الامام علي ع والشورى

قال الامام علي عليه السلام لمعاوية «إنما الشورى للمهاجرين والأنصار. فإذا اجتمعوا على رجلٍ وسمّوه (إماماً) كان ذلك لله رضاً» (نهج البلاغة 7:3)... الا يتعارض هذا الكلام مع مفهوم الامامة الالهية والنص؟ • January 12, 2023 at 6:20 PM

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا مقطع من كتاب أمير المؤمنين -عليه السلام- ارسله إلى معاوية، ففي كتاب صفين لنصر بن مزاحم: عن عامر الشعبي أن علياً -عليه السلام- حين قدم من البصرة.. بعث جرير بن عبد الله الى الشام فانطلق جرير حتى أتى الشام ونزل بمعاوية فدخل عليه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد يا معاوية فإنه قد اجتمع لابن عمك أهل الحرمين وأهل المصرين وأهل الحجاز وأهل اليمن وأهل مصر، وأهل العروض (العروض عمان) وأهل البحرين. واليمامة فلم يبق إلا أهل هذه الحصون التي أنت فيها ولو سال عليها سيل من أوديته غرقها، وقد أتيتك أدعوك إلى ما يرشدك ويهديك إلى مبايعة هذا الرجل. ودفع إليه كتاب علي بن أبي طالب عليه السلام:

بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد، فإن بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام، لأنه بايعني الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بويعوا عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغايب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار إذا اجتمعوا على رجل فسموه إماماً كان ذلك لله رضاً، فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو رغبة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على إتباعه غير سبيل المؤمنين و ولاه الله ما تولى، ويصله جهنم وساءت مصيراً.

وإن طلحة والزبير بايعاني ثم نقضا بيعتي، فكان نقضهما كردتهما فجاهدتهما على ذلك حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون، فادخل فيما دخل فيه المسلمون، فإن أحب الأمور إلي فيك العافية إلا أن تتعرض للبلاء، فإن تعرضت له قاتلتك واستعنت بالله عليك.

وقد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه الناس وحاكم القوم إليَّ أحملك وإياهم على كتاب الله، فأما تلك التي تريدها فهي خدعة الصبي عن اللبن. ولعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ قريش من دم عثمان.

واعلم أنك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة ولا تعرض فيهم الشورى. وقد أرسلت إليك والى من قبلك جرير بن عبد الله، وهو من أهل الإيمان والهجرة فبايع ولا قوة إلا بالله.

فلما قرأ الكتاب قام جرير فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:

أيها الناس إن أمر عثمان أعيا من شهده فما ظنكم بمن غاب عنه، وإن الناس بايعوا علياً غير واتر ولا موتور، وكان طلحة والزبير ممن بايعه ثم نكثا بيعته على غير حدث. ألا وإن هذا الدين لا يحتمل الفتن، ألا وإن العرب لا تحتمل السيف، وقد كانت بالبصرة أمس ملحمة إن تشفع البلاء بمثلها فلا نبأ للناس.

ولو ملكنا والله أمورنا لم نختر لها غيره، ومن خالف هذا استعتب، فادخل يا معاوية فيما دخل فيه الناس، فإن قلت: استعملني عثمان ثم لم يعزلني، فإن هذا أمر لو جاز لم يقم لله دين، وكان لكل امرئ ما في يده، ولكن الله لم يجعل للآخر من الولاة حق الأول، وجعل تلك أموراً موطأة وحقوقاً ينسخ بعضها بعضاً.

فقال معاوية: أنظر وتنظر، وأستطلع رأي أهل الشام.

فلما فرغ جرير من خطبته أمر معاوية منادياً فنادى الصلاة جامعة، فلما اجتمع الناس صعد المنبر وقال بعد كلام طويل:

أيها الناس قد علمتم أني خليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وأني خليفة عثمان بن عفان عليكم، وأني لم أقم رجلاً منكم على خزاية قط، وأني ولي عثمان وقد قتل مظلوماً والله يقول: ﴿ ... وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ﴾ وأنا أحب أن تعلموني ذات أنفسكم في قتل عثمان؟! فقام أهل الشام بأجمعهم وأجابوا إلى الطلب بدم عثمان وبايعوه على ذلك، وأوثقوا له على أن يبذلوا أنفسهم وأموالهم أو يدركوا ثأره أو يفني الله أرواحهم ) (١).

ومن خلال عرض الكتاب يتبين ان الإمامُ -عليه السلام- لم يكن بصددِ بيان الرؤيةِ التي يتبنَّاها في مبدأ النص والشورى وإنَّما كان بصدد الاحتجاج على معاوية وإلزامه بما يدَّعي الاِلتزام به، فمعاوية منصّب من السقيفة، ويحترمها، والسقيفة تدعي أنها تولدت من رحم مشورة المهاجرين والأنصار وبيعتهم، فلذا احتج أمير المؤمنين (ع) عليه بما التزمت به السقيفة، فلذا قال: لقد بايعني الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان ... وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار ... إلزاماً منه لمعاوية.

ثم في كلام الإمامُ -عليه السلام- تعريض ببيعةُ أبي بكر اذ انها لم تكن بمشورة المهاجرين والأنصار، وإنَّما كانت فلتةً - بحسب تصريح عمر- .

وكذا خلافة عمر حيثُ كانت بالتنصيب من قبل أبي بكر وحده، دون مشورة للمهاجرين والأنصار، ولم تكنْ خلافةُ عثمان بشورى المهاجرين والأنصار وإنَّما كانت الشورى بين المهاجرين دون الأنصار.

وقد ورد في نهج البلاغة ان الامام -عليه السلام- يصرح بصرف الامر عنه كما في قولُه: "فَوَاللَّه مَا زِلْتُ مَدْفُوعًا عَنْ حَقِّي، مُسْتَأْثَرًا عَلَيَّ مُنْذُ قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْه وآله وسَلَّمَ حَتَّى يَوْمِ النَّاسِ هَذَا"(2).

وقوله -عليه السلام- في موضعٍ آخر: "وقَدْ قَالَ قَائِلٌ إِنَّكَ عَلَى هَذَا الأَمْرِ يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ لَحَرِيصٌ، فَقُلْتُ: بَلْ أَنْتُمْ واللَّه لأَحْرَصُ وأَبْعَدُ وأَنَا أَخَصُّ وأَقْرَبُ، وإِنَّمَا طَلَبْتُ حَقًّا لِي وأَنْتُمْ تَحُولُونَ بَيْنِي وبَيْنَه، وتَضْرِبُونَ وَجْهِي دُونَه، فَلَمَّا قَرَّعْتُه بِالْحُجَّةِ فِي الْمَلإِ الْحَاضِرِينَ، هَبَّ كَأَنَّه بُهِتَ لَا يَدْرِي مَا يُجِيبُنِي بِه"(3).

وقوله -عليه السلام- "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَعْدِيكَ عَلَى قُرَيْشٍ ومَنْ أَعَانَهُمْ، فَإِنَّهُمْ قَطَعُوا رَحِمِي وصَغَّرُوا عَظِيمَ مَنْزِلَتِيَ، وأَجْمَعُوا عَلَى مُنَازَعَتِي أَمْرًا هُوَ لِي، ثُمَّ قَالُوا أَلَا إِنَّ فِي الْحَقِّ أَنْ تَأْخُذَه وفِي الْحَقِّ أَنْ تَتْرُكَه"(4).

وقوله -عليه السلام- "أَمَا واللَّه لَقَدْ تَقَمَّصَهَا فُلَانٌ وإِنَّه لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى، يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ ولَا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ، فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْبًا وطَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحًا .. فَصَبَرْتُ وفِي الْعَيْنِ قَذًى وفِي الْحَلْقِ شَجًا أَرَى تُرَاثِي نَهْبًا حَتَّى مَضَى الأَوَّلُ لِسَبِيلِه، فَأَدْلَى بِهَا إِلَى فُلَانٍ بَعْدَه .. فَيَا عَجَبًا بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُهَا فِي حَيَاتِه، إِذْ عَقَدَهَا لِآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِه لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا .. حَتَّى إِذَا مَضَى لِسَبِيلِه، جَعَلَهَا فِي جَمَاعَةٍ زَعَمَ أَنِّي أَحَدُهُمْ فَيَا لَلَّه ولِلشُّورَى، مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الأَوَّلِ مِنْهُمْ، حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إِلَى هَذِه النَّظَائِرِ .."(5).

والحمد لله أولا وآخرا..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- كتاب صفين ص 29 ط 2 بمصر و ص 18، ط إيران.

2- نهج البلاغة -الشّريف الرّضيّ- ج1 / ص42.

3- نهج البلاغة -الشّريف الرّضيّ- ج2 / ص84-85.

4- نهج البلاغة -الشّريف الرّضيّ- ج2 / ص85.

5- نهج البلاغة -الشّريف الرّضيّ- ج1 / ص30-35.