معنى الماء في قوله تعالى: (وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء).

قال تعالى في سورة هود: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ)، فالآية تدل على وجود الماء قبل خلق السماوات والارض وهذا يخالف العلم. تشكلت الأرض منذ حوالي 4,54 مليار سنة، أي ما يقرب من ثلث عمر الكون، من خلال تراكم السديم الشمسي. ربما أدى إطلاق الغازات البركانية إلى خلق الغلاف الجوي البدائي، ثم المحيط، لكن الغلاف الجوي المبكر لم يكن يحتوي على أي أكسجين تقريبًا مصدر: Источник: https://planetariodevitoria.org/foguetes/qual-e-a-origem-da-agua-no-planeta-terra.html #مصدر https://www.ida2at.com/earth-history-before-life/

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

لا يمكن أن نتصوّرَ هذا التعارض إلا إذا فسّرنا كلمة الماء في الآية بالماء الذي نعرفهُ من البحار والأنهار، وهو بالتأكيد ليس مقصوداً في هذه الآية.

فالماء في الآية بمثابة المادّة الأولى التي خلقت منها كلّ الأشياء بما فيها ماءُ الدنيا نفسه.

فكلمةُ الماء وإن كانت تنصرفُ إلى الماء الخالص إلا أنها غير مختصّةٍ به، فالأصلُ فيها إنها شاملة لكلّ مائع غير جامد، ومن ذلك تسمية منيّ الرّجل بالماء كما في قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا)، وقوله: (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ)، وقوله: (خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ)، وكذلك يطلقُ على الصّديد الذائب كماء في قوله تعالى: (مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ)، وكذلك سمّى الزيت والمعادن المذابة بالماء في قوله تعالى: (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ)

وعليه إذا كان الماءُ عبارةً عن كلّ شيء مائع وفيه جريان، فليس بالضرورة حينها أن يكون الماءُ الذي عليه العرشُ هو نفسُ ماء البحار والأنهار، وإنما يكفي أن يكون شيئاً مائعاً حتى يطلق عليه كلمة ماء، وهذا ما عليه كثيرٌ من المفسرين، ففي تفسير الأمثل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي يقول:

(وأمّا "الماء" فمعناه معروف، وهو السائلُ المستعملُ للشرب والتطهير، إلا أنه قد يطلقُ على كلّ سائل مائع كالفلزات المائعة وما أشبهَ ذلك، وبضميمة ما قلناهُ في تفسير هاتين الكلمتين يستفادُ أنه في بداية الخلق كان الكون بصورة مواد ذائبة "مع غازات مضغوطة للغاية، بحيثُ كانت على صورة مواد ذائبة أو مائعة". وبعدئذ حدثت اهتزازاتٌ شديدة وانفجاراتٌ عظيمة في هذه الموادّ المتراكمة الذائبة، وأخذت تتقاذفُ أجزاءٌ من سطحها إلى الخارج، وأخذ هذا الوجودُ المترابط بالانفصال. ثم تشكلت بعد ذلك الكواكبُ السّيارة والمنظوماتُ الشمسية والأجرامُ السّماوية. فعلى هذا نقول: إنّ عالم الوجود ومرتكزات قدرة الله كانت مستقرةً بادئ الأمر على المواد المتراكمة الذائبة، وهذا الأمرُ هو نفسه الذي أشير إليه في الآية (30) من سورة الأنبياء. أو لم يرَ الذين كفروا أنّ السّماواتِ والأرضَ كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كلّ شئ حي"

وعليه فإنّ الماء في الآية يعني المادةَ الأولية التي خلقَ منها كلّ الأشياء، وهذا صريحُ قول الإمام الباقر (عليه السلام) حيث قال: (وخلق الشيء الذي جميعُ الاشياء منه، وهو الماء الذي خلق الاشياءَ منه فجعلَ نسبَ كلّ شيء الى الماء، ولم يجعل للماء نسباً يضافُ اليه، وخلقَ الريحَ من الماء، ثم سلط الريحَ على الماء، فشققت الريحُ متنَ الماء حتى صار من الماء زبَدٌ على قدر ما شاء أن يثور، فخلقَ من ذلك الزبَد أرضاً بيضاءَ نقيّةً ليس فيها صدعٌ ولا ثقبٌ ولا هبوطٌ ولا شجرة، ثم طواها فوضعها فوق الماء، ثم خلق اللهُ النار من الماء فشققت النارُ من الماء حتى ثارَ من الماء دخانٌ على قدر ما شاء الله أن يثور، فخلقَ من ذلك الدخان سماءً صافيةً نقيّةً ليس فيها صدعٌ ولا ثقب)

وذكر أميرُ المؤمنين (عليه السلام) وصفاً دقيقاً لعملية خلق السّمواتِ والأرض وقد أورد الشريف الرضيّ هذا الوصفَ في نهج البلاغة في الخطبة الاولى، حيث قال:

(ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ فَتْقَ الْأَجْوَاءِ وَشَقَّ الْأَرْجَاءِ وَسَكَائِكَ الْهَوَاءِ فَأَجْرَى فِيهَا مَاءً مُتَلَاطِماً تَيَّارُهُ مُتَرَاكِماً زَخَّارُهُ حَمَلَهُ عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ الْعَاصِفَةِ وَالزَّعْزَعِ الْقَاصِفَةِ فَأَمَرَهَا بِرَدِّهِ وَسَلَّطَهَا عَلَى شَدِّهِ وَقَرَنَهَا إِلَى حَدِّهِ الْهَوَاءُ مِنْ تَحْتِهَا فَتِيقٌ وَالْمَاءُ مِنْ فَوْقِهَا دَفِيقٌ ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ رِيحاً اعْتَقَمَ مَهَبَّهَا وَأَدَامَ مُرَبَّهَا وَأَعْصَفَ مَجْرَاهَا وَأَبْعَدَ مَنْشَأَهَا فَأَمَرَهَا بِتَصْفِيقِ الْمَاءِ الزَّخَّارِ وَإِثَارَةِ مَوْجِ الْبِحَارِ فَمَخَضَتْهُ مَخْضَ السِّقَاءِ وَعَصَفَتْ بِهِ عَصْفَهَا بِالْفَضَاءِ تَرُدُّ أَوَّلَهُ إِلَى آخِرِهِ وَسَاجِيَهُ إِلَى مَائِرِهِ حَتَّى عَبَّ عُبَابُهُ وَرَمَى بِالزَّبَدِ رُكَامُهُ فَرَفَعَهُ فِي هَوَاءٍ مُنْفَتِقٍ وَجَوٍّ مُنْفَهِقٍ فَسَوَّى مِنْهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ جَعَلَ سُفْلَاهُنَّ مَوْجاً مَكْفُوفاً وَعُلْيَاهُنَّ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَسَمْكاً مَرْفُوعاً بِغَيْرِ عَمَدٍ يَدْعَمُهَا وَلَا دِسَارٍ يَنْظِمُهَا ثُمَّ زَيَّنَهَا بِزِينَةِ الْكَوَاكِبِ وَضِيَاءِ الثَّوَاقِبِ وَأَجْرَى فِيهَا سِرَاجاً مُسْتَطِيراً وَقَمَراً مُنِيراً فِي فَلَكٍ دَائِرٍ وَسَقْفٍ سَائِرٍ وَرَقِيمٍ مَائِرٍ)

ولمزيدٍ من التفصيل يمكنُ الرجوعُ إلى بحثٍ تحت عنوان (بداية الكون بين العلم وراياتِ أهل البيتِ عليهم السلام) للباحث محسن باقر محمد صالح القزويني والذي تم نشره في مجلة أهل البيت، ويمكن الرجوع إليه من خلال هذا الرابط https://abu.edu.iq/research/articles/6312