هل تعلّم الرسول (ص) الصلاة من اليهود؟

السّؤال : أوّل ذكر للصلاة جاء في القرآن كان في سورة الإسراء وجاء فيها {أقم الصلاةَ لدلوك الشمس إلى غسق الليلِ وقرآنَ الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهودا} [الإسراء 78]. ونحن نعرف أنّ سورة الإسراء جاءت في آخر سنوات محمّد بمكة، أي في حوالي السنة العاشرة من بدء الرسالة. وهذا هو الزمن الذي فَرض فيه محمّد الصلاة، بعد موت خديجة في السنة العاشرة من بدء الرسالة (شذرات الذهب للدمشقي، ج1، ص14). وعندما فرضها كانت في الفجر وفي غسق الليل. وكانت ركعتين في الفجر وركعتين في الغسق. وتعلّم محمّد الركوعَ والسجود من جماعة من اليهود يقال لهم (السامريون) The Samaritans. كانت هذه الفرقة من اليهود (ممّن) يركعون ويسجدون، تماماً كما يفعل المسلمون الآن (الشخصية المحمّدية لمعروف الرصافي، ص 451). وقد أصبحت صلاتهم تلك من العبادات القديمة جداً فتخلّى عنها أغلبهم ولكن هناك فرقة ما زالت تمارس هذا النوع من الصلاة .

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

هذا النصّ مأخوذ من مقال منشور على موقع (الحوار المتمدن) لكمال النجّار تحت عنوان (الصلاة ليست إيحاءً إلهيّاً)، وقد سعى كعادته للتشكيك في كلّ ما هو دينيّ ومقدّس عند المسلمين، وبحسب ما يذكره الكاتب عن نفسه أنّه ملحد أو لا دينيّ، وأنّه ترك الإسلام بعد أن كان منتمياً لجماعة (الاخوان المسلمين)، وقد حدث عنده هذا التحول الكبير بعد أن سافر إلى لندن، ووجد الفرق الكبير بين تعامل الأوربيين وتعامل المسلمين، ممّا يعني أنّ السبب خلف تحوله هو ردّة فعل نفسيّة ليس إلا، وقد تحدّث عن ذلك بنفسه حيث قال : " إن كامل النجار كان مسلماً في صغره وشبابه، وقد تربّى في بيئة دينيّة وارتاد مدارس تحفيظ القرآن في الصغر، وأصبح عضواً بجماعة الإخوان المسلمين في المرحلتين الثانويّة والجامعيّة. وبعد أن تخرّج في الجامعة طبيباً، ظل يحافظ على الصلاة والصيام. ثمّ رحل إلى ( إنجلترا ) للتخصّص في الجراحة، فتبيّن له الفرق الواضح كالشمس بين نفاق وكذب المسلمين وغرورهم الأجوف بدينهم الذي يُحرّم التواصل مع غير المسلمين، بل يحثّهم على العداء لهم، وبين لطف وحضارة الإنجليز واحترامهم للمخالف...

تدريجيّاً بدأ كامل النجّار يبتعد عن الإخوان المسلمين وعن الإسلام عامّة .

وكانت القشّة التي قصمت ظهر البعير هي الفترة التي قضاها بالمملكة العربية السعوديّة، عندما عمل جرّاحاً بها لعدد من السنين.

في السعودية لا يقوم الفرد المسلم بأداء الفرائض طواعيةً وحبّاً لدينه، إنما خوفاً من المطوّعين الذين يجلدون ظهور الناس في الأسواق وقت الصلاة ويجبرون أصحاب المتاجر على إغلاقها حتى يحتشد الجميع في المساجد، خاصةً يوم الجمعة، وكأنه يوم الحشر " انتهى النقل.

مع أنّ منهجنا يقوم على مناقشة الافكار بعيداً عن قائلها إلا أنّ الخلفيّة العامّة للكاتب مفيدة في معرفة السياق الذي ولدت فيه الفكرة، فالأفكار التي تولد في سياق علميّ وأكاديميّ تختلف تماماً عن الافكار التي تولد في سياقات نفسيّة أو اجتماعيّة أو سياسيّة، وفي العادة إنّ الذي يفكّر من وحي موقفه الشخصيّ تأتي أفكاره منسجمةً مع موقفه المسبق، ولذا تجده يرسلها إرسالَ المسلّمات ويكون أكثر إصراراً وتمسّكاً بها، بخلاف الذي يفكر بحثاً عن الحقيقة بما هي سواءً انسجمت مع مواقفه المسبقة أم اختلفت، فإنّ هذا الشخص يكون أكثر حرصاً على تتبُّع كلّ ما يتصل بموضوع بحثه، كما أنّه يكون على استعدادٍ للتنازل عن أيّ فكرةٍ توصّل إليها إذا ظهر ما ينقضها، وبحسب ما ذكره (كمال النجّار) بنفسه عن سبب إلحاده أو تخليه عن الدين، يمكننا القول: إنّه تخلى عن الدين - أولاً - بسبب تجربته الشخصيّة في إنجلترا، ومن ثَم بدأ بالبحث في مرحلة متأخرة ليقدِّم مسوِّغات علميّةٍ لهذا الموقف، وعندما تتحوّل الفكرة إلى جزء من الذات من الصعب جدّاً قبول ما يناقضها، فالإنسان مجبولٌ على الدفاع عن نفسه، وعندما تكون الفكرة جزءاً من الذات فإنّ الدفاع عنها يكون دفاعاً عن الذات، ومن هنا لا يكون ردّنا على هذا الكلام ردّاً على كمال النجّار الذي اتخذ لنفسه مساراً بعيداً عن الدين، وإنّما يكون خاصّاً للشخص الذي اقتطع هذا المقطع ونقله لنا.

أولاً: وردت كلمة الصلاة في القرآن الكريم أحدى وستين مرّة، ولم يكن أول ذكر لها في سورة الاسراء كما زعم، فأول سورة تمّ فيها ذكر الصلاة هي (سورة العلق) وهي أوّل سورة نزلت من القرآن الكريم، قال تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى}، وكذلك سورة الكوثر {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}، يقول السيد الطباطبائي في تفسيره : أنّ الآثار تدلّ على أنّه صلى الله عليه وآله وسلم كان يقيم الصلاة منذ بعثه الله نبيّاً وفى سورة العلق: {أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى} وقد رُويَ أنّه صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلّي بعليٍّ وخديجة (عليهما السلام) بالمسجد الحرام قبل أن يُعلن دعوته بمدة. [تفسير الميزان ج 13 ص 29].

ثانياً: فُرضت الصلوات الخَمس على عموم المسلمين في مكّة قبل هجرة النبي محمّد (ص) إلى المدينة المنوّرة في السنة الثالثة من البعثة النبويّة، ويبدو أنّ كمال النجّار اختار ما يناسبه دون بحث أو تحقيق في المسألة واكتفى بما جاء في كتاب (شذرات الذهب) مع أنّ المسألة فيها أقوال كثيرة، وقد بحثها العلامة جعفر مرتضى العاملي في كتابه (الصحيح من سيرة النبي الأعظم) واثبت بكثير من الأدلة أنّ الإسراء كان في السنة الثالثة من البعثة، ولمن أراد التفصيل يمكنه الرجوع إلى الكتاب (ج 3 ص 8) .

ثالثاً: اعتمد كمال النجّار في تحديد عدد الصلوات على رواية الاسراء التي جاء فيها أنّ الله تعالى فرض خمسين صلاةً ثم أنّه طلب التخفيف إلى أن وصلت إلى خمسِ صلوات، وقصد من ذلك إثبات أنّ عدد الصلوات لم يكن وحياً من الله تعالى، وقد أكّدنا أنّ الرجل يبحث عما يسوغ موقفه، ولا يبحث بشكل علميّ وموضوعيّ، وعندما حقّق العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي في هذه الرواية لم تصمد أمام النقد والتمحيص، حيث قال : وقد جاء في بعض الروايات: أنّ الصلوات الخمس قد فرضت حين المعراج، وأنّها فرضت أوّلا خمسين صلاة في اليوم. وحين عودة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم التقى بموسى، فأشار عليه أن يرجع إلى الله تعالى، ويسأله التخفيف، لأن الأمة لا تطيق ذلك - كما لم تطقه بنو إسرائيل - فرجع، وطلب إلى الله التخفيف فخففها إلى أربعين، وعاد الرسول؟ فمرّ بموسى، فأشار عليه بطلب التخفيف، ففعل، فخُففت إلى ثلاثين، ثمّ إلى عشرين، ثمّ إلى عشرة، ثمّ إلى خمسة، ثمّ استحيا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من المراجعة من جديد فاستقرّت الصلوات على خمس.. ثمّ يقول: وهذه الرواية وإن كانت قد وردت في بعض المصادر الشيعيّة أيضاً، الا أنّنا لا نستطيع قبولها" (الصحيح من سيرة النبي ج 3 ص 26 – 27).

ثم يبدأ في مناقشة مطوّلة لهذا الحديث ويُثبت عدم صحته.

وإذا رجعنا إلى روايات أهل البيت (ع) نجد أنّها تؤكّد على أنّ الله تعالى فرض في القرآن خمس صلوات، ففي (وسائل الشيعة) عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عمّا فرض الله عزّ وجلّ من الصلاة؟ فقال: خمس صلوات في الليل والنهار، فقلت: هل سمّاهنّ الله وبينّهنّ في كتابه؟ قال: نعم، قال الله تعالى لنبيّه (صلى الله عليه وآله): {أقم الصلاةَ لدلوكِ الشمس إلى غسقِ اللّيل} ودلوكها: زوالها، وفيما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل أربع صلوات: سمّاهن الله وبينّهنّ ووقّتهنّ، وغسق الليل هو انتصافه، ثمّ قال تبارك وتعالى: {وقرآن الفجر إنّ قرآنَ الفجر كان مشهوداً} فهذه الخامسة، وقال تبارك وتعالى في ذلك: {أقم الصلاةَ طرفي النهار} وطرفاه: المغرب والغداة {وزلفاً من الليل}، وهي صلاة العشاء الآخرة، وقال تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} وهي صلاة الظهر، وهي أوّل صلاة صلاّها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهي وسط النهار، ووسط صلاتين بالنهار: صلاة الغداة وصلاة العصر..[وسائل الشيعة: 4 / 10].

فهذه الرواية دالة على أنّ تحديد أوقات الصلاة وعددها وحيٌ من الله تعالى.

رابعاً: وجود تشابه في الركوع أو السجود بين صلاة المسلمين وصلاة بعض اليهود، لا يدلّ بأيّ شكلٍ من الأشكال على أنّ الرسول (ص) تعلّم منهم تلك الطريقة، فاليهود السامريون كانوا يعيشون في فلسطين ولم يكونوا في المدينة حتى يتعلم منهم رسول الله (ص) كيفية الركوع أو السجود، فالصلاة حقيقة واحدة عبر رسالات الرسل، وإذا لم نجدها اليوم عند اليهود والنصارى فهذا يعني عدم حفاظهم عليها، وقد ناقشنا في أجوبة سابقة تهمة تأثّر الرسول (ص) باليهود وقد بينّا بطلان ذلك، وهذا النوع من التهم لا يلجأ إليه إلا مَنْ في نفسه ضَغينةٌ على الإسلام.