طبيعة بكاء الزهراء (عليها السلام)
السؤال: جاء في الرواية أنَّ الزهراء (عليها السلام) كانت تبكي الليل والنهار، مما جعل البعض يطلب من أمير المؤمنين (عليه السلام) أنْ يكلِّم الزهراء (عليها السلام) في أنْ تختار البكاء ليلاً أو نهاراً، والسؤال: ما هي طبيعة هذا البكاء الذي يمنع أهل المدينة من النوم، فمن المعروف أنَّ البكاء لا صوت له، بل حتَّى لو رافقه نوحٌ مثلاً فلا يبلغ حدَّ الإزعاج لمدينة كاملة؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
روى شيخنا الصدوق (طاب ثراه) بسنده عن أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمَّد (عليه السلام)، قال: «البكَّاؤون خمسة: آدم، ويعقوب، ويوسف، وفاطمة بنت محمَّد (صلَّى الله عليه وآله)، وعليُّ بن الحسين (عليهما السلام). فأمَّا آدم فبكى على الجنَّة حتَّى صار في خدَّيه أمثال الأودية - إلى قوله (عليه السلام) - وأمَّا فاطمة بنت محمَّد (صلَّى الله عليه وآله)، فبكت على رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) حتَّى تأذَّى بها أهل المدينة، وقالوا لها: قد آذيتنا بكثرة بكائك، فكانت تخرج إلى المقابر - مقابر الشهداء - فتبكي حتَّى تقضي حاجتها، ثمَّ تنصرف» [الأمالي ص ٢٠٤].
هذا، وقد عزا العلَّامة الشيخ باقر شريف القرشُّي (طاب ثراه) سبب ذلك إلى أنَّ منزلها (عليها السلام) كان مجاوراً إلى جامع رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) الذي كان مركزاً أساس لجلوسهم واجتماعهم آنذاك، قال ما نصُّه: (كان شبح أبيها يتابعها في كلِّ فترةٍ من حياتها القصيرة الأمد، وهي غارقةٌ بالبكاء، ويقول المؤرِّخون: إنَّ القوم قد ثقل عليهم بكاؤها؛ لأنَّ منزلها مجاورٌ إلى جامع الرسول (ص) الذي كان مركزاً لاجتماعهم، فشكوا أمر الزهراء إلى الإمام، وطلبوا منه أنْ تجعل وقتاً خاصَّاً لبكائها ولوعتها على أبيها، لأنَّهم لا يهجعون ولا يستريحون، فأعلمها الإمام أمير المؤمنين فأجابته إلى ذلك) [حياة فاطمة الزهراء (عليها السلام) ص363].
نعم، ينبغي الالتفات إلى أمرٍ مهم: وهو أنَّ الصدِّيقة الزهراء (عليها السلام) من جملة المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام)؛ ولذلك فلا يتصوَّر ـ أبداً ـ أنْ يكون بكاؤها سبباً لفعل الحرام، كما يلوح من بعض الأقلام، وذلك لعصمتها المانعة من فعل الحرام مُطلقاً، فلابدَّ أنْ يكون كلُّ فعلٍ أو قولٍ منها (عليها السلام) نابعاً عن حِكمة ومصلحة معيّنة، ومنه بكاؤها بعد شهادة أبيها (صلَّى الله عليه وآله).
وبناءً على ذلك، يُعلم بأنَّ بكاءَها (عليها السلام) – إضافةً لكونه يبيِّن فداحة رحيل النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) - كان يُمثِّل رسالةً للنهي عن المنكر الذي ارتكب في حقِّ أبيها وبعلها (عليهما وآلهما السلام)؛ ولذلك لم يحتملها القوم، فكان التظاهر والتذرُّع بأنَّ البكاء يوجب أذيَّة الناس من أهل المدينة؛ ولأجل ذلك نعتقدُ ـ تبعاً للجمع بين العصمة ورواية البكاء ـ بأنَّ شكاية أهل المدينة تستهدف إخماد صوت الحقِّ المتمثِّل فيها وفي أهل بيتها، كما لا يخفى على مَنْ جال كتب التأريخ والسِّير.
قال العلَّامة المقرَّم (طاب ثراه): (لم تبرح عن البكاء والشكوى ممّا نالها من الظلم والعدوان، فتأذَّى شيوخ أهل المدينة لذلك، وسألوا أمير المؤمنين (عليه السلام) أنْ يُهدِّئها عن البكاء، فلها إمَّا الليل أو النهار) [وفاة الصدِّيقة الزهراء ص151].
والنتيجة من كلِّ ما مضى، أنَّ بكاء الزهراء (عليها السلام) كان يُمثِّل رسالةً صارخةً بوجه الظلم والعدوان الذي مُورِسَ في حقِّهم، وهو ممَّا دعا القوم بأنْ يتذرَّعوا بالأذيّة من هذا البكاء ..
والحمد لله ربِّ العالمين.
اترك تعليق