إمامة الإمام الهادي (عليه السلام)

ما هو الدليل على إمامة الإمام علي بن محمَّد الهادي (عليه السلام)؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

ذكرنا في جوابٍ سابقٍ تحت عنوان (تواتر النصوص على الأئمّة الاثني عشر) أنَّ الأخبار الدالَّة على إمامة الأئمَّة الاثني (عليهم السلام) قد تجاوزت حدَّ التواتر المفيد للعلم واليقين، وقد أشرنا إلى ذكر جملةٍ كبيرةٍ من كتب الأعلام والمحققين الناقلة لتلك الأخبار ممَّا تجعل الباحث المنصِف على درجةٍ عاليةٍ من التصديق والاطمئنان بذلك.

إذا اتَّضح هذا فنقول: إنَّ الأخبار الدالَّة على إمامة الإمام الهادي (عليه السلام) على أقسامٍ عدَّةٍ يتجاوز مجموعها رتبة التواتر المفيد للعلم واليقين، كما سيتَّضح، وقد جعلت الأخبار على ثلاثة أقسام:

القسم الأوَّل: النصوص العامَّة، وهي ما روي عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) في حقِّ الأئمَّة الاثني عشر(عليهم السلام) جميعاً، ومنهم الإمام الهادي (عليه السلام)، وهي كثيرةٌ أيضاً نذكر بعضاً منها.

1ـ ما رواه شيخنا الخزَّاز (طاب ثراه) بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي قال: (سمعتُ جابر بن عبد الله الأنصاريّ يقول: لما أنزل الله (تبارك وتعالى) على نبيه:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء:59]، قلتُ: يا رسول الله، قد عرفنا الله ورسوله، فمن أولو الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟ فقال (صلَّى الله عليه وآله): خلفائي وأئمَّة المسلمين بعدي، أوَّلهم علي بن أبي طالب، ثمَّ الحسن، ثمَّ الحسين، ثمَّ علي بن الحسين، ثمَّ محمَّد بن علي المعروف في التوراة بالباقر، وستدركه يا جابر، فإذا لقيته فاقرأه مني السلام، ثمَّ الصادق جعفر بن محمَّد، ثمَّ موسى بن جعفر، ثمَّ علي بن موسى، ثمَّ محمَّد بن علي، ثمَّ علي بن محمَّد، ثمَّ الحسن بن علي، ثمَّ سمي وكني حجة الله في أرضه، وبقيته في عباده، ابن الحسن بن علي، ذاك الذي يفتح الله (تعالى ذكره) على يده مشارق الأرض ومغاربها...الحديث) [كفاية الأثر ص115].

2ـ وما رواه (طاب ثراه) أيضاً بسنده عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ قال: (قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) للحسين بن علي (عليهما السلام): يا حسين، يخرج من صُلبك تسعة من الأئمَّة، منهم مهدي هذه الأمَّة، فإذا اُستشهد أبوك فالحسن بعده، فإذا سُم الحسن فأنت، فإذا اُستشهدت فعليٌّ ابنك، فإذا مضى عليٌّ فمحمَّد ابنه، فإذا مضى محمَّد فجعفر ابنه، فإذا مضى جعفر فموسى ابنه، فإذا مضى موسى فعليٌّ ابنه، فإذا مضى علي فمحمَّد ابنه، فإذا مضى محمَّد فعليٌ ابنه، فإذا مضى علي فالحسن ابنه، ثمَّ الحجة بعد الحسن، يملأ الأرض قِسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً) [كفاية الأثر ص124].

3ـ ما رواه شيخنا ابن شاذان القمِّي (طاب ثراه) بسنده عن عبد الله بن عمر بن الخطَّاب قال: (قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) لعلي بن أبي طالب (عليه السلام): يا علي، أنا نذير أمَّتي، وأنت هاديها، والحسن قائدها، الحسين سائقها، وعلي بن الحسين جامعها، ومحمَّد بن علي عارفها، وجعفر بن محمَّد كاتبها، وموسى بن جعفر محصيها، وعلي بن موسى معبِّرها ومنجيها وطارد مبغضيها ومدني مؤمنيها، ومحمَّد بن علي قائمها وسائقها، وعلي بن محمَّد سايرها وعالمها، والحسن بن علي مناديها ومعطيها، والقائم الخلف ساقيها ومناشدها ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ﴾ [الحجر:75] يا عبد الله) [مائة منقبة ص28]. إلى غيرها من الروايات الكثيرة الواردة في هذا المعنى.

القسم الثاني: النصوص الخاصَّة، وهي ما رُوي من نصِّ آبائه أو أبيه الإمام الجواد (عليه السلام) عليه بالخصوص، نذكر جملةً منها:

1ـ ما رواه شيخنا الكليني (طاب ثراه) بسندٍ صحيحٍ عن إسماعيل بن مهران قال: (لما خرج أبو جعفر (عليه السلام) من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأولى من خرجتيه، قلتُ له عند خروجه: جعلتُ فداك، إني أخاف عليك في هذا الوجه، فإلى من الأمر بعدك؟ فكرَّ بوجهه إليَّ ضاحكاً وقال: ليس الغيبة حيث ظننتَ في هذه السنة. فلمَّا أُخرج به الثانية إلى المعتصم صرتُ إليه فقلت له: جعلتُ فداك، أنت خارجٌ فإلى من هذا الأمر من بعدك؟ فبكى حتَّى اخضلَّت لحيته، ثمَّ التفت إليَّ فقال: عند هذه يخاف عليَّ، الأمر من بعدي إلى ابني علي) [أصول الكافي ج1 ص323].

2ـ وما رواه (طاب ثراه) أيضاً بسنده عن الخيرانيّ، عن أبيه أنه قال: (كان يلزم باب أبي جعفر (عليه السلام) للخدمة التي كان وكِّل بها، وكان أحمد بن محمَّد بن عيسى يجيئ في السحر في كلِّ ليلة ليعرف خبر علَّة أبي جعفر (عليه السلام)...إلى قوله: فقال الرسول لأبي: إنَّ مولاك يقرأ عليك السلام ويقول لك: إنّي ماضٍ والأمر صائرٌ إلى ابني علي، وله عليكم بعدي ما كان لي عليكم بعد أبي...الحديث) [أصول الكافي ج1 ص324].

3ـ وما رواه شيخنا النعمانيُّ (طاب ثراه) بسنده عن أميَّة بن علي القيسيّ قال: (قلتُ لأبي جعفر محمَّد بن علي الرضا (عليهما السلام): من الخلف بعدك؟ فقال: ابني علي، وابنا علي، ثمَّ أطرق مليَّاً، ثمَّ رفع رأسه، ثمَّ قال: إنها ستكون حيرة!

قلتُ: فإذا كان ذلك فإلى أين؟ فسكت، ثمَّ قال: لا أين ـ حتَّى قالها ثلاثاً ـ فأعدتُ عليه، فقال: إلى المدينة.

فقلتُ: أي المدن؟

فقال: مدينتنا هذه، وهل مدينة غيرها؟

وقال أحمد بن هلال: أخبرني محمَّد بن إسماعيل بن بزيع أنه حضر أميَّة بن علي القيسيّ وهو يسأل أبا جعفر (عليه السلام) عن ذلك، فأجابه بهذا الجواب) [الغيبة ص ١٨٩].

4ـ وما رواه شيخنا الصدوق (طاب ثراه) بسنده عن الصقر ابن أبي دلف قال: (سمعتُ أبا جعفر محمَّد بن علي الرضا (عليهما السلام) يقول: إنَّ الإمام بعدي ابني علي، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمام بعده ابنه الحسن، أمره أمر أبيه، وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه، ثمَّ سكت. فقلتُ له: يا ابن رسول الله، فمن الامام بعد الحسن؟ فبكى (عليه السلام) بكاءً شديداً، ثمَّ قال: إنَّ من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر...الحديث) [كمال الدين وتمام النعمة ج1 ص ٤٠٦].

5ـ وما رواه شيخنا الخزَّاز (طاب ثراه) بسنده عن علقمة بن محمَّد الحضرمي عن الصادق (عليه السلام) قال: (الأئمَّة اثنا عشر. قلتُ: يا بن رسول الله، فسمِّهم لي؟ قال: من الماضين علي بن أبي طالب، والحسن، والحسين، وعلي ابن الحسين، ومحمَّد بن علي، ثمَّ أنا. قلتُ: فمن بعدك يا بن رسول الله؟ قال: إني قد أوصيتُ إلى ولدي موسى، وهو الإمام بعدي. قلتُ: فمن بعد موسى؟ قال: عليٌّ ابنه يدعى بالرضا يُدفن في أرض الغربة من خراسان، ثمَّ بعد عليٍّ ابنه محمَّد، وبعد محمَّد ابنه عليٌّ، وبعد عليٍّ الحسنُ ابنه، والمهديُّ من ولد الحسن... الحديث) [كفاية الأثر ص376].

6ـ وما رواه (طاب ثراه) أيضاً بسنده عن عبد السلام ابن صالح الهرويّ، قال: (سمعتُ دعبل بن عليٍّ الخزاعيَّ (رحمة الله عليه) يقول: أنشدتُ مولاي علي بن موسى (عليه السلام) قصيدتي...إلى قوله: فقال: يا دعبل، الإمام بعدي محمَّد ابني، وبعد محمَّد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجَّة القائم المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره، لو لم يبقَ من الدنيا إلَّا يومٌ واحد لطوَّل الله له ذلك اليوم حتَّى يخرج، فيملأها عدلاً كما ملئت جوراً...الحديث) [كفاية الأثر ص388].

7ـ وما قاله شيخنا النباطيُّ (طاب ثراه) ونصُّه: (وبالأسانيد الصحيحة أنَّ أبا جعفر قال في مرضه الذي توفي فيه: إني ماضٍ والأمر صائرٌ إلى ابني علي، وله عليكم بعدي ما كان لي عليكم بعد أبي) [الصراط المستقيم ج2 ص168].

8ـ وما جاء في كتاب إثبات الوصية بالإسناد عن محمَّد بن إسماعيل بن بزيع قال: (قال لي أبو جعفر (عليه السلام) يفضي هذا الأمر إلى أبي الحسن وهو ابن سبع سنين، ثمَّ قال: نعم وأقل من سبع سنين كما كان عيسى (عليه السلام)) [إثبات الوصيَّة ص٢٢٩]. إلى غيرها من الروايات الواردة في هذا المعنى.

القسم الثالث: المعاجز والكرامات:

وهي النصوص التي تتضمَّن نقل (المعاجز والكرامات) التي صدرت من الإمام الهادي (عليه السلام) والتي تكشف عن كونه حُجة لله تعالى وإماماً للخلق، كما لا يخفى. نذكر بعضاً منها:

1ـ ما رواه شيخنا الكلينيُّ (طاب ثراه) بسنده عن صالح بن سعيد قال: (دخلت على أبي الحسن (عليه السلام) فقلت له: جعلت فداك، في كلِّ الأمور أرادوا إطفاء نورك والتقصير بك، حتَّى أنزلوك هذا الخان الأشنع، خان الصعاليك؟!

فقال: ههنا أنت يا ابن سعيد؟! ثمَّ أومأ بيده وقال: انظر، فنظرت، فإذا أنا بروضاتٍ آنقاتٍ، وروضاتٍ باسراتٍ، فيهنَّ خيراتٌ عطراتٌ، وولدانٌ كأنهنَّ اللؤلؤ المكنون، وأطيارٌ، وظباءٌ، وأنهارٌ تفور، فحار بصري، وحسرت عيني. فقال: حيث كنا فهذا لنا عتيد، لسنا في خان الصعاليك) [أصول الكافي ج1 ص498].

2ـ وما رواه (طاب ثراه) أيضاً بسنده عن علي بن محمَّد النوفلي قال: (قال لي محمَّد بن الفرج: إنَّ أبا الحسن كتب إليه: يا محمَّد، أجمع أمرك وخذ حذرك.

قال: فأنا في جمع أمري وليس أدري ما كُتِبَ إليَّ، حتَّى ورد عليَّ رسول حملني من مصر مقيداً، وضرب على كلِّ ما أملك، وكنت في السجن ثمان سنين. ثمَّ ورد عليَّ منه في السجن كتاب فيه: يا محمَّد، لا تنزل في ناحية الجانب الغربي فقرأت الكتاب فقلت: يكتب إليَّ بهذا وأنا في السجن؟ إنَّ هذا لعجب! فما مكثت أنْ خُلِّي عنِّي والحمد لله) [أصول الكافي ج1 ص500].

3ـ وما رواه شيخنا الطوسيُّ (طاب ثراه) بسنده عن أبي (إسحاق بن عبد الله العلوي العريضيّ قال ـ وحكَّ في صدري ـ: ما الأيام التي تُصام؟ فقصدتُ مولانا أبا الحسن علي بن محمَّد (عليهما السلام) وهو بـ(صربا) ولم أبدِ ذلك لأحدٍ من خلق الله، فدخلتُ عليه، فلمَّا بصر بي قال (عليه السلام): يا أبا إسحاق، جئتَ تسألني عن الأيام التي يُصام فيهنَّ؟ وهي أربعة...إلى قوله: قلت: صدقتَ جعلتُ فداك، لذلك قصدت، أشهد أنَّك حُجَّة الله على خلقه) [تهذيب الأحكام ج4 ص305].

4ـ وما رواه شيخنا ابن حمزة الطوسيُّ (طاب ثراه) عن أبي هاشم الجعفريّ قال: (خرجت مع أبي الحسن (عليه السلام) إلى سرَّ من رأى نتلقَّى بعض القادمين فأبطأوا، فطُرح لأبي الحسن (عليه السلام) غاشيةُ السرج فجلس عليها، فنزلت عن دابتي وجلست بين يديه وهو يحدِّثني، فشكوت إليه قصور يدي، فأهوى بيده إلى رملٍ كان عليه جالساً، وناولني منه كفاً، وقال: اتَّسع بهذا يا أبا هاشم، واكتم ما رأيت.

فجئت به معي، ورجعنا فأبصرته فإذا هو يتَّقد كالنيران ذهباً أحمر. فدعوت صائغاً إلى منزلي، وقلت له: اسبِكْ لي هذا فسبكه وقال لي: ما رأيت ذهباً أجود منه، وهو كهيئة الرمل، فمن أين لك هذا، فما رأيتُ أعجب منه؟ قلت: هذا شيءٌ كان عندنا قديماً تدَّخره لنا عجائزنا على طول الأيام) [الثاقب في المناقب ص536].

5ـ وما رواه (طاب ثراه) أيضاً عن أبي الهيثم عبد الله بن عبد الرحمن الصالحيّ، قال: (إنَّ أبا هاشم الجعفري شكا إلى مولانا أبي الحسن (عليه السلام) ما يلقى من الشوق إليه إذا انحدر من عندنا إلى بغداد، فقال له: ادعُ الله تعالى يا سيدي، فإني لا أستطيع ركوب الماء خوف الاصعاد والابطاء عنك، فسرت إليك على الظهر ومالي مركوبٌ سوى برذوني هذا على ضعفه، فادع الله تعالى أنْ يقوِّيني على زيارتك على وجه الأرض فقال: قوَّاك الله يا أبا هاشم، وقوَّى برذونك. قال: فكان أبو هاشم يصلِّي الفجر ببغداد، ويسير على البرذون، فيدرك الزوال من يومه ذلك في عسكر سرَّ من رأى، ويعود من يومه إلى بغداد إذا سار على ذلك البرذون، وكان هذا من أعجب الدلائل التي شوهدت) [الثاقب في المناقب ص548]. إلى غيرها من الروايات الواردة في هذا المعنى.

فتحصَّل من جميع ذلك، أنَّ الروايات الدالَّة على إمامة الإمام الهادي (عليه السلام) قد تجاوزت حدَّ التواتر المفيد للعلم واليقين.

والنتيجة من كلِّ ما تقدَّم، أنَّ هذه النصوص ـ وغيرها ـ من أوضح الدلائل على إمامة الإمام الهادي (عليه السلام)..والحمد لله ربِّ العالمين.