ما معنى قسيم الجنَّة والنار؟

السؤال: ما معنى أنَّ أمير المؤمنين عليَّ بن أبي طالب (عليه السلام) قسيم الجنَّة والنار؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

بداية ـ عزيزي السائل ـ لابدَّ من ذكر الروايات الدالَّة على كونه (عليه السلام) قسيم الجنَّة والنار، وبعدها نُبيِّن المراد من تلك القِسْمة، ولذلك سوف يكون الكلام في ذكر مقامين إنْ شاء الله تعالى.

المقام الأوَّل: في ذكر الروايات.

1ـ فقد روى شيخنا الصفَّار (طاب ثراه) بسنده عن أبي الصامت الحلوانيّ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «أنا قسيمُ الله بين الجنَّة والنار» [بصائر الدرجات ص435].

2ـ وروى (طاب ثراه) أيضاً بسنده عن المفضَّل بن عمر الجعفيّ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «إنَّ أمير المؤمنين عليَّ بن أبي طالب (عليه السلام) لديَّان الناس يوم القيامة، وقسيمُ الله بين الجنَّة والنار» [بصائر الدرجات ص435].

3ـ وروى (طاب ثراه) أيضاً بسنده عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال عليٌّ (عليه السلام): «أنا قسيم الجنَّة والنار، أُدخل أوليائي الجنَّة، وأعدائي النار» [بصائر الدرجات ص435].

4ـ وروى شيخنا الصدوق (طاب ثراه) بسنده عن عليِّ بن موسى الرضا (عليه السلام) قال: «حدَّثني أبي موسى بن جعفر قال: حدَّثني أبي جعفر بن محمَّد قال: حدَّثني أبي محمَّد بن عليّ قال: حدَّثني أبي عليّ بن الحسين قال: حدَّثني أبي الحسين بن عليّ قال: حدَّثني أبي عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «يا عليّ، إنَّك قسيم الجنَّة والنار» [عيون أخبار الرضا ج1 ص30].

5ـ وروى أيضاً (طاب ثراه) في الأمالي بسنده عن الصادق جعفر بن محمَّد، عن أبيه، عن آبائه، عن عليٍّ (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): إذا كان يوم القيامة يؤتى بك يا عليّ على ناقةٍ من نور، وعلى رأسك تاج، له أربعة أركان، على كلِّ ركن ثلاثة أسطر: «لا إله إلَّا الله، محمَّد رسول الله، عليٌّ ولي الله» وتعطى مفاتيح الجنَّة، ثمَّ يوضع لك كرسيّ يُعرف بكرسيّ الكرامة، فتقعد عليه، ثمَّ يُجمع لك الأوَّلون والآخرون في صعيد واحد، فتأمر بشيعتك إلى الجنَّة، وبأعدائك إلى النار، فأنت قسيم الجنَّة، وأنت قسيم النار» [أمالي الصدوق ص768].

6ـ وروى أيضاً (طاب ثراه) بسنده عن المفضَّل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): أنا قسيم الله بين الجنَّة والنار» [علل الشرائع ج1 ص164]. إلى غيرها من الروايات في هذا المعنى.

المقام الآخر: في بيان معناه، وفيه معنيان.

المعنى الأوَّل: هو أنَّ حبَّه (عليه السلام) يؤدِّي إلى الجنَّة، وبغضه يؤدِّي إلى النار، وقد جاء فيه:

1ـ ما جاء في كتاب طبقات الحنابلة (ترجمة محمَّد بن منصور الطوسيّ) قال: (كنَّا عند أحمد بن حنبل، فقال له رجل: يا أبا عبد الله، ما تقول في هذا الحديث الذي روي: «أنَّ علياً قال: أنا قسيم النار»؟ فقال: ما تنكرون من ذا؟ أليس روينا أنَّ النبي (صلَّى الله عليه[وآله] وسلَّم) قال لعليّ: «لا يحبّك إلَّا مؤمن ولا يبغضك إلَّا منافق»؟ قلنا بلى، قال: فأين المؤمن؟ قلنا: في الجنَّة، قال: وأين المنافق؟ قلنا: في النار، قال: فعليٌّ قسيم النار) [طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى ج1 ص320].

2ـ وما رواه شيخنا الصدوق (طاب ثراه بسنده عن المفضَّل بن عمر قال: قلتُ لأبي عبد الله جعفر بن محمَّد الصادق (عليه السلام): لم صار أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب قسيم الجنَّة والنار؟ قال: «لأنَّ حبَّه إيمان وبغضه كفر، وإنَّما خُلقت الجنَّة لأهل الإيمان، وخُلقت النار لأهل الكفر، فهو (عليه السلام) قسيم الجنَّة والنار لهذه العلَّة، فالجنَّة لا يدخلها إلَّا أهل محبّته، والنار لا يدخلها إلَّا أهل بغضه» [علل الشرائع ج1 ص162].

3ـ ونقل ابن أبي الحديد المعتزليّ (عن أبي عبيد الهرويّ في (الجمع بين الغريبين)، أنَّ قوماً من أئمَّة العربيّة فسَّروه، فقالوا: لأنّه لمّا كان محبّه من أهل الجنّة، ومبغضه من أهل النار، كأنّه بهذا الاعتبار قسيم النار والجنّة) [شرح النهج ج9 ص١٦٥].

المعنى الآخر: وهو أنَّه (عليه السلام) بنفسه يُدخل المؤمن إلى الجنَّة، ويُدخل غير المؤمن إلى النار، كرامة من الله تعالى له، وقد جاء فيه:

1ـ ما رواه شيخنا الصدوق (طاب ثراه) بسنده عن أبي الصلت الهرويّ قال: قال المأمون يوماً للرضا (عليه السلام): يا أبا الحسن، أخبرني عن جدِّك أمير المؤمنين، بأيّ وجهٍ هو قسيم الجنَّة والنار، وبأيّ معنى، فقد كثر فكري في ذلك؟ فقال له الرضا (عليه السلام): «يا أمير المؤمنين، ألم تروِ عن أبيك، عن آبائه، عن عبد الله بن عبَّاس أنَّه قال: سمعتُ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) يقول: «حبُّ عليّ إيمان وبغضه كفر؟» فقال: بلى، فقال الرضا (عليه السلام): «فقسمة الجنَّة والنار إذا كانت على حبِّه وبغضه فهو قسيم الجنة والنار». فقال المأمون: لا أبقاني بعدك يا أبا الحسن، أشهد أنَّك وارث علم رسول الله (صلَّى الله عليه وآله). قال: أبو الصلت الهرويّ: فلمَّا انصرف الرضا (عليه السلام) إلى منزله أتيته فقلتُ له: يا بن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، ما أحسن ما أجبتَ به أمير المؤمنين؟ فقال الرضا (عليه السلام): «يا أبا الصلت، إنَّما كلّمته حيث هو، ولقد سمعتُ أبي يُحدِّث عن آبائه، عن عليّ (عليه السلام) إنَّه قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «يا عليّ، أنت قسيم الجنَّة يوم القيامة، تقول للنار: هذا لي وهذا لكِ» [عيون أخبار الرضا ج1 ص92].

2ـ وما رواه أيضاً (طاب ثراه) بسنده عن سماعة بن مهران قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إذا كان يوم القيامة وضع منبر يراه جميع الخلائق، يقف عليه رجل، يقوم ملكٌ عن يمينه وملكٌ عن يساره، فينادي الذي عن يمينه يقول: يا معشر الخلائق، هذا عليّ بن أبي طالب، صاحب الجنَّة يُدخل الجنَّة من شاء. وينادي الذي عن يساره: يا معشر الخلائق، هذا عليّ بن أبي طالب صاحب النار يُدخلها من شاء» [علل الشرائع ج1 ص164].

3ـ ونقل ابن أبي الحديد المعتزليّ (عن أبي عبيد الهرويّ في (الجمع بين الغريبين)، أنَّ قوماً من أئمَّة العربية فسَّروه...وقال غير هؤلاء: بل هو قسيمها بنفسه في الحقيقة، يدخل قوماً إلى الجنّة، وقوماً إلى النار، وهذا الذي ذكره أبو عبيد أخيراً هو ما يُطابق الأخبار الواردة فيه، يقول للنار: هذا لي فدعيه، وهذا لك فخذيه) [شرح النهج ج9 ص١٦٥].

وعليه، يُحتمل أنْ يكون المعنى الأوَّل واردٌ مجاراة للعامَّة، كما يُوحي إليه كلام الإمام الرضا (عليه السلام) مع المأمون العبَّاسيّ، وكذلك ما جاء في كلمات ابن حنبل في هذا السياق، وبذلك يُترجَّح المعنى الآخر.

والنتيجة من كلِّ ما تقدَّم، أنَّ الأرجح ـ وفقاً للنصوص المذكورة ـ هو اختيار المعنى الثاني الذي ينصُّ على أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) هو الذي يُدخل الجنَّة من يستحقُّها، ويدخل النار المستحقُّ أيضاً، كرامة له من الله تعالى .. والحمد لله ربِّ العالمين.