مَن أرسلَ الرسائلَ للإمامِ الحسين؟ أليسَ نفسُ الناسِ الذينَ قاتلوه ؟

سؤال : أنا مُقتنعٌ بفكرةِ أنَّ شيعةَ أبي سُفيان هُم الذينَ قتلوا إمامَنا الحُسين ع . وسؤالي : مَن أرسلَ الرسائلَ للإمامِ أليسَ نفسُ الناسِ الذينَ قاتلوه ؟ وسؤالٌ آخر : لنفترِض أنَّ الذينَ أرسلوا الرسائلَ هُم شيعةُ أبي سُفيان ألم يكُن يعلمُ الإمامُ أنّهم يبغضونَ أباهُ عليّ بنَ أبي طالب ؟ فلماذا وثقَ بهم وجاءَ للكوفة؟

: الشيخ مروان خليفات

الجوابُ :

نعم إنَّ الناسَ الذينَ راسلوهُ هُم مَن شاركوا في قتلِه، وينبغي التنبيهُ على أنَّ الكوفةَ آنذاك كانت على سنّةِ الخلفاء، فيها شيعةٌ لأهلِ البيتِ قد سجنَهم ابنُ زياد كما ذكرَ السيّدُ ابنُ طاووس في كتابِ اللهوفِ على قتلى الطفوف .

وحولَ مذهبِ أهلِ الكوفةِ آنذاك يقولُ ابنُ تيمية : ( وليسَ كلُّ مَن قاتلَ مع عليٍّ كانَ يُفضّلُه على عُثمان بل كانَ كثيرٌ منهم يفضّلُ عثمانَ عليه كما هوَ قولُ سائرِ أهلِ السنّة) منهاجُ السنّة، ج4 ص132

أمّا قولُ السّائل : ( لنفترِض أنَّ الذينَ أرسلوا الرسائلَ هُم شيعةُ أبي سفيان ألم يكُن يعلمُ الإمامُ أنّهم يبغضونَ أباهُ عليّ بنَ أبي طالبٍ ولماذا وثقَ بهم وجاءَ للكوفة؟ )

فلم يكُن الجميعُ يبغضُ عليّ بنَ أبي طالب (عليه السلام)، بل إنَّ بعضَهم إنّما قاتلَ طاعةً لأميرِهم ابنِ زياد، ودليلُ عدمِ بُغضِ الجميعِ للإمامِ عليّ (عليه السلام) هوَ أنَّ منهم مَن تابَ والتحقَ بالإمامِ الحُسين ع، فلا ينبغي التعميم.

أمّا مجيئُه عليهِ السلام للكوفةِ فلهُ أسبابٌ عديدةٌ، مِنها :

ــ إنَّ الكوفةَ موطنُ أبيه وأخيه وله فيها مُحبّونَ وشيعةٌ، وبعضُهم التحقَ به واستشهدَ معه.

ــ أنّه لم يجِد مكاناً أفضلَ منَ الكوفة، خاصّةً أنَّ أتباعَ الخليفةِ قد طالبوهُ بالبيعةِ وإلّا قتلوه .

ــ الإمامُ عليه السلام حسبَ عقيدةِ الإماميّة له برنامجٌ يسيرُ عليه في الأمّةِ تلقّاهُ عَن أبيهِ عن رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم عن جبرائيلَ عن اللهِ عزَّ وجل، وقد شاءَ اللهُ أن يُرى الإمامُ ع قتيلاً.

قالَ أحدُ الأعلام : ( إنَّ الإمامَ الحُسين ( ع ) نفّذَ قضاءَ اللهِ وقدرَه الذي يعلمُه بالإلهامِ أو بالرواية . والذي لم يكُن منهُ بُدٌّ ، بل كانَ واجباً عليهِ تنفيذُه كوجوبِ صلاةِ الظهرِ علينا . وقد ضحّى به امتثالًا لأمرِ اللهِ سُبحانَه وتسليماً لقضائِه . ومِن هُنا وردَ عن نسائِه : شاءَ اللهُ أن يراهنَّ سبايا وعن طفلِه شاءَ الله أن يراه مذبوحاً . والمشيئةُ إمّا أن تكونَ تكوينيّةً يعني مِنَ القضاءِ والقدرِ ، أو تشريعيّةً يعني التكليفَ والوجوب . وهيَ على كِلا التقديرينِ محبوبةٌ لأهلِ الله سبحانه ، ومنهم الحُسين ( ع )).

لقد كانَ الإمامُ (ع) يعلمُ بمقتلِه كما أخبرَ بذلكَ رسولُ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم، قالَ عليهِ السلام في كلامٍ وجّهَه لابنِ الزّبير : (وأيمُ اللهِ لو كنتُ في جحرِ هامةٍ مِن هذهِ الهوامِ لاستخرجوني حتّى يقضوا فيَّ حاجتَهم وواللهِ ليُعتدنَّ عليَّ كما اعتدَت اليهودُ في السبت ) تاريخُ الطبري، ج4 ص 289

قالَ الشيخُ المجلسي : ( وقالَ محمّدُ بنُ أبي طالب : روى محمّدُ بنُ يعقوب الكُليني في كتابِ الرسائلِ عن محمّدِ بنِ يحيى ، عن محمّدِ بنِ الحسين ، عن أيّوبَ بنِ نوح ، عن صفوان ، عن مروانَ ابنِ إسماعيل ، عن حمزةَ بنِ حمران ، عن أبي عبدِ الله عليهِ السلام قالَ : ذكَرنا خروجَ الحُسين عليهِ السلام وتخلّفَ ابنِ الحنفيّةِ فقالَ أبو عبدِ الله عليهِ السلام : يا حمزةُ، إنّي سأخبرُكَ بحديثٍ لا تسألُ عنهُ بعدَ مجلسِكَ هذا ، إنَّ الحُسينَ لمّا فصلَ متوجّهاً ، دعا بقرطاسٍ وكتبَ فيه:

" بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرحيم منَ الحُسينِ بنِ عليّ بنِ أبي طالب إلى بني هاشمٍ

أمّا بعد فإنّه مَن لحقَ بي مِنكم استشهدَ ، ومَن تخلّفَ لم يبلُغ مبلغَ الفتحِ والسلام "

قالَ : وقالَ شيخُنا المُفيدُ بإسنادِه إلى أبي عبدِ اللهِ عليهِ السلام قالَ : لمّا سارَ أبو عبدِ الله منَ المدينةِ لقيَه أفواجٌ منَ الملائكةِ المسوّمةِ في أيديهم الحرابُ على نجبٍ مِن نجب الجنّة ، فسلّموا عليه ، وقالوا : يا حُجّةَ اللهِ على خلقِه بعدَ جدِّه وأبيهِ وأخيه ، إنَّ اللهَ سبحانَه أمدَّ جدّكَ بِنا في مواطنَ كثيرةٍ ، وإنَّ اللهَ أمدّكَ بنا ، فقالَ لهم : الموعدُ حُفرتي وبُقعتي التي أستشهدُ فيها وهيَ كربلاء) بحارُ الأنوار ، ج 44 ص 330

وقالَ عليهِ السلام : (شاءَ اللهُ عزَّ وجل أن يراني مقتولاً مذبوحاً ظُلماً وعدواناً ، وقد شاءَ أن يرى حرَمي ورهَطي ونسائي مُشرّدين ، وأطفالي مذبوحينَ مَظلومين ، مأسورينَ مُقيّدين) بحارُ الأنوار ، ج 44 ص 331 ــ 332