خصائص السيدة خديجة (ع)

ما هي الخصائص التي امتازت بها مولاتنا أم المؤمنين السيّدة خديجة بنت خويلد (عليها السلام)؟

: الشيخ فاروق الجبوري

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

اعلم - أخي السائل الكريم - أنّ للسيّدة الطاهرة الجليلة خديجة الكبرى (عليها السلام) جملةً كبيرةً من الخصائص التي تفرّدت بها عن سائر نساء النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وسنورد لك هنا جملةً من تلك الخصائص:

الأولى: هي أولى أمّهات المؤمنين:

فقد تميّزت (عليها السلام) بأنّها الزوجة الأولى للنبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) ، وتميّز زواجهما بعدّة خصائص، منها: أنّها (عليها السلام) المرأة الوحيدة التي دام زواجها به (صلّى الله عليه وآله) خمسة وعشرين عاماً، حيث بدأ في العاشر من ربيع الأوّل قبل البعثة بخمسة عشر عاماً كما نصّ عليه الشيخ المفيد [ينظر: مسار الشيعة ص49] وبقيت معه بعد البعثة عشر سنين، حتّى كانت شهادتها في السنة العاشرة بعد البعثة أي قبل ثلاث سنين من الهجرة الشريفة [ينظر: السيرة الحلبيّة ج2 ص498، الصحيح من سيرة النبي (ص) ج3 ص258].

ومنها: أنّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله) لم يتزوّج عليها طيلة تلك المدّة، حيث وفّرت له كلّ سبل الحياة الزوجيّة الرساليّة التي يحتاجها الأنبياء (عليهم السلام)، فكانت امرأة نبيٍّ بكلّ ما تعنيه الكلمة من المعنى الدقيق، ولعلّها لو بقيت في الحياة لما تزوّج امرأةً غيرها قطّ.

الثانية: هي أوّل نساء العالمين إيماناً وتصديقاً برسول الله (ص):

فقد أجمع المسلمون قاطنة على أنّها أوّل النساء تصديقاً وإيماناً بالنبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وأنّ إيمانها كان من حين تلقّى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فيه الوحي عن ربّه للمرّة الأولى، ومع أنّ خديجة (عليها السلام) لم ترَ بعدُ شيئاً من معجزات الدعوة، إلّا أنّ شدّة معرفتها بشخص النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وما رأته عليه من سيماء الأنبياء، وما كان عليه من عظيم الأخلاق الفريدة كانت كلّها عوامل غرست إيماناً ثابتاً في قلبها؛ لذا لم تتردّد أو تشكّ في نبوّته ولو لحظةً واحدةً، في الوقت الذي كذّبته فيه قريش وسائر العرب.

وقد شهد لها النبيُّ (صلّى الله عليه وآله) بذلك في قوله لابنته فاطمة (عليها السلام) : «إنّ عليّاً أوّل مَن آمن بالله عزّ وجلّ ورسولِه من هذه الأمة، هو وخديجة أمّك، وأوّل من وازرني على ما جئتُ به » [أمالي الطوسيّ ص607]. وروى أحمد بسندٍ صحيحٍ عن عائشة قالت: «كان النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) إذا ذكر خديجة أثنى عليها وأحسن الثناء. قالت: فغرتُ يوماً فقلتُ: ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدقين، قد أبدلك الله عزّ وجلّ خيراً منها!

قال: ما أبدلني الله عزّ وجلّ خيراً منها، قد آمنت بي إذ كفر بيَ الناس، وصدقتني إذ كذّبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله عزّ وجلّ ولدها إذ حرمني أولاد النساء» [مسند أحمد ج41 ص356].

الثالثة: أنّها (ع) أوّل نساء العالمين بيعةً لأمير المؤمنين (ع):

روى السيّد ابن طاووس بإسناده إلى الإمام الكاظم عن أبيه الصادق (عليهما السلام) في كيفية إسلام عليٍّ وخديجة (عليهما السلام) قال: « ثمّ قال [أي النبيُّ]: يا خديجة، هذا عليٌّ مولاكِ ومولى المؤمنين، وإمامهم بعدي، قالت: صدقتَ يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، قد بايعتُهُ على ما قلت، أُشهِد الله وأُشهِدك بذلك، وكفى بالله شهيداً وعليماً» [الطرف ص118، الصراط المستقيم ج2 ص88].

الرابعة: جهادها في سبيل الله:

من الواضح لدى المسلمين وجوب الجهاد في سبيل الله عزّ وجلّ، كما أنّه تعالى قد فضّل المجاهدين على القاعدين، ولمّا كان الجهاد بالنفس مقصوراً في الشريعة على الرجال فقد عمدت مولاتنا خديجة (عليها السلام) إلى الجهاد بأموالها في سبيل الله تعالى فوضعتها كلّها تحت تصرّف رسول الله (صلّى الله عليه وآله) منذ إعلان زواجهما، فقد روى المجلسيُّ في البحار: «ثمّ إنّ خديجة قالت لعمّها ورقة: خذ هذه الأموال وسِرْ بها إلى محمّد (صلّى الله عليه وآله) وقل له: إنّ هذه جميعها هديةٌ له، وهي ملكه يتصرّف فيها كيف شاء، وقل له: إنّ مالي وعبيدي وجميع ما أملك وما هو تحت يدي فقد وهبته لمحمد (صلّى الله عليه وآله) إجلالاً وإعظاماً له، فوقف ورقة بين زمزم والمقام ونادى بأعلى صوته: يا معاشر العرب! إنّ خديجة تشهدكم على أنّها قد وهبت نفسها ومالها وعبيدها وخدمها وجميع ما ملكت يمينها والمواشي والصداق والهدايا لمحمدٍ (صلّى الله عليه وآله)، وجميع ما بَذل لها مقبول منه، وهو هدية منها إليه إجلالاً له وإعظاماً ورغبة فيه، فكونوا عليها من الشاهدين» [بحار الأنوار ج16 ص71]؛ ولذا اتّفق المفسرون من الفريقين في تفسير قوله تعالى: {وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} [الضحى: 8] على أنّه تعالى أغناه بمال خديجة (عليها السلام)، وهو المروي عن عليّ (عليه السلام) وابن عبّاس [ينظر: علل الشرائع ج1 ص130، مجمع البيان ج10 ص384، تفسير الثعلبي ج10 ص299، زاد المسير ج8 ص270].

الخامسة: في أنّ محبّتها فضيلة ورزق من الله تعالى:

فقد أخرج مسلم بن الحجّاج بإسناده عن عائشة قالت: «ما غرت على نساء النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) إلّا على خديجة، وإنّي لم أدركها.

قالت: وكان رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) إذا ذبح الشاة فيقول: أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة! قالت: فأغضبته يوماً فقلتُ: خديجة؟!

فقال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم): إنّي قد ‌رُزقت ‌حبّها» وعلّق عليه المحقق عبد الباقي بقوله: (رُزقت حبّها: فيه إشارة إلى أن حبّها فضيلةٌ حصلت) [صحيح مسلم ج4 ص1888].

السادسة: اكتسابها مرتبة الكمال البشريّ:

فلقد حظيت مولاتنا خديجة (عليها السلام) بمرتبةٍ كماليَّةٍ رفيعةٍ، الأمر الذي يجعلها تالية للمعصومين (عليهم السلام)، ويشهد لها بذلك: اصطفافها إلى جانب ابنتها الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء ومريم ابنة عمران (عليهما السلام) في بلوغها مرتبة الكمال البشريّ، فعن أبي موسى الأشعريّ قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم): «كمُل من الرّجال كثيرٌ، ولم يكمُل من النساء إلّا مريم، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد» [تفسير الطبريّ ج6 ص397، تفسير الثعلبيّ ج27 ص70].

السابعة: في أنّها أفضل نساء أهل الجنّة:

فقد أخرج أحمد والنسائيّ والحاكم وغيرهم بإسنادٍ صحيحٍ إلى ابن عباس قال: «خطّ رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) في الأرض أربع خطوط، ثمّ قال هل تدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم): أفضل نساء أهل الجنّة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران » [مسند أحمد ج4 ص409 ، سنن النسائيّ ج7 ص389، المستدرك ج3 ص174]. قال الحاكم: (هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه بهذا اللفظ)، ووافقه الحافظ الذهبيّ، وقال ابن حجر: (وعند النسائيّ بإسنادٍ صحيح عن ابن عبّاس..) [فتح الباري ج6 ص340].

الثامنة: اصطفاء الله تعالى لها (عليها السلام):

حيث اختارها تعالى لتكون رحماً لمولاتنا فاطمة الزهراء (صلوات الله وسلامه عليها)، فقد روى العلّامة الشيخ عبد الله الحنفيّ والعلّامة شيخ الشيوخ شعيب أبو مدين عن بعض رواتهم قال: «إنّ خديجة الكبرى (عليها السّلام) تمنّت يوماً من الأيام على سيّد الأنام أن تنظر إلى بعض فاكهة دار السلام. فجاء جبرئيل إلى المفضّل على الكونين بتفاحتين وقال: يا محمد! يقول لك من جعل لكلّ شيء قدراً: كُلْ واحدةً وأطعم الأخرى لخديجة الكبرى واغشها، فإنّي خالق منكما فاطمة الزهراء، ففعل المختار ما أشار به الأمين وأمره... » [ كتاب الرقائق (الأخوانيّات) ص250، الروض الفائق ص214].

التاسعة:أنّ الله تعالى يباهي بها الملائكة:

فقد روى ابن حاتم العامليّ: أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) لـمّا أمره الله تعالى باعتزال خديجة أربعين يوماً لكي تحمل بالزهراء (عليها السلام) بعث إليها بعمار بن ياسر وقال: «قل لها: يا خديجة! لا تظنّي أنّ انقطاعي عنك هجرة ولا قلى، ولكنّ ربّي عزّ وجلّ أمرني بذلك لينفذ أمره، فلا تظنّي يا خديجة إلّا خيراً، فإنّ الله عزّ وجلّ ليباهي بك كرام ملائكته كل يوم مراراً » [الدرّ النظيم ص452].

العاشرة: أنّها مفخرة المعصومين (ع):

فلقد كان المعصومون (عليهم أفضل الصلاة والسلام) يفتخرون بانتسابهم إليها، والروايات في ذلك كثيرة جداً.

منها: قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو على المنبر: «يا أيّها الناس، أَلا أُخبركم اليوم بخير الناس جدّاً وجدّةً؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: عليكم بالحسن والحسين فإنّ جدّهما رسول الله، وجدّتهما خديجة الكبرى بنت خويلد سيّدة نساء الجنّة» [بشارة المصطفى ص186].

ومنها: ما ورد عن أبي ثابت قال: «لما بُويع معاوية خطب فذكر عليّاً فنال منه ونال من الحسن، فقام الحسين ليردّ عليه، فأخذ الحسن بيده فأجلسه، ثمّ قام فقال: أيها الذاكر عليّاً، أنا الحسن وأبي عليّ وأنت معاوية وأبوك صخر، وأمّي فاطمة وأمّك هند، وجدّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وجدّك حرب، وجدّتي خديجة وجدّتك قُتيلة، فلعن الله أخملنا ذكراً، وألأمنا حسباً وشرّنا قدماً، وأقدمنا كفراً ونفاقاً. فقال طوائف مَن أهل المسجد: آمين.. » [الأغاني ص46، شرح نهج البلاغة للمعتزليّ ج16 ص46].

ومنها: ما في خطبة الإمام زين العابدين (عليه السلام) في مجلس يزيد حيث قال: «يا معشر الناس، فمَن عرفني فقد عرفني ومَن لم يعرفني فأنا أُعرّفه نفسي، أنا ابن مكّة ومنى، أنا ابن مروة والصفا، أنا ابن محمد المصطفى – إلى أن قال - أنا ابن عليٍّ المرتضى، أنا ابن فاطمة الزهرا، أنا ابن خديجة الكبرى..» [مناقب آل أبي طالب ج3 ص305].

الحادي عشر:أنّ الله تعالى يسلّم عليها:

فقد روى النسائيّ والحاكم عن أنس بن مالك قال: «جاء جبريل إلى النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) وعنده خديجة فقال: إنّ الله يُقرئ خديجة السلام، فقالت: إنّ الله هو السلام، وعلى جبريل السلام، وعليك السلام ورحمة الله وبركاته» وقال عنه الحاكم: (هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلم ولم يخرجاه) [فضائل الصحابة ص75، المستدرك ج3 ص186].

الثانية عشر: الجنّة تشتاق إليها:

ورد عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله): «اشتاقت الجنّة إلى أربع من النساء: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم -زوجة فرعون، وهي زوجة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في الجنّة -، وخديجة بنت خويلد زوجة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في الدنيا والآخرة، وفاطمة بنت محمد (صلّى الله عليه وآله)» [بحار الأنوار ج43 ص53].

الثالثة عشر: كونها (ع) أوّل شهيدةٍ لأهل البيت (ع):

لقد كانت مولاتنا خديجة الكبرى (عليها السلام) المرأة الأولى التي استشهدت من نساء البيت النبويّ على الإطلاق، وذلك بفعل الحصار الجائر الذي فرضته قريش على بني هاشم، كما أنّها الشهيدة الوحيدة من بين جميع نساء النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وقد أوضحنا ذلك مفصّلاً في جواب مستقل تحت عنوان: (خديجة الكبرى (ع) صدّيقة شهيدة) فليراجع.

الرابعة عشر: في كونها (ع) من المقرّبين السابقين:

فقد نقل الاسترباديّ عن أبي حمزة الثماليّ عن أبي جعفر (عليه السلام)، عن أبيه عليّ بن الحسين (عليهما السلام) عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنه) عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قال: «قوله تعالى‏: {وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ‏} قال: هو أشرف شرابٍ في الجنّة يشربه محّمد وآل محمّد، وهم المقرّبون‏ السابقون:‏ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعليّ بن أبي طالب والأئمة وفاطمة وخديجة صلوات الله عليهم وعلى ذريتهم الذين اتبعوهم بإيمان يتسنّم عليهم من أعالي دُورهم » [تأويل الآيات ج2 ص777].

الخامسة عشر: شفاعتها (ع):

فقد روى الحسن بن سليمان الحلّيّ عن بشر بن حبيب، عن أبي عبد الله (عليه السلام): أنّه سُئل عن قول الله عزّ وجلّ: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ}، ‏قال: «سور بين الجنّة و النار، قائم عليه محمد (صلّى الله عليه وآله) وعليٌّ والحسن والحسين وفاطمة وخديجة (عليهم السلام) فينادون: أين محبونا أين شيعتنا؟ فيقبلون إليهم فيعرفونهم بأسمائهم وأسماء آبائهم، وذلك قوله تعالى‏: {يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ}‏ فيأخذون بأيديهم فيجوزون بهم الصراط ويدخلونهم الجنّة» [مختصر بصائر الدرجات ص53].

ختاماً هذا ما وفّقنا الله لتحريره من فضائلها وخصائصها (عليها السلام)، والحمد لله ربّ العالمين.