هل (لا إله إلا الله) جملة عاطفية؟
سؤالٌ: لو قُلتُ لكَ "لا إلهَ إلّا أهورامزدا" سأكونُ مُطالَبةً أمامَك بإثباتِ وجودِه أوّلاً ثمَّ إثباتِ أنّهُ الأوحدُ في الكون، وبكلِّ تأكيدٍ سأفشلُ مثلما فشلَ جميعُ الواهمين. جملةُ "لا إلهَ إلّا الله" جملةٌ عاطفيّةٌ خاليةٌ مِن أيّ منطقٍ أو دليل، واسمُ الأحدِ ليسَ حِكراً على إلهِك، لستَ وحدَك الذي يعتنقُ ديانةً توحيديّة.
الجوابُ:
للتمييزِ بينَ الجملةِ العاطفيّةِ والجُملةِ المنطقيّةِ لابدَّ مِن فحصِ النوعِ الذي تنتمي إليهِ كلُّ جملةٍ، والمرجعُ في ذلكَ ليسَ الشعورُ الشخصيُّ لصاحبِ الجملةِ وإنّما المضمونُ الذي تعملُ الجملةُ على إيصالِه، فهناكَ فرقٌ بينَ الجملةِ التي تُعبّرُ عن أفكارٍ ذاتِ موضوعيّةٍ مُستقلّةٍ عن قائلِها وبينَ الجُملةِ التي تُعبّرُ عن انطباعِ قائلِها، وعلى سبيلِ المثال يمكنُنا القول:
إنَّ الجملَ العاطفيّةَ: هيَ الجملُ التي يُعبّرُ بها الشخصُ عن ميولِه الشخصيّةِ وانطباعاتِه الذاتيّة، كأن يقولَ مثلاً أنا أحبُّ اللونَ الأخضرَ أو أحبُّ التفّاح، أو غيرِ ذلكَ منَ الجملِ التي تعبّرُ عن المشاعرِ الشخصيّةِ للإنسان، ولا يحتاجُ هذا النوعُ منَ الجُملِ إلى دليلِ إثباتٍ وإنّما يكفي فيهِ ميلُ الإنسانِ وشعورُه الداخلي، وهذا بخلافِ الجُملِ المنطقيّةِ التي تعبّرُ عن الحقائقِ الموضوعيّةِ التي يمكنُ مقاربتُها عقليّاً.
وبمعنىً آخر كلُّ جملةٍ تحتوي على معلوماتٍ يمكنُ إقامةُ البرهانِ عليها تعدُّ جملةً منطقيّةً بغضِّ النظرِ عن شعورِ الإنسانِ وموقفِه الشخصيّ مِن هذهِ المعلومات، فمثلاً قولُنا: "الإنسانُ هوَ الحيوانُ الوحيدُ الذي يستخدمُ اللّغة"، تعتمدُ هذه الجملةُ على تحليلِ المعلوماتِ والأدلّةِ المُتاحةِ التي تدعمُ المضمونَ، ولا ضيرَ أن تكونَ الجملةُ المنطقيّةُ ذاتَ شحنةٍ عاطفيّةٍ ذاتِ وقعٍ خاصٍّ في نفسِ الإنسان، فقد نجدُ البعضَ يرفضُ الحقائقَ الواضحةَ لعدمِ انسجامِها معَ هواه، أو يتبنّى المعلوماتِ الخاطئةَ لهوىً في نفسِه، فالعاطفةُ الشخصيّةُ لا تشكّلُ معياراً للتفريقِ بينَ الجُملةِ العاطفيّةِ والمنطقيّة، وإنّما المحتوى العلميّ والمنطقيّ للجُملة، وعليهِ فإنَّ المضمونَ العاطفيَّ لجُملةِ (لا إله إلّا الله) لا يضرُّ بمحتواها العلميّ والمنطقي.
بناءً على ما تقدّمَ يتّضحُ أن (لا إله إلّا الله) ليسَت جُملةً عاطفيّةً برغمِ الرّابطِ الوجدانيّ والفطريّ الذي يربطُ المؤمنَ باللهِ تعالى، فوجودُ اللهِ تعالى ووحدانيّتُه ممّا قامَت عليهِ الأدلّةُ العقليّةُ والمنطقيّة، وقد تكفّلَت كتبُ الكلامِ والفلسفةِ ببيانِ ذلكَ بعشراتِ الأدلّةِ والبراهين، وقد تطرّقنا لبعضِ تلكَ البراهينِ في أجوبةٍ سابقةٍ يمكنُ مراجعتُها على موقعِنا.
اترك تعليق