من أسماء فاطمة: « الزكية »

السؤال: لماذا لقّبت فاطمة الزهراء (عليها السلام) بـ « الزكية »؟

: - اللجنة العلمية

الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إنّ من الأسماء المشهورة للصدّيقة الكبرى (عليها السلام) هو « الزكيّة »، والأصل فيه الوحي الإلهيّ، فإنّ أحد أسمائها (عليها السلام) عند الله تعالى هو « الزكيّة »، إذِ استفاضت الأخبار الشريفة بتسميتها بذلك، ولهذا الاسم دلالات سامية.

وتفصيل الكلام في أمرين:

الأمر الأوّل: لقب « الزكية » في الأحاديث الشريفة:

وردت أخبار معصومية كثيرة في تسميتها (عليها السلام) بهذا الاسم المبارك، نذكر في المقام بعضاً منها:

1ـ روى المشايخ الصدوق والطبريّان عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: « لفاطمة (ع) تسعة أسماء عند الله عزّ وجلّ: فاطمة ، والصديقة ، والمباركة ، والطاهرة ، والزكية ، والرضية ، والمرضية ، والمحدثة ، والزهراء » [الأمالي ص688، الخصال ص414، علل الشرائع ج1 ص178، دلائل الإمامة ص79، بشارة المصطفى ص33].

2ـ وروى ابن كرامة عن الصادق (عليه السلام) قال: « لفاطمة ثمانية أسماء: الصدّيقة والزهراء والطاهرة والزاكية والراضية والمرضيّة والبتول وفاطمة » [تنبيه الغافلين ص40].

3ـ روى الشيخ الصدوق عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: « خطب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ص) بالكوفة بعد منصرفه من النهروان... وأنا زوج البتول، سيدة نساء العالمين، فاطمة التقية النقية، الزكية المبرة المهدية.. » [معاني الأخبار ص58].

4ـ ونقل الشيخ المشهدي زيارة للزهراء (عليها السلام)، ورد فيها: « اللهمّ صلِّ على الزهراء الزكيّة، المباركة الميمونة، صلاةً تزيد في شرف محلّها عندك، وجلالة منزلتها لديك، وبلّغها منّي السلام، والسلام عليها ورحمة الله وبركاته » [المزار الكبير ص79].

5ـ نقل السيد ابن طاوس زيارة للزهراء (عليها السلام)، ورد فيها: « السلام عليك أيتها الصادقة الرشيدة ، السلام عليك أيتها الفاضلة الزكية ، السلام عليك أيتها الحوراء الانسية... اللهم صل على محمد وأهل بيته ، وصل على البتول الطاهرة ، الصديقة المعصومة ، التقية النقية ، الرضية المرضية، الزكية الرشيدة... » [إقبال الأعمال ج3 ص164].

6ـ نقل الشيخ المشهدي زيارة جامعة للأئمّة (عليهم السلام)، ورد فيها: « السلام على الطاهرة الحميدة ، والبرة التقية الرشيدة ، النقية من الأرجاس ، المبراة من الأدناس ، الزاكية المفضلة على نساء العالمين... » [المزار الكبير ص104].

7ـ روى السيد ابن طاوس عنهم (عليهم السلام) – في صلاة الهدية للنبيّ وآله –: « ما يهديه إلى فاطمة عليها السلام يقول: اللهم ان هاتين الركعتين هدية منى إلى الطاهرة المطهرة الطيبة الزكية فاطمة بنت نبيك... » [جمال الأسبوع ص30].

8ـ روى الشيخ الطوسي والسيد ابن طاوس عن الإمام العسكري (عليه السلام) خبراً في الصلوات على النبيّ وآله، ورد فيه: « الصلاة على السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام: اللهم صل على الصديقة فاطمة الزهراء الزكية ، حبيبة نبيك وأم أحبائك وأصفيائك ، التي انتجبتها وفضلتها واخترتها على نساء العالمين... » [مصباح المتهجد ص401، جمال الأسبوع ص297].

9ـ نقل المشايخ الصدوق والطوسيّ والمشهدي زيارةً للإمام الرضا (عليه السلام)، ورد فيها: «اللهم صل على فاطمة بنت نبيك وزوجة وليك وأم السبطين الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة الطهرة الطاهرة المطهرة التقية النقية الرضية ( المرضية ) الزكية سيد نساء أهل الجنة أجمعين صلاة لا يقوى على احصائها غيرك » [عيون أخبار الرضا ج2 ص301، تهذيب الأحكام ج6 ص87، المزار الكبير ص649].

الأمر الثاني: دلالة اسم « الزكية » :

قبل بيان دلالة هذا الاسم المبارك، ينبغي التنبيه على أمور:

1ـ لقد تقدّم في الحديث الصادقيّ: « لفاطمة تسعة أسماء عند الله عزّ وجلّ:... والزكيّة.. »، وذكر العلماء أنّ « عند الله » مقام رفيع، فإنّ الاسم علامة المسمّى، والأسماء تارةً تكون أرضيّة، وأخرى سماويّة، في حين الحديث يقول: « لفاطمة تسعة أسماء عند الله »، فهي ليست أسماء أرضية ولا سماويّة، بل « عند الله عزّ وجلّ »، ولا يمكن تصوّر مقام أرفع من مقام عند تعالى: {عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ}، إذ لا سماء هناك ولا عرش ولا كرسي ولا لوح ولا قلم. وحينئذٍ، إذا كان مقام اسمها (عليها السلام) هو « عند الله عز وجل »، فما حقيقة ذاتها وجوهرها؟! [يلاحظ حلقة وصل رسالت وامامت ص248].

فهذا الحديث الشريف يدلّ على أنّ السيّدة الزهراء (عليها السلام) تسمّى بـ « الزكيّة » عند الله تعالى، وليس عند البشر، ولا سكّان السماوات، فيا له من مقامٍ رفيع سامٍ لا يبلغ كنه معرفته إلّا النبيّ وأوصياؤه (صلوات الله عليهم).

2ـ « الزكيّة » صفة مشبّهة دالّة على الثبوت، مشتقّة من « زكا أو زكى، زكاةً »، وهو بمعنى النماء والطهارة والمدح، وقد استعمل بهذه المعاني في القرآن والحديث. ينظر: مقاييس اللغة ج3 ص17، المخصص ج4 ق1 ص89، لسان العرب ج14 ص358.

3ـ ورد في أكثر المصادر المتقدّمة أنّها (عليها السلام) تسمّى بـ « الزكيّة »، وفي بعضها تسمّى بـ « الزاكية ».

وقد قُرئ قوله تعالى: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً} [سورة الكهف: 74]: (زاكية) بدل (زكية)، فقال الكسائيّ: هما لغتان مثل قاسية وقسيّة، وذهب بعضهم إلى وجود فرق بينهما، فقيل: زكيّة أبلغ من زاكية، وقيل: الزاكية التي لم تذنب، والزكية التي أذنبت ثم تابت، وقيل: الزاكية في البدن، والزكية في الدين. [ينظر التبيان ج7 ص73، مجمع البيان ج6 ص369].

إذا عرفتَ ما تقدّم، فاعلم أنّ اسم « الزكيّة » يحتمل وجوهاً من المعاني:

الأوّل: النماء والزيادة:

ذكرنا أنّ الزكاة بمعنى النمو والزيادة، بل قيل: هو أصل معناه، وحينئذٍ يكون اسم « الزكية » بمعنى النماء والزيادة دالّاً على أمور:

1ـ النماء بمعنى نماء جسدها الشريف على خلاف العادة المألوفة في بقيّة الأجساد، فإنّ لبدن السيّدة الزهراء (عليها السلام) – كما هو الحال في بقيّة المعصومين (عليهم السلام) – خصوصيّةً خاصّة، ومن جملة تلك الخصوصيّات: سرعة النمو.

ففي الحديث: « فكانت فاطمة تنمى في اليوم كما ينمى الصبيّ في الشهر، وتنمى في الشهر كما ينمى الصبيّ في السنة » [بحار الأنوار ج43 ص3]، وفي خبر آخر: « لم تزل فاطمة تشبّ في اليوم كالجمعة، وفي الجمعة كالشهر، وفي الشهر كالسنة » [بحار الأنوار ج43 ص10].

2ـ النماء بمعنى نماء علومها وزيادة مقامها ودرجتها عند الله تعالى؛ إذ لا شكّ في أنّ الله تعالى يزيد أهل البيت (عليهم السلام) بالعلوم والمعارف في كلّ سنة في ليلة القدر، وفي كلّ جمعة، بل وفي كلّ لحظة.

3ـ النماء والزيادة بمعنى نماء ذريّتها وكثرتهم، فإنّ الله تبارك وتعالى أكرم النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) بأنّ جعل له الذريّة الطيّبة والنسل الكثير من ابنته الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء (عليها السلام)، كما في تفسير قوله: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}، وحينئذٍ ينسجم هذا الوصف مع أحد معاني اسمها الآخر وهو « المباركة »، بمعنى بركة ووفرة ذريّتها (عليها السلام).

المعنى الثاني: الطهارة:

فإنّ الزكاة يعني الطهارة – كما أشرنا -، وسميّ الزكاة زكاة لأنّها تطهّر الأموال، فيكون دلالة اسم « الزكية » كدلالة اسم « الطاهرة ».

قال المفسّرون في قوله تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}[سورة الشمس: 9]: التزكية التطهير من الأخلاق الذميمة الناشئة من الغضب والحسد والبخل وحبّ الجاه وحبّ الدّنيا والكبر والعجب، فمَن عالج هذه الأمراض بالأعمال الصالحة صارت نفسه مطهّرة مزكّاة. [ينظر مجمع البيان ج10 ص226].

وقد ذكر جملة من الأعلام - في تفسير قوله تعالى في قصّة مريم: {إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا} [سورة مريم: 19] – أنّ معنى {زَكِيًّا} هو الطاهر من الأدناس والذنوب.

قال الطبرسيّ: ({غُلاماً زَكِيًّا} أي: ولداً طاهراً من الأدناس) [مجمع البيان ج6 ص411]. وقال الطريحيّ: (أي: طاهراً من الذنوب) [تفسير غريب القرآن ص34]. وقال مغنية: (طاهراً مطهّراً) [التفسير المبين ص398].

وكذلك في تفسير قوله تعالى: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً} [سورة الكهف: 74]:

قال الطبرسيّ: ({أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً} أي: طاهرة من الذنوب، وزكية بريئة من الذنوب)، ثمّ ذكر وجوه الفرق بين (الزكية) و(الزاكية) [مجمع البيان ج6 ص369].

وقال الطباطبائيّ: (الزكيّة: الطاهرة، والمراد طهارتها من الذنوب؛ لعدم البلوغ، كما يشعر به قوله : {غُلامًا}( [تفسير الميزان ج13 ص345].

وذكر الشيخ الكجوريّ في [الخصائص الفاطميّة ج1 ص178] وجهين للفرق بين الطاهرة والزكيّة:

الأوّل: أنّ الزكيّة بمعنى المزكّاة، فهي تحتاج إلى تزكية لتكون طاهرة، في حين أنّ الطاهرة ليست كذلك، فهي طاهرة مهما بقيت حتّى لو لم تزكّ، فهي منزّهة من الأخلاق الرذيلة. وبعبارة أخرى: إنّ نتيجة التزكية الطهارة، والطاهرة هي نفس الطهارة، وعليه: تكون الطاهرة أوفى وأقوى.

والثاني: أنّ السيّدة الزهراء (عليها السلام) ولدت طاهرة من الأرجاس والأخباث الظاهريّة، ففي الحديث: « فوضعت فاطمة طاهرةً مطهَّرة »، وفي حديث آخر: « خذيها طاهرة مطهّرة زكيّة ميمونة »، فالطاهرة خاصّ بالأخباث الظاهريّة بشهادة قرائن الحال، وإنْ كان إطلاقه يدلّ على العموم. وأمّا لفظ الزكيّة فيدلّ على الطهارة وتزكية الأخلاق. وعليه: يكون اسم زكية أقوى من الطاهرة.

والحمد لله رب العالمين