رأي الإمام علي (ع) بمَقتل عثمان

السؤال : هناك في كتب الشيعة ترجماتٌ لشخصياتٍ من أصحاب عليّ (عليه السلام) ممدوحين، وذُكر أنّهم اشتركوا بقتل عثمان. ممّا يعطي انطباعاً برضا عليٍّ (ع) بقتل عثمان، وعليه فإنّ أهل الشام على حقّ في خروجهم على عليّ (ع) ومطالبتِهم بتسليم القتلة، و ذُكر في مصادر أخرى عدم رضا الامام (ع) بقتل عثمان، فما هو الرأي السديد في هذه المسألة ؟

: الشيخ مروان خليفات

الجواب :

إنّ مشاركة بعض أصحاب الإمام عليّ (ع) بقتل عثمان، لا يدلّ على أنّهما شاركا بقتله بأمر الإمام عليّ (ع)، أو أنّه (عليه السلام) رضي بذلك.

هناك نصوصٌ رواها الفريقان تدلّ على أنّ الإمام (ع) اعتَزل عثمانَ بعد أن نصحه، وأنّه (عليه السلام)، ما رضيَ بما حدث ولا كرِه ذلك، أمّا معاوية فكان هدفه من ترويج شائعة قتل الإمام عليّ (ع) لعثمان هو: إقناع الشامييّن لكي يقاتلوه.

أمّا النصوص التي تبيّن موقفه (عليه السلام) من قتل الخليفة:

فمنها: ما رواه ابن أبي شيبة بسندٍ صحيح: أبو أسامة عن عوف عن محمد قال: خطب عليٌّ بالبصرة فقال: والله ما قتلتُه ولا مالَأتُ على قتله...[ المصنف، ج 8 ص 685].

يشهد لهذا النصّ ما رواه ابن شَبّة قال: حدّثنا سلم بن إبراهيم قال، حدثنا جميل بن عبيد الطائي قال: سمعت أبا خلدة الحنفي يقول: سمعت علياً رضي الله عنه وهو على المنبر يقول: ما أمرتُ ولا نَهيت ولا سَرّني ولا ساءني قتلُ عثمان رضي الله عنه. [تاريخ المدينة، ج 4 ص 1263].

وروى أيضاً بسندِه عن عمار بن ياسر قال: رأيت علياً على منبر رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) حين قُتل عثمان وهو يقول ما أحببتُ قتلَه ولا كرِهته، ولا أمرت به ولا نهيت عنه. [تاريخ المدينة، ص 1266].

وروى ابن شبّة: ... قال: إنّ الناس يزعمون أنّي قتلت عثمان، فلا والذي لا إله إلا هو ما قتلتُه، ولا مالَأتُ على قتله، ولا ساءني. [تاريخ المدينة لابن شبّة، ج 4 ص1263].

- مالَأت : أي عاونت وآزرت –

في هذه النصوص تصريحٌ من الإمام عليّ (ع)، أنّه ما قتله، ولا ساعد على قتله، لم يأمر بقتله، ولم ينه عن قتله، لم يفرح بما حدث لعثمان، وفي الوقت نفسه لم يسؤه قتله أو يُحزنه، وما كان كارهاً لقتله!

أمّا نصوص الإماميّة فيجد المرءُ فيها رؤيةَ الإمام عليّ (ع) بخصوص عثمان واضحةً جليّة، فقد نصحه منذ البداية وأرشدَه ليغيّر سياساته الخاطئة، وحاول (ع) التوسط بينه وبين الثوار، لكن مروان بن الحكم أفسَد الأمرَ عليه، ثم اعتزلهم (عليه السلام)، حيث كان الناس يهتفون باسمه للخلافة، فطلب منه عثمان المغادرة.

قال (ع) في كتاب لمعاوية: ولَعمري يا معاوية لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدَنِّي أبرأَ الناس من دم عثمان، ولتعلَمنّ أنّي كنت في عزلةٍ عنه إلا أن تتجنّى فتجَنَّ ما بدا لك. والسلام. [نهج البلاغة ، ج 3 ص 7].

ومن كلام له (عليه السلام) قاله لعبد الله بن عباس وقد جاءه برسالة من عثمان وهو محصور ... يسأله فيها الخروج إلى مالِه بينبُع، ليقلّ هتاف الناس باسمه للخلافة، بعد أن كان سأله مثل ذلك من قبل، فقال (عليه السلام): يا ابن عباس ما يريد عثمان إلا أن يجعلني جملاً ناضحاً بالقِرَب، أقبلُ وأدبرُ، بعث إليّ أن أخرج، ثمّ بعث إليّ أن أقدِم، ثمّ هو الآن يبعث إليّ أن أخرج. والله لقد دفعتُ عنه حتى خَشيتُ أن أكون آثماً. [نهج البلاغة ، ج 2 ص 232 – 233].

قد يَتصور البعض أنّ الجملة الأخيرة من النهج تعني دفاعَ الإمام عن عثمان، ولو كان هذا المعنى وارداً لما قال: (حتى خشيت أن أكون آثماً)، وفي هذه الكلمة إيماءٌ إلى أنّ الدفاع عن عثمان قد يُدخل صاحبه في الإثم، والمعنى: أنه توسّطَ له مع الثوّار، ليعطوه فرصةً ليغيّر سياساتِه الخاطئة، فنصحه وأرشده، حتى وعدهم عثمان بالتغيير، ولكن عثمان تَنصّل من ذلك بسبب تلبيسات (مروان بن الحكم) ووسوسته له، والذي يؤكد هذا ما ورد عنه (ع) في رسالة لمعاوية، قال (ع): ثم ذكرتَ ما كان من أمري وأمر عثمان فلك أن تجاب عن هذه لِرَحِمِك منه فأيُّنا كان أعدى له وأهدى إلى مقاتله. أمَن بذَلَ له نصرتَه فاستقعَده واستكفَّه، أمَّن استنصره فتراخى عنه وبثَّ المنون إليه حتى أتى قدره عليه. كلا والله {قد يعلم الله المعوّقين منكم والقائلين لإخوانِهم هلمّ إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا}. وما كنتُ لأعتذر من أنّي كنت أنقم عليه ! أحداثاً، فإن كان الذنبُ إليه إرشادي وهدايتي له فرُبّ مَلوم لا ذنب له، وقد يستفيد الظِنّة المتنصِّح، وما أردتُ إلا الإصلاح ما استطعتُ وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. [نهج البلاغة ج 3 ص 34 – 35].

ممّا يؤكّد حياديّة الإمام قوله (ع): لَوْ أَمَرْتُ بِهِ لَكُنْتُ قَاتِلاً، أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ لَكُنْتُ نَاصِراً، غَيْرَ أَنَّ مَنْ نَصَرَهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ: خَذَلَهُ مَنْ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ، وَمَنْ خَذَلَهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ: نَصَرَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي. وَأَنَا جَامِعٌ لَكُمْ أَمْرَهُ، اسْتَأْثَرَ فَأَسَاءَ الْأَثَرَةَ، وَجَزِعْتُمْ فَأَسَأْتُمُ الْجَزَعَ، وَللهِ حُكْمٌ وَاقِعٌ في الْمُسْتَأْثِرِ وَالجَازع. [نهج البلاغة، ص 76].

روى الشيخ الكليني في (الكافي) بسندٍ صحيح، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، ويعقوب السراج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) لمّا بويع بعد مقتل عثمان صعد المنبر فقال: الحمد لله الذي علا فاستَعلى ودنا فتعالى وارتفع فوق كلّ منظرٍ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسولُه خاتم النبيين وحجة الله على العالمين مصدّقاً للرسل الأولين وكان بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً، فصلى الله وملائكته عليه وعلى آله.

أمّا بعد أيها الناس فإنّ البغيَ يقود أصحابَه إلى النار ... وقد قُتل عثمان، ألا وإنّ بليَّتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيه (صلى الله عليه وآله) والذي بعثه بالحق لتُبَلبَلُنّ بَلبَلَةً ولَتُغَربَلُنَّ غَربلةً ولَتساطُنَّ سوطةَ القِدر حتى يعود أسفلُكم أعلاكم وأعلاكم أسفلَكم ولَيَسبقنَّ سابقون كانوا قصُروا وليقصرن سابقون كانوا سبقوا والله ما كتمت وشمةً ولا كذبت كذبةً ولقد نُبئت بهذا المقام وهذا اليوم ألا وإنّ الخطايا خيل شمس حُمل عليها أهلها وخُلعت لُجمُها فتقحَّمت بهم في النار... وإنّي لأخشى أن تكونوا على فترةٍ مِلتم عني مِيلة كنتم فيها عندي غير محمودي الرأي ولو أشاء لقلت: عفا اللهُ عما سلِف، سبق فيه الرجلان، وقام الثالث كالغراب همّه بطنُه، ويله لو قُصّ جناحاه وقُطِع رأسُه كان خيراً له... [الكافي ، ج 8 - ص 67 – 68] ومثل هذه الرواية في [العقد الفريد لابن عبد ربه، ج 4 ص 157 – 158].

قال الشيخ المفيد: وأمّا خذلانه له ـ لعثمان ـ فلسنا ننكره وكذلك الديانة كانت توجب ذلك ولو نَصَرَه أو رضي بفعاله لما كان يصلح للإمامة. [الفصول المختارة، ص 229].