن البحار موجودةً فلن تنفد وتنتهي كلمات الله تعالى أي عجائب خلقه وحكمته وقدرته.
نعم، يأتي العدد في بعض الآيات الكريمة والروايات الشريفة ويُراد به خصوص ذلك العدد لا غيره كما في آيات جلد الزاني والزانية ثمانين جلدة، وروايات تسبيح السيدة فاطمة الزهراء –عليها السلام-وأمثالهما، ولكن هذا غير ذاك وقد بحثه الأصوليون في باب المفاهيم: مفهوم العدد، ومن أراد التوسعة فليُراجعْه هناك.
اترك تعليق