هل عند الشيعة ما يُسمَّى باستعارة الفروج؟

السؤال: نلاحظ أنَّ النواصب ـ أخزاهم الله تعالى ـ دائماً ما يُردِّدون ويُعيِّرون الشيعة بما يُسمَّى (باستعارة الفروج)، فما هو منشأ هذه الأكذوبة، وكيف نردُّ عليهم عند ذكرهم هذه الفرية؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

لعلَّ الأخ السائل ـ أيَّده الله تعالى ـ يُشير في سؤاله هذا إلى ما جاء في بعض الروايات الناصَّة على جواز (تحليل الرجل جاريته لغيره)، منها:

1ـ ما رواه الشيخ الطوسيُّ (طاب ثراه) بسنده عن محمَّد بن مُسلم عن أحدهما (ع) قال: سألتُهُ عن رجلٍ يحلُّ لأخيه فرج جاريته؟ فقال: «هي له حلالٌ ما أحلَّ منها» [الاستبصار ج3 ص١٣٥].

2ـ وما رواه أيضاً بسنده عن محمَّد بن مُسلم عن أبي جعفر (ع) قال: قلتُ له: الرجل يحلُّ لأخيه فرج جاريته؟ قال: «نعم لا بأس به، له ما أحلَّ له منها» [الاستبصار ج3 ص136].

إلى غيرهما من الروايات الواردة في هذا المعنى، وللإجابة على هذا السؤال وبيان الحقِّ فيه يقع الكلام في مقامين:

المقام الأوَّل: الجواب النقضيّ:

لا يخفى أنَّ الحكم المذكور ـ أعني: تحليل الجواري ـ غير مختصٍ بشيعة أهل البيت (ع)، وإنَّما هو حُكمٌ إسلاميٌّ عامٌّ، ومن ثَّمَّ قال به جمعٌ من علماء العامَّة، وَهَاكَ بيانَ ذلك:

1ـ قال ابن حزم في المحلَّى: (مسألةٌ: من أحلَّ فرج أَمَتِه لغيره؟...ثمَّ روى بسنده عن عمرو بن دينار أنه سمع طاووساً يقول: قال ابن عبَّاس: إذا أَحلَّتْ امرأةُ الرجلِ، أو ابنته، أو أخته، له جاريتها فليُصِبْها، وهي لها...ثمَّ قال: قال ابن جريج: وأخبرني ابن طاووس، عن أبيه، أنه كان لا يرى به بأساً، وقال: هو حلال، فإنْ ولدت فولدها حر، والأَمَة لامرأته، ولا يغرم الزوج شيئاً...ثمَّ قال: قال ابن جريج: وأخبرني عطاء بن أبي رباح قال: كان يفعل، يُحِلُّ الرجلُ وليدته لغلامه، وابنه، وأخيه، وتُحلُّها المرأة لزوجها...قال أبو محمَّد: فهذا قول، وبه يقول سفيان الثوري، وقال مالك وأصحابه: لا حدَّ في ذلك أصلاً) [يُنظر: المحلَّى بالآثار ج12 ص206].

2ـ وقال ابن حجر العسقلانيُّ في التلخيص ما نصُّه: (روي أنَّ عطاء بن أبي رباح كان يجوِّز وطئ ‌الجارية ‌المرهونة بإذن مالكها. قال عبد الرزاق: حدَّثنا ابن جريج، أخبرني عطاء، قال: يُحلُّ الرجلُ وليدته لغلامه، أو ابنه، أو أخيه، أو أبيه. والمرأة لزوجها، وما أحبُّ أنْ يفعلَ ذلك، وما بلغني عن ثبت، وقد بلغني أنَّ الرجل يُرسل وليدته إلى ضيفه، وروي عن طاووس أنه قال: هو أحلّ من الطعام، فإنْ ولدت فولدها للذي أُحلَّت له، وهي لسيِّدها الأوَّل) [يُنظر: التلخيص الحبير ج4 ص1835].

3ـ وقد ورد في جملة من رواياتهم أيضاً جواز ذلك، منه ما روي عن وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، وعن الشيبانيّ، عن الشعبيّ، قالا: (إذا أحلَّ له فرجهاً فهي له) [مصنَّف ابن أبي شيبة ج4 ص13].

والمتحصَّل من مجموع كلماتهم أنَّ جملةً من علمائهم كانوا يُجيزون ذلك ولا يرون به بأساً، وحينئذٍ لا يحقُّ لصاحب الإشكال رمي الشيعة بما ثبت عند جمعٍ من علمائه، وإلَّا فهو الكيلُ بمكيالين، كما هو واضح.

المقام الآخر: الجواب الحَلِّي:

ونذكر في بيانه أمرين اثنين:

الأمر الأوَّل: أنَّ العلاقة الرابطة بين الرجل والمرأة ـ فقهيّاً ـ على أنحاء ثلاثة، فالأوَّل هو الزواج الدائم، والثاني هو الزواج المنقطع، والثالث هو ملك اليمين الخاص بالعبيد والإماء، ومن المعلوم من فقهنا أنَّ القسم الأوَّل والثاني لا يجري فيهما ما ذكر في هذه الروايات جزماً، وإنَّما هي مختصَّةٌ بالقسم الثالث فقط، ولأنَّ موضوع العبيد والإماء في العصر الراهن لا وجود له، فيكون ذلك مجرَّد حكم نظري لا تطبيق له.

الأمر الآخر: أنَّ (التحليل) المذكور داخلٌ في القسم الثالث من أنحاء العلاقة بين الرجل والمرأة، فمشروعيته بمشروعية نكاح العبيد والإماء، وهو ما صرَّح به بعض الفقهاء من الإمامية.

قال السيِّد الخوئي (قُدِّس سرُّه): (لو حلَّل أمته لغيره حلَّت له ـ ولو كان مملوكه ـ ولا يُشترط فيه تعيين مدَّة، ولا ذكر مهر، ولا نفقة لها عليه، ولا سلطان له عليها، وليس هو عقد نكاح، ولا تمليك انتفاع، ولا تمليك منفعة، بل هو إذنٌ في الانتفاع داخل في ملك اليمين بأنْ يكون المراد منه ما يعمُّ ذلك، فتجري عليه أحكامه الثابتة له بما هو عام) [منهاج الصالحين ج2 ص ٢٧٧].

وختاماً ننقل لكم كلاماً لعلمٍ من أعلام الطائفة المحقَّة، وهو يردُّ على هذه الفرية التي أُلصقت بالشيعة أعلى الله كلمتهم.

قال السيِّد المرتضى علم الهدى (طاب ثراه) في الانتصار: (مسألةٌ: وممَّا شنَّع به على الإماميَّة تجويزهم إعارة الفروج، وأنَّ الفرج يُستباح بلفظ العارية.

وتحقيق هذه المسألة: أنَّا ما وجدنا فقيهاً منهم أفتى بذلك، ولا أودعه مصنَّفاً له ولا كتاباً، وإنَّما يوجد في أحاديثهم أخبارٌ نادرةٌ تتضمَّن إعارة الفروج في المماليك. وقد يجوز - إذا صحَّت تلك الأخبار وَسَلُمت من القدح والتضعيف - أنْ يكون عُبِّر بلفظ العارية عن النكاح؛ لأنَّ في النكاح معنى العارية، من حيث كانت إباحة للمنافع مع بقاء العين على ملك مالكها، ونكاح الأَمَة يجري هذا المجرى؛ لأنَّ الرجل إذا أنكح أَمَتَه غيره، فإنَّما أباحه الانتفاع بها مع بقاء ملك الجارية عليه.

فإنْ قيل: أفتجوِّزون استباحة الفرج بلفظ العارية؟ قلنا: ليس في الأخبار التي أشرنا إليها أنَّ لفظة العارية من الألفاظ التي ينعقد بها النكاح، وإنَّما تضمَّنت أنَّه يجوز للرجل أنْ يُعِير فرج مملوكته لغيره، فنحمِل لفظ العارية هاهنا على أنَّ المراد بها النكاح، من حيث الاشتراك في المعنى...) [الانتصار ص ٢٨٠].

والنتيجة من كلِّ ما تقدَّم، أنَّ ما ورد في بعض أخبارنا ناظرٌ إلى تحليل (المماليك) وليس الأحرار، وأنَّه نوع من أنواع ملك اليمين الذي يقرُّ به كلُّ مسلم، ومنه يتَّضح أنَّ فرية (إعارة) الفروج مطلقاً من دون تمييزٍ بين الحرَّة والأمَة هي واحدة من الافتراءات التي يثيرها أعداء الشيعة الإماميَّة (أخزاهم الله تعالى).

والحمد لله ربِّ العالمين.