دَعوَى أنَّ النَّصْرَانِيَّةَ أحَدُ مَصَادِرِ القُرْآنِ.
الشّبهة/: زَعمَ بَعضُ المُستشرقينَ أنَّ النّصرانيّةَ كانَت أحدَ المصادرِ الّتي أخذَ منها محمّد وأدخلها في قرآنه، واستشهدوا على ذلك ببعضِ القصص وبعض القضايا الأخرى ومن القضايا التي ذكرها: قصّة أصحابِ الكهف، قصّة مريم عليها السلام، قصّة طفولةِ المسيح وما جاءَ من معجزاتٍ ذكرها القرآن، كلامهُ في المهد، صنعهُ من الطّين طير، قصة المائدة و نزولِ عيسى في آخر الزمان.
ذَكرنا سابقاً أنّ الهَدفَ الحقيقيّ للمستشرقينَ مِنْ وراءِ دراستِهم للشّرق وللإسلام وعُلومهِ ليسَ هوَ دراسةَ كافّة البُنى الثّقافيّة للشّرق مِنْ وِجهَةِ نَظرٍ غَربيّةٍ بل هَدفُهم الأساسيُّ هوَ الوقوفُ دونَ وصولِ الإسلامِ الحقيقيّ إلى الشّعوب النّصرانيّة فَمِنْ أجلِ تَحقيقِ هذا الهَدَفِ قامُوا بِبَثّ الأكاذيبِ و الإشاعاتِ وتَزييفِ الحَقائقِ فالمُستشرقونَ قَد تَمّ إعدادُهم لِيُهيّئوا الارضيّة المُناسبَة ويُمَهّدوا لغاراتٍ تَنصيريّة على القُرانِ والإسلام.
إلاّ أنّ المُتتبّعَ لما كَتبَهُ المُستشرقونَ يَجدُ بِوضوحٍ أنّ ما نَسبوهُ للقُرانِ والإسلام إنّما هيَ أكاذيبُ وأباطيلُ وقَد وقعَ الإختلافُ فيما بَينُهم فِمِنهُم مَنْ يَذكرُ أنّ القرانَ أخذَ قصّةَ أصحابِ الكَهفِ مِنَ المصادرِ المسيحيّة ومِنهُم مَنْ يَنفي أنْ تَكونَ هذهِ القِصّةُ مذكورةً في المصادرِ المَسيحيّة وكذلكَ في باقي ما إدّعَوه.
1- أمّا قولُهم أنّ قصّةَ أصحابِ الكَهفِ قَد أخذَها القُرانُ مِنَ النّصرانيّة فنقولُ: إنّ المفسّرينَ مُجمعونَ علی أنّ قصّة أصحابِ الكَهفِ كانتْ زمنَ دَقْيُوس إمبراطور الرّوم الّذي حكمَ بينَ 249ـ251 ميلاديّة، أو زمن دَقْيانُوس إمبراطورِ الرّوم الآخر الذي حَكمَ بينَ 285ـ 305 ميلاديّة والمسيحيّونَ أيضاً يدّعونَ ذلكَ فهذهِ القِصّةُ وَقعتْ بَعدَ صَلبِ المسيحِ بِزمنٍ طَويلٍ فكيفَ تَرِدُ في الإنجيل!
ويُؤيّدُ ما ذكرناهُ بوضوحٍ هوَ أنّ جملةً مِنَ المستشرقينَ صَرّحوا بأنّ هذهِ القِصّةَ لمْ تَرِدْ في المصادرِ المَسيحيّةِ إطلاقاً فقَد ذَكرَ أحدُ المُستشرقينَ وهوَ «تسدال» أنّ هذهِ القِصّةَ لمْ تَرِدْ في المَصادرِ النّصرانيّة الموثوقِ بها كما أنكرَ هذهِ القِصّةَ «ماسينيون» والمؤرّخ «ادوارد جيبون» في كِتابهِ (سقوطِ روما وانحطاطِها) وإعتَبروها من قبيلِ الخُرافة، بلْ كُلّ الوَقائعِ الّتي ذُكرَتْ وأدّعيَ أنّ القُرانَ أخذَها مِنَ المَصادرِ المَسيحيّةِ لم تُذكَرْ في المَصادرِ المَسيحيّةِ إطلاقاً وأنكرَها «تسدال» من أجلِ ذلك.
2- أمّا تَكلّمِ المَسيحِ (عَليه السّلامُ) في المَهدِ فقَد سكتَت أناجيلُ النّصارى عنْ ذكرِ ذلك.
3- أمّا صُنعهُ مِنَ الطّينِ طيراً فيَكونُ طيراً بإذن الله تعالى. فكذلكَ سَكتَتِ الأناجيلُ عَنْ ذِكرِ ذلكَ، نَعم وَردَ في (إنجيلِ الطّفولةِ ): (أنّ المسيحَ كانَ يُشكّلُ الطّيرَ مِنَ الطّينِ ويَنفخُ فيهِ فيَطيرُ بإذنٍ من رَبّه).
لكنّ هذا لا يُشَكّلُ دَليلاً لأنّ إنجيلَ الطّفولةِ العَربي (ويُعرَفُ أيضًاً بـإنجيلِ الطّفولةِ السّرياني) هوَ أحدُ أناجيلِ الطّفولة (الّتي تَتناولُ طُفولةَ يَسوعِ المَسيح) والّتي تَعتبرُها الكَنيسةُ أناجيلَ مَنحولة.
4- أمّا قِصّةُ المائدةِ الّتي أنزلها اللهُ مِنَ السّماءِ على المسيحِ عيسى (عليهِ السّلام) وأصحابهِ فليسَ لها ذِكرٌ في الإنجيلِ إطلاقاً. نَعم، هُنالكَ إشارةٌ الى صُنعِ مائدةٍ في إنجيلِ مَرقس و لُوقا ومتّى ولكنّها ليستْ مائدةً نازلةً مِنَ السّماءِ وإنّما هِيَ من إعدادِ عيسى وأصحابهِ فقد وردَ في إنجيل مرقس الاصحاح 14 (12 وَفِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ مِنَ الْفَطِيرِ. حِينَ كَانُوا يَذْبَحُونَ الْفِصْحَ، قَالَ لَهُ تَلاَمِيذُهُ: «أَيْنَ تُرِيدُ أَنْ نَمْضِيَ وَنُعِدَّ لِتَأْكُلَ الْفِصْحَ؟»).
5- أمّا عَدمُ صُلبِ المسيحِ (عليهِ السّلام) فلمْ تُذكَرْ إطلاقاً في الإنجيل وإنّما المَذكورُ أنّ المسيحَ صُلِبَ ولكنّهُ قامَ بعدَ ثلاثةِ أيّامٍ مِنْ بَينِ الأمواتِ فقد وردَ في سِفرِ أعمالِ الرّسُل، الإصحاحِ الرّابع:
(فليكُنْ مَعلوماً عندَ جَميعِكم وَجميعِ شَعبِ إسرائيل، أنّه بإسمِ يَسوعِ المَسيحِ النّاصريّ، الّذي صَلبتُموهُ أنتُم، الّذي أقامهُ اللهُ مِن الأموات، بذاكَ وَقفَ هذا أمامَكُم صَحيحاً) وحتّى لا يَطولَ المقامُ .
فالخلاصةُ: إنّ ما قالَهُ المُستشرقونَ إنّما هوَ مَحضُ أباطيلَ وإدّعاءاتٍ وتُرّهاتٍ وقد ذَكرنا الأهدافَ والغاياتِ الّتي دَعتهُم إلى ذلك.
ودُمتُم سالمين.
اترك تعليق