موقف الشيخ المفيد من مالك بن نويرة
سمعنا كثيرا من خطباء الشيعة يلومون خالداً لقتله مالك بن نويرة، لكن لا ملام اذا عرفنا ان الشيخ المفيد حكم - في كتابه "الإفصاح" - على بن نويرة بالردة عن الاسلام.
الجواب
يشير السائل في سؤاله إلى قول الشيخ المفيد (رحمه الله): (ولو كانت الصحبة أيضا مانعةً من الخطأ في الدين والآثام لكانت مانعةً لمالك بن نويرة، وهو صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الصدقات، ومن تبعه من وجوه المسلمين من الردة عن الإسلام) [الإفصاح ص41].
وكلام الشيخ المفيد جاء ضمن ردّه على المخالفين، إذِ المعروف عن الشيخ المفيد - في هذا الموضع وغيره - أنّه يذكر شبه المخالفين ويجيب عنها في كتبه، لِيُلزمهم بما التزموا به كما هي عادته، والكلام الذي قاله بحق مالك بن نويرة صدر من الشيخ ضمن هذا السياق، وهو مخاطبة القوم بما يؤمنون به من عدالة الصحابة وفضلهم ونحو ذلك، مع إلزامهم بذلك، ومنه قولهم: بردّة مالك بن نويرة.
فقد صدر كلام الشيخ بعد افتراض التسليم للخصم حيث قال: (فلو سلّمنا لك دعواك لمن ادعيتَ الفضل لهم على ما تمنيت، لم يمنع مما ذكرناه؛ لأنَّه لا يوجب لهم العصمة من الضلال... ولو كانت الصحبة أيضا مانعةً من الخطأ في الدين والآثام لكانت مانعةً لمالك بن نويرة، وهو صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الصدقات ومن تبعه من وجوه المسلمين من الردة عن الإسلام) [الإفصاح ص40] .
فالشيخ المفيد - إذنْ - لا يقول بردّة مالك بن نويرة، وإنّما ساق كلامه من باب المجاراة مع المخالفين فيما يلتزمون به تجاه الصحابة.
ويدلّ على ذلك: قوله في كتاب الإفصاح نفسه مخاطباُ المخالفين: (قيل لهم: انفصلوا ممّن قلب القصة عليكم، فحكم على محاربي أمير المؤمنين (عليه السلام) في حروبه، واستحلال دماء المؤمنين من أصحابه، ومنعه الزكاة وإنكار حقوقه بالعناد، وحكم على مانعي أبي بكر الزكاة بالشبهة والغلط في التأويل، وهذا أولى بالحق والصواب؛ لأَّن أهل اليمامة لم يجحدوا فرض الزكاة، وإنما أنكروا فرض حملها إلى أبي بكر) [الإفصاح ص121].
وكما ترى، فإنّ كلامه واضحٌ في عدم ردّتهم.
ثـمّ إنّ تلامذة الشيخ المفيد صرّحوا بعدم ردّة مالك:
قال الشريف المرتضى: (أما صنع خالدٍ في قتل مالك بن نويرة واستباحة ماله وزوجته لنسبته إلى الردّة التي لم تظهر- بل كان الظاهر خلافها من الإسلام- فعظيمٌ، ويجري مجراه في العظم تغافل من تغافل عن أمره) [الشافي في الامامة ج4 ص162] .
وقال الشيخ الطوسيّ: (ومن الطعون عليه: توليته خالد بن الوليد ورضاؤه عن جرائمه التي ارتكبها من قتله مالكا وبنائه بزوجته، ومعارضة عمر له في ذلك، ومما طعنوا به عليه أنَّه ولَّى خالد بن الوليد، وأنفذه، وأنَّ خالداً قتل مالك بن نويرة - وهو على ظاهر الاسلام - وضاجع امرأته من ليلته، وترك إقامة الحد عليه) [تلخيص الشافي ج3 ص188] .
وقال الكراجكيّ: (واحتجوا في تسميتهم خالد بن الوليد بخبرٍ رووه عن قتادة أنّه لما فعل خالد بن الوليد بأهل اليمامة ما فعل، وبذل فيهم السيف والقتل، وقتل مالك بن نويرة - وهو مؤمنٌ - ظلماً، ووطئ امرأته من ليلته..) [التعجب ص108] .
فهذا هو رأي تلاميذ المفيد الذين نهلوا من نبع علمه، وهو رأي سائر أعلام الإماميَّة عبر العصور، قال العلامة الحليُّ: (ولما قبض النبيُّ وأنفذه أبو بكر لقتال أهل اليمامة، قتل منهم ألفاً ومائتي نفسٍ مع تظاهرهم بالإسلام، وقتل مالك بن نويرة صبراً وهو مسلم، وعرَّس بامرأته) [منهاج الكرامة ص 80].
مع العلم أنّ الأخبار من طرق الجمهور تشهد بإسلام مالك، حيث شهد بإسلامه بعض الصحابة، منكرين على خالد فعلته؛ ولأنّ السؤال كان عن قول الشيخ المفيد فلا أطيل بإثبات إسلام الرجل من طرق الجمهور.
اترك تعليق