إمامة الإمام الباقر(عليه السلام)

ما هو الدليل على إمامة الإمام أبي جعفر محمَّد بن علي الباقر (عليه السلام)؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

ذكرنا في جوابٍ سابقٍ تحت عنوان (تواتر النصوص على الأئمّة الاثني عشر) أنَّ الأخبار الدالَّة على إمامة الأئمَّة الاثني (عليهم السلام) قد تجاوزت حدَّ التواتر المفيد للعلم واليقين، وقد أشرنا إلى ذكر جملةٍ كبيرةٍ من كتب الأعلام والمحققين الناقلة لتلك الأخبار، ممَّا تجعل الباحث المنصِف على درجةٍ عاليةٍ من التصديق والاطمئنان بذلك.

إذا اتَّضح هذا فنقول: إنَّ الأخبار الدالَّة على إمامة الإمام الباقر(عليه السلام) على أقسامٍ عدَّةٍ يتجاوز مجموعها رتبة التواتر المفيد للعلم واليقين- كما سيتَّضح- وقد رتّبنا الأخبار على ثلاثة أقسام:

القسم الأوَّل: النصوص العامَّة، وهي ما روي عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) في حقِّ الأئمَّة الاثني عشر(عليهم السلام) جميعاً، ومنهم الإمام الباقر (عليه السلام)، وهي كثيرةٌ أيضاً نذكر بعضاً منها.

1ـ ما رواه شيخنا الجوهريُّ (طاب ثراه) بسنده عن زاذان، عن سلمان قال: (دخلتُ على رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يوماً فلمَّا نظر إليَّ قال: يا سلمانُ! إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) لم يبعث نبيَّاً ولا رسولاً إلَّا جعل له اثني عشر نقيباً...إلى قوله: قال: يا سلمانُ! خلقني الله من صفوة نوره، ودعاني فأطعته، وخلق من نوري نور عليٍّ (عليه السلام) فدعاه إلى طاعته فأطاعه، وخلق من نوري ونور علي فاطمة فدعاها فأطاعته، وخلق منِّي ومن عليٍّ وفاطمة الحسن والحسين، فدعاهما فأطاعاه، فسمَّانا الله (عزَّ وجلَّ) بخمسة أسماءٍ من أسمائه، فالله المحمود وأنا محمَّد، والله العليُّ وهذا عليٌّ، والله فاطرٌ وهذه فاطمة، والله ذو الإحسان وهذا الحسن، والله المحسن وهذا الحسين، ثمَّ خلق منَّا ومن نور الحسين تسعة أئمَّة، فدعاهم فأطاعوا قبل أنْ يخلق الله (عزَّ وجلَّ) سماءً مبنيَّةً، وأرضاً مدحيَّةً، أو هواءً أو ماءً أو ملكاً أو بشراً، وكنَّا بعلمه أنواراً نسبّحه...فقلتُ: يا رسول الله! فأنَّى لي لجنابهم؟ قال: قد عرفتَ إلى الحسين، قال: ثمَّ سيِّد العابدين علي بن الحسين، ثمَّ ولده محمَّد بن علي باقر علم الأوَّلين والآخرين من النبييّن والمرسلين، ثمَّ جعفر بن محمَّد لسان الله الصادق، ثمَّ موسى بن جعفر الكاظم غيظه صبراً في الله، ثمَّ علي بن موسى الرضا لأمر الله، ثم محمَّد بن علي الجواد المختار من خلق الله، ثمَّ علي بن محمَّد الهادي إلى الله، ثمَّ الحسن بن علي الصامت الأمين على دين الله العسكريّ، ثمَّ ابنه حُجَّة الله فلان ـ سمَّاه باسمه ـ ابن الحسن المهديّ، الناطق القائم بحق الله...الحديث) [مقتضب الأثر ص40].

2ـ وما رواه شيخنا الخزَّاز (طاب ثراه) بسنده عن ابن عبَّاس قال: (قدم يهوديٌّ على رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) يقال له نعثل فقال: يا محمَّدُ! إنّي أسألك عن أشياء تلجلج في صدري منذ حين، فإنْ أنت أجبتني عنها أسلمتُ على يدك.

قال: سلْ يا أبا عمارة.

فقال: يامحمد!...فأخبرني عن وصيّك من هو؟ فما من نبيٍّ إلَّا وله وصيّ، وإنَّ نبينَّا موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون.

فقال: نعم، إنَّ وصيي والخليفة من بعدي عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وبعده سبطاي الحسن والحسين، تتلوه تسعةٌ من صلب الحسين، أئمَّة أبرار. قال: يا محمَّد فسمِّهم لي؟ قال: نعم، إذا مضى الحسين فابنه عليُّ، فإذا مضى عليٌّ فابنه محمَّد، فإذا مضى محمَّد فابنه جعفر، فإذا مضى جعفر فابنه موسى، فإذا مضى موسى فابنه عليٌّ، فإذا مضى عليٌّ فابنه محمَّد، فإذا مضى محمَّد فابنه عليٌّ، فإذا مضى عليٌّ فابنه الحسن، فإذا مضى الحسن فبعده ابنه الحجَّة بن الحسن بن علي (عليهم السلام). فهذه اثنا عشر إماماً على عدد نقباء بني إسرائيل... الحديث) [كفاية الأثر ص65].

3ـ وما رواه أيضاً (طاب ثراه) بسنده عن طاووس اليمانيِّ، عن عبد الله بن العبَّاس قال: (دخلتُ على النبيِّ (صلَّى الله عليه وآله) والحسن على عاتقه والحسين على فخذه يلثمهما ويقبِّلهما ويقول: اللَّهم والِ من والاهما وعادِ من عادهما...قلتُ: يا رسول الله! فكم الأئمَّة بعدك؟

قال: بعدد حواري عيسى وأسباط موسى ونقباء بني إسرائيل.

قلتُ: يا رسول الله! فكم كانوا؟

قال: كانوا اثني عشر، والأئمَّة بعدي اثنا عشر، أوَّلهم علي بن أبي طالب، وبعده سبطاي الحسن والحسين، فإذا انقضى الحسين فابنه علي، فإذا انقضى علي فابنه محمَّد، فإذا انقضى محمَّد فابنه جعفر، فإذا انقضى جعفر فابنه موسى، فإذا انقضى موسى فابنه علي، فإذا انقضى علي فابنه محمَّد، فإذا انقضى محمَّد فابنه علي، فإذا انقضى علي فابنه الحسن، فإذا انقضى الحسن فابنه الحجَّة.

قال ابن عبَّاس: قلتُ: يا رسول الله أسامي لم أسمع بهنَّ قط. قال لي: يا بن عبَّاس! هم الأئمَّة بعدي وإنْ قهروا، أمناء معصومون، نجباء أخيار، يا بن عبَّاس! من أتى يوم القيامة عارفاً بحقِّهم أخذتُ بيده فأدخله الجنة، يا بن عبَّاس! من أنكرهم أو ردَّ واحداً منهم فكأنَّما قد أنكرني وردَّني، ومن أنكرني وردَّني فكأنما أنكر الله وردَّه...الحديث) [كفاية الأثر ص71]. إلى غيرها من الروايات الكثيرة الواردة في هذا المعنى، كما لا يخفى على المطالِع.

القسم الثاني: النصوص الخاصَّة، وهي ما رُوي من نصِّ آبائه أو أبيه الإمام زين العابدين (عليه السلام) عليه بالخصوص، نذكر جملة منها:

1ـ ما رواه شيخنا الصدوق (طاب ثراه) بسنده عن أبي خالد الكابليِّ قال: (دخلتُ على سيِّدي عليِّ بن الحسين زين العابدين (عليهما السلام) فقلتُ له: يا ابن رسول الله! أخبرني بالذين فرض الله (عزَّ وجلَّ) طاعتهم ومودتهم، وأوجب على عباده الاقتداء بهم بعد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)؟

فقال لي: يا كنكر! إنَّ أولي الأمر الذين جعلهم الله (عزَّ وجلَّ) أئمَّة للناس وأوجب عليهم طاعتهم...إلى قوله: فقلتُ له: يا سيدي، روي لنا عن أمير المؤمنين عليٍّ (عليه السلام) أنَّ الأرض لا تخلو من حُجَّةٍ لله (عزَّ وجلَّ) على عباده، فمن الحجَّة والإمام بعدك؟ قال: ابني جعفر، واسمه في التوراة باقر، يبقر العلم بقراً، هو الحجَّة والإمام بعدي، ومن بعد محمَّد ابنه جعفر، واسمه عند أهل السماء الصادق...الحديث) [كمال الدين وتمام النعمة ج1 ص٣٤٧].

2ـ وما رواه شيخنا الخزَّاز (طاب ثراه) بسنده عن عليّ بن الحسن بن علي بن عمر بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، قال: (كان يقول (صلوات الله عليه): ادعوا لي ابني الباقر، وقلتُ لابني الباقر، يعني محمَّداً. فقلت له: يا أبه ولم سمَّيته الباقر؟ قال: فتبسَّم، وما رأيته تبسَّم قبل ذلك، ثمَّ سجد لله تعالى طويلاً فسمعتُهُ يقول في سجوده: اللَّهم لك الحمد سيدي على ما أنعمت به علينا أهل البيت. يُعيد ذلك مراراً ثمَّ قال: يا بُني إنَّ الإمامة في ولده إلى أنْ يقوم قائمنا (عليه السلام) فيملأها قسطاً وعدلاً، وأنَّه الإمام، أبو الأئمَّة، معدن الحلم، وموضع العلم، يبقره بقراً، والله لهو أشبه الناس برسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم). قلتُ: فكم الأئمَّة بعده؟ قال: سبعة، ومنهم المهدي الذي يقوم بالدين في آخر الزمان) [كفاية الأثر ص237].

3ـ وما رواه أيضاً (طاب ثراه) بسنده عن محمَّد بن عبيد الله الفزاريّ، عن الحسين بن علي بن الحسين، قال: (سأل رجلٌ أبي (عليه السلام) عن الأئمَّة؟ قال: اثنا عشر، سبعةٌ من صلب هذا، ووضع يده على كتف أخي محمَّد) [كفاية الأثر ص239].

4ـ وما رواه أيضاً (طاب ثراه) بسنده عن عثمان بن عثمان بن خالد، عن أبيه، قال: (مرض عليُّ بن الحسين (عليه السلام) مرضه الذي توفي فيه، فجمع أولاده: محمَّد، والحسن، وعبد الله، وعمر، وزيد، والحسين، وأوصى إلى ابنه محمَّد. وكنَّاه بالباقر، وجعل أمرهم إليه، وكان فيما وعظه في وصيته أنْ قال: يا بني إنَّ العقل رائد الروح، والعلم رائد العقل، والعقل ترجمان العلم...الحديث) [كفاية الأثر ص239].

5ـ وما رواه أيضاً (طاب ثراه) بسنده عن مالك بن أعين الجهني، قال: (أوصى عليُّ بن الحسين (عليه السلام) ابنه محمَّد بن علي (صلوات الله عليهما) فقال: يا بنيَّ! إنّي جعلتك خليفتي من بعدي، لا يدَّعي فيما بيني وبينك أحد إلَّا قلَّده الله يوم القيامة طوقاً من نار، فأحمد الله على ذلك واشكره...الحديث) [كفاية الأثر ص240].

6ـ وما رواه أيضاً (طاب ثراه) بسنده عن معمر، عن الزهريّ قال: (دخلتُ على عليِّ بن الحسين (عليهما السلام) في المرض الذي توفي فيه، إذ قُدِّم إليه طبق فيه الخبز والهندبا، فقال لي: كله. فقلتُ: قد أكلتُ يا ابن رسول الله! قال: إنه الهندبا...ثمَّ دخل عليه محمَّد ابنه فحدَّثه طويلاً بالسر، فسمعتُه يقول فيما يقول: عليك بحسن الخلق. قلتُ: يا ابن رسول الله! من الأمر من الله ما لابدَّ لنا منه، ووقع في نفسي أنَّه قد نعى نفسه، فإلى من نختلف بعدك؟ قال: يا أبا عبد الله، إلى ابني هذا، وأشار إلى محمَّد ابنه، إنه وصيّ، ووارثيّ، وعيبة علمي، ومعدن العلم، وباقر العلم. قلتُ: يا ابن رسول الله، ما معنى باقر العلم؟ قال: سوف يختلف إليه خلاص شيعتي، ويبقر العلم عليهم بقراً...الحديث) [كفاية الأثر ص241]. إلى غيرها من الروايات الواردة في هذا المعنى.

القسم الثالث: المعاجز والكرامات، وهي النصوص التي تتضمَّن نقل (المعاجز والكرامات) التي صدرت من الإمام الباقر (عليه السلام) والتي تكشف عن كونه حُجةً لله تعالى وإماماً للخلق، نذكر بعضاً منها:

1ـ ما رواه شيخنا الصفَّار (طاب ثراه) بسنده عن عمر بن حنظلة قال: (قلت لأبي جعفر (عليه السلام) إني أظنُّ أنَّ لي عندك منزلة، قال: أجل، قال: قلت: فإنَّ لي إليك حاجة، قال: وما هي؟ قال: قلت: تعلمني الاسم الأعظم، قال: وتطيقه؟ قلت: نعم. قال: فادخل البيت. قال: فدخل البيت فوضع أبو جعفر يده على الأرض فاظلم البيت، فأرعدتْ فرائص عمر، فقال: ما تقول أعلمك؟ فقال: لا. قال: فرفع يده فرجع البيت كما كان) [بصائر الدرجات ص230].

2ـ وما رواه أيضاً (طاب ثراه) بسنده عن عبد الله بن عطا المكِّي قال (اشتقتُ إلى أبي جعفر (عليه السلام) وأنا بمكَّة، فقدمتُ المدينة وما قدمتها إلَّا شوقاً إليه، فأصابني تلك الليلة مطرٌ وبردٌ شديدٌ، فانتهيت إلى بابه نصف الليل، فقلت: ما أطرقه هذه الساعة وانتظر حتَّى أصبح؟ وإني لأفكِّر في ذلك إذ سمعتُه يقول: يا جارية، افتحي الباب لابن عطا، فقد أصابه في هذه الليلة بردٌ وأذى، قال: فجاءت ففتحت الباب، فدخلتُ عليه (عليه السلام)) [بصائر الدرجات ص272].

3ـ وما رواه شيخنا الكلينيُّ (طاب ثراه) بسنده عن أبي بصير قال: (دخلتُ على أبي جعفر (عليه السلام) فقلتُ له: أنتم ورثة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)؟ قال: نعم.

قلت: رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وارث الأنبياء، علم كما علموا؟ قال لي: نعم.

قلت: فأنتم تقدرون على أنْ تحيوا الموتى وتبرؤا الأكمه والأبرص؟ قال: نعم بإذن الله، ثمَّ قال لي: ادنُ مني يا أبا محمَّد، فدنوتُ منه فمسح على وجهي وعلى عيني، فأبصرتُ الشمس والسماء والأرض والبيوت وكلَّ شيءٍ في البلد. ثمَّ قال لي: أتحبُّ أنْ تكون هكذا ولك ما للناس وعليك ما عليهم يوم القيامة، أو تعود كما كنت ولك الجنَّة خالصاً؟ قلتُ: أعود كما كنت، فمسح على عيني فعدتُ كما كنت، قال: فحدَّثت ابن أبي عمير بهذا، فقال أشهد أنَّ هذا حقٌّ كما أنَّ النهار حق) [أصول الكافي ج1 ص470].

4ـ وما رواه شيخنا الصدوق (طاب ثراه) عن الحسين بن زيد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (سمعتُه يقول: يخرج رجلٌ من ولد موسى اسمه اسم أمير المؤمنين (عليه السلام)، فيدفن في أرض طوس، وهي من خراسان، يُقتل فيها بالسم، فيدفن فيها غريباً، فمن زاره عارفاً بحقِّه أعطاه الله (عزَّ وجلَّ) أجر من أنفق من قبل الفتح وقاتل) [كتاب من لا يحضره الفقيه ج2ص٥٨٣].

5ـ وما رواه أيضاً (طاب ثراه) عن محمَّد بن مسلم الثقفيّ الطحَّان قال: (دخلتُ على أبي جعفر محمَّد بن علي الباقر (عليهما السلام) وأنا أريد أنْ أسأله عن القائم من آل محمَّد (صلَّى الله ع ليه وعليهم)، فقال لي مبتدئاً: يا محمَّد بن مسلم! إنَّ في القائم من آل محمَّد (صلَّى الله عليه وآله) شبهاً من خمسةٍ من الرسل: يونس بن متى، ويوسف بن يعقوب، وموسى، وعيسى، ومحمَّد، صلوات الله عليهم...الحديث) [كمال الدين ج1 ص ٣٥٥]. إلى غيرها من الروايات الواردة في هذا المعنى.

فتحصَّل من جميع ذلك، أنَّ الروايات الدالَّة على إمامة الإمام الباقر (عليه السلام) قد تجاوزت حدَّ التواتر المفيد للعلم واليقين.

والنتيجة من كلِّ ما تقدَّم، أنَّ هذه النصوص ـ وغيرها ـ من أوضح الدلائل على إمامة الإمام الباقر (عليه السلام)..والحمد لله ربِّ العالمين.