تفسير القميّ

هل تمّ التأكّد من أنّ تفسير القمّيّ يعود لصاحبه، أم أنّه من تأليف أبي الجارود؟ أو كما يشير بعض المحقّقين أنّه لعليّ بن حاتم القزوينيّ؟

:  الشيخ أمير المسعودي

الجواب

في البداية، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ ثبوت أصل كتاب التفسير لعليّ بن إبراهيم القمّي أمرٌ مؤكّد، كما ورد في المصادر الرجاليّة القديمة، فقد أثبت الشيخ النجاشيّ والشيخ الطوسيّ وجود كتابٍ في التفسير لعليّ بن إبراهيم [ينظر: رجال النجاشيّ ص260، الفهرست ص152]، وذكره ابن النديم أيضاً في كتابه [الفهرست ص55].

هذا الكتاب نُقل عنه في كتب عديدة، منها (التهذيب) و(الاستبصار) للشيخ الطوسيّ، وكذلك لدى العلماء المتأخّرين مثل السيّد ابن طاووس والشهيد الأوّل، وصولاً إلى العلّامة المجلسيّ في (بحار الأنوار) والشيخ الحرّ العامليّ في (وسائل الشيعة). [ينظر: قبسات في علم الرجال ج2 ص113].

ومع ذلك، فإنّ الإشكال الذي أثير عليه يتعلّق بما إذا كانت النسخة الموجودة اليوم بين أيدينا هي النسخة نفسها التي تداولها القدماء، أم أنّها نسخةٌ مختلفةٌ خضعت لتعديلاتٍ أو إضافاتٍ بمرور الزمن؟

وقد ناقش عددٌ من العلماء مسألة نسبة جميع محتويات الكتاب إلى عليّ بن إبراهيم القمّيّ، ومن أبرزهم المحقّق أسد الله التستريّ [ت1237هـ] في كتابه [كشف القناع ص214]، والآغا بزرك الطهرانيّ في [الذريعة ج4 ص303]، وجمعٌ من المعاصرين، كالسيّد عليّ السيستانيّ والسيّد الشبيريّ الزنجانيّ وغيرهما.

وتنبع هذه الإشكالية من عدّة عوامل، منها:

أوّلاً: تتضمّن هذه النسخة رواياتٍ منقولةً عن شخصياتٍ متأخّرةٍ زمنيّاً عن عصر عليّ بن إبراهيم، مثل ابن عقدة [ت332هـ] ومحمّد بن همام [ت336هـ]، بالإضافة إلى شخصياتٍ معاصرةٍ له لم يُعرف عنه الرواية عنهم، مثل أحمد بن إدريس [ت306هـ] وأبي القاسم عبد الرحمن الحسينيّ - راوي تفسير الفرات الكوفيّ - وغيرهما.

ثانياً: ورد في النسخة - بعد ذكر روايات معاصريه – عباراتٌ تشير إلى أنّ الروايات المذكورة ليست من مرويات عليّ بن إبراهيم نفسه، ومن أمثلة هذه العبارات: (رجع إلى رواية عليّ بن إبراهيم)، و(قال عليّ بن إبراهيم في قوله)، و(فيه زيادة أحرف لم تكن في رواية عليّ بن إبراهيم).

ثالثاً: أنّ العلماء الذين نقلوا عن تفسير القميّ في كتبهم لَم ينقلوا شيئاً من روايات القسم الثاني – التي هي روايات المعاصرين والمتأخّرين عن عليّ بن إبراهيم -، وهذا يشير إلى خلوّ النسخة التي كانت عندهم من هذه الزيادات.

بناءً على هذه المعطيات، وبناءً على التحليل، يُرجّح أنّ هذا التفسير ليس من تأليف عليّ بن إبراهيم نفسه، رغم أنّ حوالي 75% من محتواه يتضمّن رواياتٍ منقولةً عنه، كذلك ليس من تأليف أبي جارود، رغم أنَّ حوالي 15% من محتواه يعتمد على رواياته؛ لأنّها تشتمل على رواياتٍ لشخصياتٍ أخرى غيره، وقد أدّى ذلك إلى ظهور عدَّة آراء حول هوية مَنْ ألَّفَ النصّ أو جَمعه:

1ـ الرأي الأوّل: أبو الفضل العبّاس بن محمّد العلويّ:

ذهب الأغا بزرك الطهرانيّ في [الذريعة ج4 ص303]، وتبعه المرجع السيّد عليّ السيستانيّ (دام ظله الوارف) فيما حكي عنه في [القواعد الفقهية ص275] – إلى أنّ هذا التفسير ليس من تأليف عليّ بن إبراهيم نفسه، بل هو مجموعة رواياتٍ جمعها أحد تلامذته، وهو أبو الفضل العبّاس بن محمّد بن قاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر (عليهما السلام)، حيث قام بجمع روايات أستاذه وأضاف إليها رواياتٍ أخرى من تفسير أبي جارود وغيره؛ تمسّكاً بتصدّر اسمه في أوّل التفسير بعد المقدّمة، حيث قال: (حدثّني أبو الفضل...).

ويُعتبر أبو الفضل مجهول الحال وفقًا للقواعد الرجاليّة؛ إذ لم يُذكر توثيقه في مصادر الرجال المعتمدة، رغم وروده في بعض كتب الأنساب مثل [المجدي ص311، وعمدة الطالب ص299].

ويُعترَض على هذا الرأي: عدم ورود ذِكر أبو الفضل في طُرُق هذا الكتاب في كُتب الرجال والفهارس المعتمدة، ممّا يُضعِف ثبوت نسبة التفسير إليه فلا شاهد لهذا الرأي [ينظر: مجلة كيهان أنديشة (بحث حول تفسير القميّ) ع32 ج1 ص93]، إضافةً إلى أنّ ظهور اسمه في مُفتتح التفسير - بَعد انتهاء المقدّمة - لا يكفي للاستدلال على كَونه المؤلِّف والجامع؛ إذ كان المُفترض -لو كان هو المؤلِّف- أن يُشار إلى اسمه مُنذ بداية المقدّمة، لا بعد ختامها، خصوصاً مع تكرُّر ذِكره في مواضع مُتفرّقة من ثنايا الكتاب، وليس في صَدْر الكلام فحسب [ينظر: تفسير القمّيّ ج2 ص297].

2ـ الرأي الثاني: علي بن حاتم القزوينيّ:

ذهب المرجع السيّد الشبيريّ الزنجانيّ كما في [دانشنامه جهان إسلام ج7 ص701]، والشيخ البهبوديّ في [معرفة الحديث ص 256]، وغيرهما، إلى أنّ هذا التفسير هو في الواقع من تأليف عليّ بن حاتم القزوينيّ، وهو موثّق في كتب الرجال، حيث ذكر الشيخ الطوسيُّ في الفهرست أنّ له ثلاثين كتاباً [ينظر: فهرست الطوسيّ ص163]، ووفقًا لهذا الرأي، فإنّ الكتاب كُتِبَ بقلمه لا غيره.

ومن الأدلّة التي تدعم هذا الرأي أنّ القسم الثاني من التفسير يحتوي على روايات أشخاص هم من مشايخ عليّ بن حاتم، منهم: أبو الفضل العبّاس العلويّ، أحمد بن إدريس، أحمد بن علي الفائديّ، أحمد بن محمّد الهمدانيّ، أحمد بن محمّد النوفليّ، الحسين بن عليّ بن زكريّا، الحسن بن عليّ بن مهزيار، الحسين بن محمّد بن عامر، حميد بن زياد، وغيرهم، وهذا يدلّ على أنّ المؤلّف هو، حيث قام بجمع الروايات التفسيريّة عن مشايخه. إضافةً إلى ذلك، فإنّ اسم عليّ بن حاتم قريبٌ في الكتابة من عليّ بن إبراهيم، ممّا يجعل احتماليّة وقوع التصحيف واردة.

3ـ الرأي الثالث: جهالة المؤلّف:

ذهب السيّد محمّد رضا السيستانيّ في [القبسات ج3 ص290] وغيره، إلى أنّ مؤلّف التفسير مجهول؛ استناداً إلى أمورٍ، منها: وجود أسماء رواةٍ معاصرين ومتأخّرين عن عليّ بن إبراهيم في أسانيد التفسير، ويُقدَّر عددهم بنحو 25 راوياً، ولم يعرف الراوي عنهم محدّداً.

ويبدو أنّ الأمر ينحصر بين هذين القولين الأخيرين، غير أنّ نسبة الكتاب إلى عليّ بن حاتم القزوينيّ تظلّ موضع إشكال؛ إذ لم يُذكر له كتاب تفسيرٍ في المصادر والفهارس.

أمّا القرائن التي استند إليها هذا الرأي، كاشتراك (15) راوياً من مشايخ مؤلّف الكتاب مع مشايخ عليّ بن حاتم، فإنّها لا تكفي لإثبات النسبة إليه قطعيّاً؛ لأنّ هذا الاشتراك يدلّ على كون المؤلّف من طبقة علي بن حاتم الزمنيّة، ولا يدلّ على كونه هو المؤلّف.

يُضاف إلى ذلك: وجود حوالي (10) مشايخ في الكتاب لم تُثبت رواية عليّ بن حاتم عنهم في المصادر الرجاليّة، ممّا يُضعف الاستدلال بالقرينة السابقة، فتبقى في دائرة الاحتمال.

فالأرجح أنّ الكتاب هو عملٌ جمعيٌّ قام به شخصٌ ثالثٌ غير معروف لحدّ الآن، حيث ضمَّ بين دفتيه رواياتٍ تفسيريةً من مصادر متعددة، من بينها تفسير عليّ بن إبراهيم، وتفسير أبي جارود، بالإضافة إلى روايات رواةٍ متأخّرين.

ومع ذلك، فإنّ هذه الجهالة في نسبة التفسير لا تؤثّر على أصل الروايات التي يحتويها الكتاب؛ إذ يمكن تقييمها وتحليلها بالاستناد إلى المعايير الرجاليّة المعتمدة، ومن جهةٍ أخرى، عند مقارنة الروايات الموجودة في هذا التفسير مع ما نُقل عن تفسير علي بن إبراهيم في كتب القدماء مثل (مجمع البيان) للطبرسيّ، نجد تشابهاً كبيراً في النصوص والمضامين، ممّا يعزز احتمالية أنّ جزءاً كبيراً من محتوى هذا التفسير يعود بالفعل إلى عليّ بن إبراهيم.

إضافةً إلى ذلك، يمكن التعرّف على الروايات المنقولة عن علي بن إبراهيم داخل الكتاب من خلال أسانيدها، حيث تمتاز بالوضوح والتسلسل، مما يسمح بتتبّع سلسلة الرواة وصولًا إليه، وهذا يُسهّل التمييز بين الروايات التي تُنسب إليه مباشرةً وتلك التي أُضيفت من مصادر أخرى.

وبالتالي، وعلى الرغم من الإشكالات المتعلّقة بنسبة الكتاب كاملاً إلى عليّ بن إبراهيم، فإن الروايات الواردة فيه تبقى قابلةً للدراسة والتحليل العلميّ، سواء من حيث محتواها أو أسانيدها، خاصة عند مقارنتها بمصادر التفسير الموثوقة التي نقلت عنه، ويجمع هذا النهج بين التقييم الرجاليّ والمقارنة النصيّة، ممّا يجعل الكتاب مصدراً ذا قيمة، وإنْ كان لا يزال بحاجة إلى تحقيقٍ دقيقٍ لتحديد أصوله الحقيقية.

وللمزيد من البحث يمكن مراجعة: [قبسات في علم الرجال ج2 ص113، وج3 ص290] للسيّد محمّد رضا السيستانيّ، ومقدّمة كتاب [تفسير القميّ] من طبعة مؤسّسة إمام المهديّ (عليه السلام)، و[بحث في كتاب تفسير القميّ ص162] لبوران الميرزائيّ، و[تفسير القمّيّ بحث حول النسخة المتداولة] للشيخ أحمد سلمان، وغيرها.