المستشرق الألماني (يـوليوس فلهاوزن) وشبهاته على الإمام الحسن (ع)

: الشيخ ليث العتابي

   إن (يوليوس فلهاوزن) يعد من المستشرقين الألمان المشهورين الذين تخرجوا من جامعة (غتنغن) في قسم اللغات الشرقية، وكان على اتصال دائم بالتاريخ الإسلامي، فترجم قسماً من كتاب (المغازي) إلى اللغة الألمانية، وقد نشرت الترجمة في برلين عام (1882م)(1)، وألف كتاباً آخر وهو: (المقدمة في التاريخ الإسلامي)، ثم قام بتصحيح كتاب (تاريخ الطبري) عام (1887م)، له:

أ – الخوارج والشيعة، نشر عام (1901م).

ب - الدولة العربية من ظهور الإسلام إلى نهاية الدولة الأموية، وقد نشر في برلين عام (1902م)، وقد ترجم (غراهام) هذا الكتاب إلى الإنجليزية، ونشر بعنوان (مملكة العرب وسقوطها)، كما وتُرجِم هذا الكتاب مرتين إلى اللغة العربية، فكانت الترجمة الأولى لـ(يوسف العش) الذي نقله من اللغة الإنجليزية، ونشر في دمشق عام (1956م)، فيما كانت الترجمة الثانية لـ(محمد عبد الهادي أبو ريده) عن النصين الألماني والإنجليزي، ونشر في القاهرة عام (1957م). 

   لقد كان يوليوس فلهاوزن أول المستشرقين استفادة من تاريخ الطبري الذي كان يشرف على نشره (دي خويه) في ليدن(2)، ومن خلال هذه الإستفادة ألف فلهاوزن الكتب التي تناولت التاريخ الإسلامي.

    لقد أرجع أحد الباحثين مواقف بعض المستشرقين، وذلك عندما يركزون على مفهوم إسلامي ما، أو على شخصية إسلامية معينة؛ إلى الجدل وحده، وإن هم أضفوا عليه صفة العلمية بزعمهم(3).

    وهذا يدعو إلى التركيز والحذر عند الأخذ أو النقل عن المستشرقين، ذلك أن بعض الأطروحات قد تكون مؤدلجة لغاية تخريبية أو ما شاكلها.

   شبهة فلهاوزن على الإمام الحسن(ع):

   يقول يوليوس فلهاوزن عن الإمام الحسن المجتبى(ع): (وأحس... الحسن أنه أضعف مما يقتضيه منه الموقف، فباع حقه في الخلافة لمعاوية، وتمكن معاوية من دخول الكوفة، واضطر أهل العراق إلى أن يبايعوه، وانتهت بذلك الحرب الأهلية)(4).

   الرد عليها:

   أولاً: إن الإمام الحسن ع كإمام وخليفة كان يتصف بأعلى درجات الشجاعة، وكان لا يتردد في قول الحقّ وفي فعل الحقّ، ولا تأخذه في الحقّ لومة لائم.

   فقد روي أن معاوية سأل الحسن ع بعد الصلح أن يخطب الناس، فامتنع، فناشده أن يفعل، فوُضع له كرسيُّ، فجلس عليه، ثم قال : ((وأيم اللّه لا ترى أمة محمد خفضاً ما كانت سادتهم وقادتهم في بني أمية، ولقد وجّه اللّه إليكم فتنة لن تصدروا عنها حتى تهلكوا؛ لطاعتكم طواغيتكم، وانضوائكم إلى شياطينكم ، فعند اللّه أحتسب ما مضى وما ينتظر من سوء دعتكم ، وحيف حكمكم))(5).

   ثم حسبنا ما قاله الإمام الحسن ع في سبب استمراره بقتال معاوية بن أبي سفيان، مبيناً وموضحاً ذلك بقوله: (( والله إني ما سلمت الأمر إلا لأني لم أجد أنصاراً، ولو وجدت أنصاراً لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه))(6).

   ثانياً: إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع يشترط شرط الشجاعة في الإمام، ويعلل ذلك بقوله: ((وإذا لم يكن أشجع الناس سقط فرض إمامته؛ لأنه في الحرب فئةٌ للمسلمين، فلو فرّ لدخل فيمن قال الله تعالى: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ...))(7). 

   أما عن شرط كون الإمام أشجع الناس، فيقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع: ((لأنه لا يصح أن ينهزم، فيبوء بغضب من الله تعالى، وهذه لا تصح أن تكون صفة الإمام)).

   هذه وغيرها من الأدلة والروايات تدل على شجاعة الإمام المعصوم عموماً، وشجاعة الإمام الحسن ع بشكل خاص.

    ثالثاً: لم يبع الإمام الحسن ع حقه، ذلك أن الإمامة منصب إلهي، أما دكة الحكم فإن اعتلاها أو لم يعتلها، فلن يؤثر ذلك    في كونه إماماً منصباً من قبل الله تعالى.

    فكيف له أن يبيع شيئاً هو لله تعالى؟ وكيف يكون إماماً وهو يبيع ويشتري لأجل مصالحه؟

كل تلك تساؤلات مشروعة، على من يتبنى نفس أفكار وطروحات (فلهاوزن) أن يجيب عليها، لكن كيف يجيب عليها من لا يعرف حقيقة الإمامة الإلهية، وكيف يجيب عليها من لا يؤمن بالمقدس، وكيف يجيب عليها من لا يملك ذوق فهم الإسلام وكتابه، وبعثة نبيه، ومسألة الإمامة والعصمة، وكيف يجيب عليها من لا يعرف معنى الإصطفاء الإلهي.

   ويذكر المقداد السيوري (ت826هـ) أدلة على صحة إمامتهم ع والتي هي: 

   (الأول): النص من النبي صلى الله عليه وآله وسلم... 

   (الثاني): نص كل إمام منهم على من بعده... 

   (الثالث): إن الإمام يجب أن يكون معصوماً، وغيرهم ممن ادعيت له الإمامة في زمان كل واحدٍ منهم، لم يكن معصوماً بالإجماع، فيجب أن يكون هو الإمام دون غيره)(8).

    أما بخصوص الأموال التي ذُكرت في بنود الهدنة (الصلح)، فهي أموال المسلمين، أراد الإمام الحسن (ع) المحافظة عليها، كي لا يمنعها عنهم معاوية، ولكي لا يستأثر بها هو وآل أمية، فكان أن اشترط ذلك عليه حفاظاً على معيشة المسلمين، وبالخصوص من كان يُعرف بالولاء لأهل البيت ع. 

    نعم، لقد أدرج الإمام الحسن المجتبى بعض البنود المالية في وثيقة الهدنة مع معاوية بن أبي سفيان، فشرط على معاوية تعويض عوائل شهداء حرب صفين والجمل بمبلغ مليون درهم، وأن يفضل بني هاشم في العطاء، والصلات على بني عبد شمس، ويستثني بيت مال الكوفة، فهو تحت تصرفه، وأن يعطي أخاه الحسين ع كل عام مليوني درهم، ويجعل له خراج (دار ابجرد) في ولاية فارس، وألا يمنع أحداً من شيعة علي عطاءه(9).

   رابعاً: أما تصويره للحرب التي دارت ما بين الإمام الحسن ع، وبين معاوية بن أبي سفيان بالحرب الأهلية، فإن هذا منتهى الشطط، والخلط، والتجني.

   إنها حرب ما بين فئتين، وجانبين مختلفين، وبين مكانين، ودولتين، إنها حرب بين فئة مسلمة وأخرى متأسلمة، وما بين الإيمان والكفر، وما بين الجزيرة وتوابعها، والشام وتوابعه، وحرب ما بين دولة الرسول الأكرم ص ودولة بني أمية.

فكيف تسمى بالحرب الأهلية يا ترى؟ وما هي الحرب الأهلية؟

    من المؤكد أن هذا المصطلح الفضفاض الذي أطلقه (فلهاوزن) كان له أبعاده، وكانت له غاياته التي أدرج من أجلها ولأجلها، ويبقى الكلام هو الكلام؛ بأن الحرب ما بين الإمام الحسن ع ومعاوية هي حرب ما بين الحق والباطل، بغض النظر عن الأسماء والمسميات، فإن كانت (أهلية) أو لم تكن بمقاييسها، إلا أن الأمر يحتاج إلى التشخيص الحقيق، والإشارة إلى تمرد معاوية على الشرع، وعلى القانون، وعلى إرادة الناس، وعلى كل شيء في سبيل الوصول إلى السلطة.

ــــــــــــــــــــ

(1) موسوعة المستشرقين، عبد الرحمن بدوي:408.

(2) موسوعة المستشرقين، عبد الرحمن بدوي: 409.

(3) مناهج البحث في الإسلاميات لدى المستشرقين وعلماء الغرب، محمد البشير: 286.

(4) تاريخ الدولة العربية، يوليوس فلهاوزن: 57.

(5) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد المعتزلي 16 : 28.

(6) الاحتجاج، الطبرسي: 2 :8.

(7) رسالة المحكم و المتشابه: 112 ـ 114 .

(8) الاعتماد في شرح واجب الاعتقاد، المقداد السيوري: 95 ـ 96.

(9) مروج الذهب، المسعودي، 3: 5، وتاريخ اليعقوبي، 2: 132.