هل جُرح الإمام السجَّاد في معركة كربلاء؟
السؤال: هناك بعض الروايات تشير إلى أنَّ مرض الإمام زين العابدين (عليه السلام) قد حصل من مشاركته في القتال، وأنَّه جُرح حتَّى ارتثَّ، فهل لهذه الروايات نصيبٌ من القبول؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
يُشير الأخ السائل إلى ما رواه الفُضيل بن الزبير الكوفيُّ الأسدُّي من أنَّ الإمام السجَّاد (عليه السلام) قد شارك في المعركة حتَّى (ارتثَّ) وبعدها نجَّاه الله تعالى.
قال ما نصُّه: (وكان علي بن الحسين (عليه السلام) عليلاً، وارتثَّ يومئذٍ، وقد حضر بعض القتال فدفع الله عنه، وأُخِذَ مع النساء هو ومحمَّد بن عمرو بن الحسن، والحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)) [تسمية من قتل مع الحسين ص28، الأمالي الخميسيَّة ج1 ص335].
وهذا النص صريحٌ في مشاركة الإمام السجَّاد (عليه السلام) وجرحه في معركة الطف حتَّى أخذ أسيراً، وبعدها فرَّج الله عنه، ولأجل ذلك يُمكننا تقسيم الأقوال في هذه المسألة إلى قولين أساسيين:
القول الأوَّل: مشاركة الإمام في المعركة.
وممن تبنى القول بمشاركة الإمام السجَّاد (عليه السلام) في المعركة ـ استناداً على هذا النص وغيره ـ السيِّد محمَّد رضا الجلاليّ، فقال: (لقد حضر الإمام السجَّاد علي بن الحسين، في معركة كربلاء، إلى جنب والده الإمام الحسين (عليه السلام)، وهذا ما تذكره كلُّ المصادر بلا استثناء. ويرد في مصادر الوقعة، اسم (علي بن الحسين) في بعض مقاطع رحلة الإمام الحسين (عليه السلام) في طريقه إلى الشهادة، وفي بعض الحديث بينه وبين ولده (علي). ولم يحدّد المقصود من (عليٍّ) هذا، هل هو السجَّاد (عليه السلام) أو أخوه (علي) الشهيد (عليه السلام)؟ وقد اشتهر أنّه هو الشهيد، لكنَّ ذلك غير مؤكَّد، فلعلَّ الذي ورد ذكره هو الإمام السجَّاد (عليه السلام). والدلالات النضاليَّة في هذا الحضور من وجوه ...) [جهاد الإمام السجَّاد ص42]. وذكر منها نص الفضيل المتقدِّم.
القول الثاني: عدم مشاركة الإمام في المعركة.
وفي قبال ذلك قد يُقال بأنَّ الثابت في المصادر الكثيرة أنَّ الإمام السجَّاد (عليه السلام) كان مريضاً في يوم عاشوراء، فكيف يتسنَّى له المشاركة في الحرب؟ ولذلك فلا يُمكن القبول بهذا النص، لمخالفته لما هو ثابتٌ جزماً.
من ذلك: ما رواه الشيخ المفيد عن حُميد بن مُسلم، وفيه: (ثمَّ انتهينا إلى علي بن الحسين (عليه السلام) وهو منبسطٌ على فراشٍ وهو شديد المرض، ومع شمر جماعةٌ من الرجالة، فقالوا له: ألا نقتل هذا العليل؟ فقلت: سبحان الله، أيقتل الصبيان؟ إنما هو صبيٌّ، وإنَّه لما به، فلم أزل حتَّى رددتهم عنه) [الإرشاد ج2 ص112].
وللمزيد يُمكن مراجعة: [مقتل الحسين لأبي مخنف ص203، تاريخ الطبريّ ج5 ص455، الكامل في التاريخ ج3 ص185، نهاية الأرب للنويريّ ج20 ص464]، وغيرها من المصادر الكثيرة.
بل الظاهر من بعض النصوص التصريح بعدم قتاله آنذاك، جرَّاء المرض الذي أصابه (عليه السلام).
قال ابن سعد: (وكان علي بن حسين مع أبيه ـ وهو ابن ثلاثٍ وعشرين سنة ـ وكان مريضاً نائماً على فراشه، فلما قتل الحسين (عليه السلام) قال شمر بن ذي الجوشن: اقتلوا هذا، فقال له رجلٌ من أصحابه: سبحان الله، أنقتل فتى حدثاً مريضاً لم يقاتل) [الطبقات الكبرى ج5 ص211].
وللمزيد يُمكن مراجعة: [تاريخ الطبريّ ج11 ص630، التمهيد ج9 ص157، المنتظم ج6 ص326، كشف الغمَّة ج3 ص36، حلية الأبرار ج3 ص332]، وغيرها من المصادر الكثيرة. وبناءً على ذلك، فلا يُمكن القبول بما رواه الفضيل بن الزبير الكوفيّ من مشاركة الإمام (عليه السلام) في معركة الطف.
والنتيجة النهائيَّة من كلِّ ذلك، أنَّ خبر مشاركة الإمام السجَّاد في المعركة وجرحه في ذلك اليوم قد قبله بعض المحققين، بينما خالفه الكثير من أرباب التاريخ كما بيَّنا .. والحمد لله ربِّ العالمين.
اترك تعليق