موقف الشيعة من سعد بن عبادة
ما موقف الشيعة من الصحابي سعد بن عبادة؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
اختلف علماء الإماميّة في حال الصحابي سعد بن عبادة، وإليك بعض كلماتهم:
قال الشيخ الكشيّ: (ذكر يونس بن عبد الرحمن في بعض كتبه: أنّه كان لسعد بن عبادة ستة أولاد كلهم قد نصر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وفيهم قيس بن سعد بن عبادة، وكان قيس أحد العشرة الذين لحقهم النبيُّ (صلى الله عليه وآله) من العصر الأول... وسعد لم يزل سيّدا في الجاهليّة والاسلام، وأبوه وجدُّه وجدُّ جدِّه لم يزل فيهم الشرف، وكان سعد يجير فيجار ذلك له لسؤدده، ولم يزل هو وأبوه أصحاب إطعامٍ في الجاهلية والإسلام، وقيس ابنه بعد على مثل ذلك) [اختيار معرفة الرجال ج1 ص367].
وقال السيّد علي خان المدنيّ: (سعد بن عبادة بن دلهم ابن حارثة بن أبي حزينة بن تغلبه بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصاريّ: كان سيد الخزرج وكبيرهم، يكنَّى أبا ثابت وأبا قيس، من أعاظم الصحابة، وهو أحد النقباء، شهد العقبة مع السبعين والمشاهد كلها، ما خلا بدراً فإنه تهيأ للخروج فلدغ فأقام... ولم يزل سعد سيّداً في الجاهليّة والإسلام، وأبوه وجدّه وجدّ جدّه لم يزل فيهم الشرف) [الدرجات الرفيعة ص325].
وأوضح السيّد علي خان المدنيّ الخلافَ حول الموقف من سعد بن عبادة فقال:
)وقد اختلف أصحابنا (رض) في شأنه:
فعدّه بعضهم من المقبولين. واعتُذِرَ عن دعواه الخلافة: بما رُوي عنه أنّه قال: لو بايعوا علياً (عليه السلام) لكنتُ أوّل مَن بايع. وبما رواه محمّد بن جرير الطبريّ عن أبي علقمة قال: قلتُ لسعد بن عبادة - وقد مال الناس لبيعة أبي بكر -: تدخل فيما دخل فيه المسلمون، قال: إليك عنّي، فو الله لقد سمعتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إذا أنا متّ تضلّ الأهواء ويرجع الناس على أعقابهم، فالحقّ يومئذٍ مع عليّ (عليه السلام) وكتاب الله بيده، لا نبايع لأحد غيره>
فقلت له: هل سمع هذا الخبر غيرك من رسول الله؟ فقال: معه ناس في قلوبهم أحقاد وضغائن. قلت: بل نازعتك نفسك أن يكون هذا الأمر لك دون الناس كلّهم، فحلف أنّه لم يهم بها ولم يردها وأنّهم لو بايعوا عليّاً (عليه السلام) كان أوّل مَن بايع سعد.
وزعم بعضهم: أنّ سعداً لم يدّعِ الخلافة، ولكن لمّا اجتمعت قريش على أبي بكر يبايعونه، قالت لهم الأنصار: أما إذا خالفتم أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) في وصيّه وخليفته وابن عمّه، فلستم أولى منّا بهذا الأمر، فبايعوا مَن شئتم، ونحن معاشر الأنصار نبايع سعد بن عبادة، فلما سمع سعد ذلك قال: لا والله، لا أبيع ديني بدنياي، ولا أبدل الكفر بالإيمان، ولا أكون خصماً لله ورسوله، ولم يقبل ما اجتمعت عليه الأنصار، فلما سمعت الأنصار قول سعد سكتت، وقوي أمر أبى بكر.
وقال آخرون: دعوى سعد الخلافة أمر كاد أن يبلغ أو بلغ حدّ التواتر، وكتبُ السير ناطقةٌ بأنّ الأنصار هم الذين سبقوا المهاجرين إلى دعوى الخلافة، فلم يتمّ لهم الأمر، وما زعمه بعضُهم خلاف المشهور) [الدرجات الرفيعة ص326].
والذي يظهر من بعد فحص الأدلة: أنّ سعد بن عبادة لم يكن بعد موت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بصفّ أهل البيت (عليهم السلام)، وذلك لأمورٍ عديدة أوجزها فيما يأتي:
الأوّل: أن طلبه الخلافة في سقيفة بني ساعد ممّا ثبت في كتب التاريخ. فدعواه الخلافة أمر كاد يبلغ أو بلغ حدّ التواتر – كما مرّ –، جاء في كتاب سليم بن قيس قول البراء بن عازب: «فجعلت أتردّد وأرمق وجوه الناس، وقد خلا الهاشميون برسول الله (صلى الله عليه وآله) لغسله وتحنيطه، وقد بلغني الذي كان من قول سعد بن عبادة ومن اتبعه من جهلة أصحابه» [كتاب سليم بن قيس ص139].
قال الشيخ المفيد -مؤكّداً ترشّحه للخلافة -: (ويضم إليه: ما كان من سعد بن عبادة، وهو سيّد الأنصار ومن السابقين الأوّلين، ونقباء رسول الله (صلى الله عليه وآله) في السقيفة، ترشح للخلافة، ودعا أصحابه إليه، وما راموه من البيعة له على الإمامة حتى غلبهم المهاجرون على الأمر، فلم يزل مخالفا لأبي بكر وعمر، ممتنعاً عن بيعتهما في أهل بيته وولده وأشياعه إلى أنْ قتل بالشام على خلافهما ومباينتهما. وإذا جاز من بعض السابقين دفع الحق في الإمامة، واعتقاد الباطل فيها..) [المسائل العكبرية ص67].
وقال: (ما كان أيضاً من سعد بن عبادة وطلبه الأمر خطأ، بلا خلاف...) [مسألتان في النص على علي (ع) ص32] .
وقال الطبريّ - حاكياً على لسان عمر بعض مجريات السقيفة -: (فأتيناهم وهم مجتمعون في سقيفة بنى ساعدة، قال: وإذا بين أظهرهم رجل مزمل قال: قلت: مَن هذا؟ قالوا: سعد بن عبادة... فارتفعت الأصوات وكثر اللغط، فلما أشفقت الاختلاف قلت لأبي بكر: ابسط يدك أبايعك، فبسط يده فبايعته، وبايعه المهاجرون، وبايعه الأنصار، ثم نزونا على سعد حتّى قال قائلهم: قتلتم سعد بن عبادة، فقلت: قتل الله سعداً...) [تاريخ الطبريّ ج2 ص446ـ447].
وقال ابن الأثير: (وفى هذا الحديث قصة ولما توفى النبي صلى الله عليه وسلم طمع في الخلافة وجلس في سقيفة بنى ساعدة ليبايع لنفسه فجاء إليه أبو بكر وعمر فبايع الناس أبا بكر وعدلوا عن سعد فلم يبايع سعد أبا بكر ولا عمر وسار إلى الشام فأقام به بحوران إلى أن مات سنة خمس عشرة وقيل سنة أربع عشرة وقيل مات سنة إحدى عشرة ولم يختلفوا انه وجد ميتا على مغتسله) [أسد الغابة ج2 ص 284].
قال السيد علي خان الشيرازيّ: (وممّا يدلّ دلالة صريحة على أنّ سعداً طلب الخلافة لنفسه: ما رواه أبو بكر الجوهريّ في كتاب السقيفة، قال: حدّثني أبو الحسن عليّ بن سليمان النوفليّ قال: سمعت أبي يقول: ذكر سعد بن عبادة عليّاً (عليه السلام) بعد يوم السقيفة، فذكر أمراً من أمره - نسيه أبو الحسن - يوجب ولايته، فقال له ابنه قيس بن سعد: أنت سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول هذا الكلام في علي بن أبي طالب ثمّ تطلب الخلافة، ويقول أصحابك منا أمير ومنكم أمير؟! لا كلمتك والله من رأسي بعد هذا كلمة ابداً) [الدرجات الرفيعة ص333].
ومن الواضح أنّ ترشيح سعد نفسه للخلافة وعدم ثنيه الأنصار عن طلبهم الزعامة هو تعدٍّ واضح على حقّ الإمام علي (عليه السلام)، حتى قال الأمير (عليه السلام): «أوّل مَن جرّأ الناس علينا سعد بن عبادة، فتح باباً ولجه غيرُه، وأضرم ناراً كان لهبها عليه، وضوؤها لأعدائه) [شرح نهج البلاغة ج20 ص308ـ309]
الثاني: رجح الشيخ عبد الله المامقانيّ استقامة سعد، فقال: (وقد عنونه الوحيد (رحمه اللّه) وقال: في المجالس ما يظهر منه جلالته، وأنّه ما كان يريد الخلافة لنفسه بل لعلي (عليه السلام). انتهى. وأقول: يؤيد ما ذكره - من كونه مريداً للخلافة لأمير المؤمنين (عليه السلام) لا لنفسه -: ما نقل عن محمّد بن جرير الطبريّ الشافعيّ في مؤلّفه عن أبي علقمة، قال: قلت لابن عبادة - وقد مال الناس إلى بيعة أبي بكر: ألا تدخل فيما دخل فيه المسلمون؟ قال: إليك عنّي، فو اللّه لقد سمعت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) يقول: «إذا أنا متّ تضلّ الأهواء، ويرجع الناس إلى أعقابهم، فالحقّ يومئذٍ مع علي (ع)، وكتاب اللّه بيده »، لا نبايع أحداً غيره. فقلت له: هل سمع هذا الخبر أحد غيرك من رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله)؟ فقال: أناس في قلوبهم أحقاد وضغائن، قلت: بلى نازعتك نفسك أن يكون هذا الأمر لك دون الناس، فحلف أنّه لم يهمّ بها ولم يردها، وأنّهم لو بايعوا عليّاً (عليه السلام) كان أوّل من بايعه. ولكن ينافي ذلك: ما رواه في محكيّ روضة الصفا مرسلاً عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من أنّ: « أوّل مَن جرّأ الناس علينا سعد بن عبادة، فتح باباً ولجه غيره، وأضرم ناراً كان لهبها عليه، وضوؤها لأعدائه ». إلّا أنّ الأوّل أرجح) [تنقيح المقال ج30 ص338ـ339].
يُلاحظ: أن ترجيح الشيخ المامقاني الرأي الأول كان اعتماداً على روايات عاميةّ، لا تصمد أمام ما روي من طرق أهل البيت (عليه السلام).
الثالث: لو كان سعد مستقيماً وكان طلبه الخلافة لإلهاء قريش حتّى يأتي الإمام عليّ (عليه السلام) السقيفة، لأرسل يعلمه ذلك ويعجّل في حضوره، ولانضمّ لاحقاً إلى شيعته مدافعاً عن عليّ (عليه السلام) وأهل البيت (عليهم السلام)، لكنّه اعتزل الجميع حتّى ذهب إلى الشام فتمّ اغتياله هناك.
الرابع: قال الشيخ محمّد رضا المامقانيّ - في تعليقه على تنقيح المقال -: (حصيلة البحث: أنّ المرء يحار في تقييم المترجم له، فإنّ مواقفه في زمن النبيّ (صلّى اللّه عليه وآله وسلّم) وخصاله الحسنة، واختصاصه بالنبيّ وخدماته له (صلّى اللّه عليه وآله وسلّم) توجب الحكم عليه بالوثاقة. ولكنّ موقفه في قصّة الخلافة، وترشيح نفسه لها يوجب الريب فيه، خصوصاً عدم بيعته بعد السقيفة لأمير المؤمنين (عليه السلام). نعم، لو ثبت أنّ امتناعه من البيعة وترشيح نفسه لها كان تمهيداً لتسليمها لمن ولّاه اللّه ورسوله لها أمير المؤمنين (عليه السلام) كان محكوماً بالوثاقة والجلالة، وحيث إنّي لم أستطع الجزم به فأنا فيه من المتوقفين) [تنقيح المقال في علم الرجال، ج30 ص346 (الهامش)].
الخامس: لا ينبغي التوقّف في أمر سعد بعد عدم ذكر أهل البيت (عليهم السلام) له ضمن الثابتين المناصرين لحق أهل البيت (عليهم السلام). وهذه مجموعة رواياتٍ واضحة الدلالة على تخلّف سعد عن الأمير (عليه السلام) وعدم رجوعه إليه وخذلانه له وإنْ لم تسمّه باسمه.
1ـ روى الشيخ الكلينيّ عن عبد الرحيم القصير قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إن الناس يفزعون إذا قلنا: إن الناس ارتدّوا، فقال: يا عبد الرحيم، إنّ الناس عادوا بعد ما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) أهل جاهلية، إنّ الأنصار اعتزلت فلم تعتزل بخير جعلوا يبايعون سعداً وهم يرتجزون ارتجاز الجاهلية، يا سعد أنت المرجاء وشعرك المرجل وفحلك المرجم» [الكافي ج8 ص320].
2ـ نقل السيّد ابن طاوس من كتاب الرسائل للشيخ الكلينيّ علي بن إبراهيم بإسناده قال: «كتب أمير المؤمنين (عليه السلام) كتاباً بعد منصرفه من النهروان، وأمر أن يُقرأ على الناس، وذلك أن الناس سألوه عن أبي بكر وعمر وعثمان... ولقد قبض الله محمّداً نبيّه (صلى الله عليه وآله) ولأنا أولى الناس به منّي بقميصي هذا، وما ألقي في روعي ولا عرض في رأيي، أن وجه الناس إلى غيري، فلما أبطأ عني بالولاية لهممهم وتثبيط الأنصار وهم أنصار الله وكتيبة الاسلام قالوا: ما إذا لم تسلموها لعليّ فصاحبنا أحقّ لها من غيره، فو الله ما أدري إلى مَن أشكو إما أن يكون الأنصار ظلمت حقها، وإما أن يكونوا ظلموني حقي، بل حقي المأخوذ وأنا المظلوم» [كشف المحجة ص173ـ176].
أقول: إنْ كان في إسناد هاتين الروايتين كلام، فهناك رواياتٌ أخرى فيها المعتبر، لا تذكر سعداً ضمن المناصرين لأهل البيت (عليه السلام)، وهذا يعني خذلانه لهم (عليهم السلام):
منها: ما رواه الشيخ الكلينيّ بسند حسن عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «كان الناس أهل ردَّةٍ بعد النبي (صلى الله عليه وآله) إلا ثلاثة. فقلت: ومَن الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاريّ، وسلمان الفارسيّ، رحمة الله وبركاته عليهم، ثم عرَف أناسٌ بعدَ يسير. وقال: هؤلاء الذين دارت عليهم الرحى وأبوا أن يبايعوا، حتى جاؤوا بأمير المؤمنين مكرَهاً فبايع، وذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ﴾» [الكافي ج8 ص213-214].
كما يلاحظ فسعد لم يكن من الثابتين المناصرين لأهل البيت (عليهم السلام)، وإلّا لذكره الإمام (عليه السلام) مع من ذكرهم. والارتداد في هذه الرواية وغيرها هو ارتدادٌ عن ولاية أهل البيت، لا الارتداد الاصطلاحيّ كما هو مبحوثٌ في محلّه، وفي الصحيحين وغيرهما من كتب الجمهور رواياتٌ كثيرة في ارتداد الصحابة ليس هنا موضع ذكرها وبحثها.
ومنها: ما رواه الكلينيُّ عن حمران بن أعين قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): جعلت فداك، ما أقلَّنا، لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها؟ فقال: ألا أحدّثك بأعجب من ذلك؟ المهاجرون والأنصار ذهبوا إلّا ـ وأشار بيده ـ ثلاثة. قال حمران: فقلت: جعلت فداك، ما حال عمار؟ قال: رحم الله عماراً أبا اليقظان، بايع وقُتل شهيداً، فقلت في نفسي: ما شيء أفضل من الشهادة. فنظر إلي فقال: لعلك ترى أنه مثل الثلاثة؟ أيهات، أيهات» [الكافي ج2 ص244].
ومنها: ما رواه الشيخ الكشي عن أبي بكر الحضرميّ، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): « ارتدّ الناس إلا ثلاثة نفر سلمان وأبو ذر والمقداد، قال: قلت فعمار؟ قال: قد كان جاض جيضة ثم رجع ثم أناب الناس بعد، فكان أول مَن أناب أبو سنان الأنصاريّ وأبو عمرة وشتيرة وكانوا سبعة، فلم يكن يعرف حق أمير المؤمنين (عليه السلام) إلّا هؤلاء السبعة) [اختيار معرفة الرجال ج1 ص47].
أقول: وهذه الرواية -التي تشهد لها روايات عديدة وتقوّيها - ليس فيها ذكر لسعد ورجوعه فيمن رجعوا إلى الإمام عليّ (عليه السلام)، ولو كان رجع لاشتهر أمره في حديث أهل البيت (عليهم السلام)، ولذكروه بالاسم؛ لأنّه زعيم قومه. أمّا تخلفه عن بيعة أبي بكر فليس في هذا دلالة على استقامته، خاصّة بعد ثبوت ترشيح نفسه للخلافة وخذلانه أمير المؤمنين (عليه السلام) وعدم توبته من ذلك.
اترك تعليق