هل يُقتلُ إبليس ؟ ومَن يقتلُه ؟ 

: سيد حسن العلوي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:  

إنّ إبليسَ بعدَ أن لعنَهُ اللهُ وطردَه مِن ساحةِ رحمتِه ، طلبَ منَ اللهِ أن يُنظرَه إلى يومِ البعثِ ، فلم يُجِب طلبَه ، وإنّما أنظرَه إلى يومِ الوقتِ المعلومِ ، قالَ تعالى حاكياً : { قَالَ رَبِّ فَأَنظِرنِي إِلَى يَومِ يُبعَثُونَ ، قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ ، إِلَى يَومِ الوَقتِ المَعلُومِ } [الحجر 36 - 38] . 

فما هوَ يومُ الوقتِ المعلومِ ؟ وهل يُقتلُ إبليسُ أم يموت ؟ ومَن يقتلُه ؟  

في هذهِ المسألةِ رواياتٌ مُتعدّدة :  

الأولى : أنّ يومَ الوقتِ المعلومِ هوَ زمانُ ظهورِ الإمامِ المهديّ (عج) ، ويُقتلُ إبليسُ على يدِ الإمامِ الحُجّة (عج) :  

روى العيّاشيّ عَن وهبٍ بنِ جميع مولى إسحاقَ بنِ عمّار قالَ : سألتُ أبا عبدِ اللهِ عليهِ السّلام عَن قولِ إبليس : ( ربِّ فأنظِرني إلى يومِ يُبعثونَ قالَ فإنّكَ منَ المُنظرينَ إلى يومِ الوقتِ المعلومِ ) قالَ لهُ وهبُ : جُعلتُ فداكَ أيُّ يومٍ هو ؟ قالَ : يا وهبُ أتحسبُ أنّهُ يومَ يبعثُ اللهُ فيهِ النّاسَ ؟ إنَّ اللهَ أنظرَه إلى يومِ يُبعثُ فيهِ قائمُنا فإذا بعثَ اللهُ قائمَنا كانَ في مسجدِ الكوفةِ ، وجاءَ إبليسُ حتّى يجثو بينَ يديهِ على رُكبتيهِ فيقولُ : يا ويلَه مِن هذا اليومِ فيأخذُ بناصيتِه فيضرب عنقهُ فذلكَ اليومُ هوَ الوقتُ المعلومُ . (تفسيرُ العيّاشي : 2 / 242 ، ورواهُ إبنُ جرير في دلائلِ الإمامةِ مُسنَداً) . 

وفي إثباتِ الوصيّةِ: ورويَ عنِ العالمِ ... فغضبَ اللهُ عليهِ فسجدَ أربعةَ آلافِ سنةٍ سجدةً واحدةً ، فجعلَ اللهُ تلكَ السّجدةَ سبباً للإجابةِ للنّظرةِ إلى قيامِ صاحبِ الأمرِ (ع) وهوَ يومُ الوقتِ المعلومِ . (إثباتُ الوصيّةِ المنسوبِ للمسعوديّ ص19) 

 

الثانيةُ : يومُ رجوعِ أميرِ المؤمنينَ (ع) ، ويُقتَل على يدِه : 

روى نعيمٌ بنُ حمّاد – وهو مِن أبناءِ العامّةِ - بسندِه عنِ النّبيّ (ص) قالَ : خروجُ الدّابّةِ بعدَ طلوعِ الشّمسِ فإذا خرجَت قتلَت الدّابّةُ إبليسَ وهوَ ساجدٌ ويتمتّعُ المؤمنونَ في الأرضِ بعدَ ذلكَ أربعينَ سنةً لا يتمنّونَ شيئاً إلّا أُعطوهُ ووجدوهُ فلا جورَ ولا ظُلمَ وقد أسلمَ الأشياءُ لربِّ العالمينَ طوعاً وكرهاً والمؤمنونَ طوعاً والكُفّارُ كرهاً والسّبعُ والطّيرُ كرهاً حتّى أنَّ السّبعَ لا يؤذي دابّةً ولا طيراً ويلدُ المؤمنُ فلا يموتُ حتّى يتمَّ أربعينَ سنةً بعدَ خروجِ دابّةِ الأرضِ ثمَّ يعودُ فيهم الموتُ فيمكثونَ بذلكَ ما شاءَ الله ... (الفتنُ لنعيمٍ بنِ حماد ص402) .  

ودابّةُ الأرضِ هوَ أميرُ المؤمنينَ (ع) كما وردَ – مِن طُرقِ الفريقين - في تفسيرِ قولِه تعالى : { وَإِذَا وَقَعَ القَولُ عَلَيهِم أَخرَجنَا لَهُم دَابَّةً مِنَ الأَرضِ تُكَلِّمُهُم أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ } [النّمل 82] 

 

الثّالثةُ : أنّه يومُ رجوعِ أو نزولِ رسولِ الله (ص) إلى الدّنيا ، فيقتلُ إبليسَ : 

روى القُمّيُّ بسندِه عَن أبي عبدِ اللهِ ( ع ) في قولِ اللهِ تباركَ وتعالى ( فانظُرني إلى يومِ يبعثونَ قالَ فإنّكَ منَ المُنظرينَ إلى يومِ الوقتِ المعلومِ ) قالَ يومُ الوقتِ المعلومِ يومَ يذبحُه رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله على الصّخرةِ التي في بيتِ المقدس . (تفسيرُ القُمّي : 2 / 245) .

وروى الحسنُ بنُ سليمانَ بسندِه عَن عبدِ الكريمِ بنِ عمرو الخثعميّ قالَ سمعتُ أبا عبدِ اللهِ عليهِ السّلام يقولُ إنَّ إبليسَ قالَ أنظِرني إلى يومِ يُبعثونَ فأبى اللهُ ذلكَ عليه فقالَ إنّكَ منَ المُنظرينَ إلى يومِ الوقتِ المعلومِ فإذا كانَ يومُ الوقتِ المعلومِ ظهرَ إبليسُ لعنَه اللهُ في جميعِ أشياعِه منذُ خلقَ اللهُ آدمَ إلى يومِ الوقتِ المعلومِ وهيَ آخرُ كرّةٍ يكرُّها أميرُ المؤمنينَ عليهِ السّلام فقلتُ وإنّها لكرّاتٌ قالَ نعَم إنّها لكرّاتٌ وكرّاتٌ ما مِن إمامٍ في قرنٍ إلّا ويكرُّ البرُّ والفاجرُ في دهرِه حتّى يُديلَ اللهُ المؤمنَ الكافرَ فإذا كانَ يومُ الوقتِ المعلومِ كرَّ أميرُ المؤمنينَ (ع) في أصحابِه وجاءَ إبليسُ في أصحابِه ويكونُ ميقاتُهم في أرضٍ مِن أراضي الفراتِ يُقالُ لها الرّوحا قريبٌ مِن كوفتِكم فيقتلونَ قتالاً لم يقتتل مثله منذُ خلقَ اللهُ عزَّ وجلَّ العالمينَ فكأنّي أنظرُ إلى أصحابِ عليٍّ أميرِ المؤمنينَ قد رجعوا إلى خلفِهم القهقري مائةَ قدمٍ وكأنّي أنظرُ إليهم وقَد وقعَت بعضُ أرجلِهم في الفراتِ فعندَ ذلكَ يهبطُ الجبّارُ عزَّ وجلَّ في ظللٍ منَ الغمامِ والملائكةِ وقُضيَ الأمرُ ، رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله أمامُه بيدِه حربةٌ مِن نورٍ فإذا نظرَ إليهِ إبليسُ رجعَ القهقري ناكصاً على عقبيهِ فيقولونَ له أصحابُه أينَ تريدُ وقد ظفرتَ فيقولُ إنّي أرى مالا ترونَ إنّي أخافُ اللهَ ربَّ العالمينَ فيلحقُه النّبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وآله فيطعنُه طعنةً بينَ كتفيهِ فيكونُ هلاكُه وهلاكُ جميعِ أشياعِه فعندَ ذلكَ يُعبدُ اللهُ عزَّ وجلَّ ولا يُشركُ بهِ شيئاً ويملكُ أميرُ المؤمنينَ عليه السّلام أربعاً وأربعينَ ألفَ سنةٍ حتّى يلدَ الرّجلُ مِن شيعةِ عليٍّ عليهِ السّلام ألفَ ولدٍ مِن صُلبِه ذكراً في كلِّ سنةٍ ذكراً وعندَ ذلكَ تظهرُ الجنّتانِ المُدهامّتانِ عندَ مسجدِ الكوفةِ وما حولَه بما شاءَ الله . (مُختصرُ البصائر ص115 رقم 91) . 

 

سؤالٌ : أيُّ الرّواياتِ هيَ الصّحيحةُ في تفسيرِ يومِ الوقتِ المعلومِ ، ومَن يكونُ قاتلُه ؟

الجوابُ : لا تنافيَ بينَ هذهِ الرّواياتِ فإنّها تُحملُ على الرّجعةِ بمعنى : أنّ إبليسَ يُقتلُ على يدِ الإمامِ المهديّ (عج) في الكوفةِ ، ثمَّ بعدَ فترةٍ طويلةٍ يُرجعُه اللهُ إلى الحياةِ مرّةً أخرى فيعيشُ ويوسوسُ للنّاسِ إلى زمانِ خروجِ دابّةِ الأرضِ ورجوعِ أميرِ المؤمنينَ (ع) إلى دارِ الدّنيا ، فيقتلُه أميرُ المؤمنينَ (ع) ، كما صرّحَت روايةُ نعيمٍ بنِ حماد ، وهذهِ القتلةُ الثّانيةُ ، ثمَّ يبقى ما شاءَ اللهُ فيُرجعُه اللهُ تعالى إلى الحياةِ أيضاً فيعيشُ ما شاءَ اللهُ ، فيقتلُه رسولُ اللهِ (ص) في المرّةِ الثّالثة . 

ولعلَّ اللهَ يُرجعُه أيضاً إلى الحياةِ بعدَ قتلِ رسولِ اللهِ (ص) لهُ بفترةٍ طويلةٍ ، يعيشُ فيها إلى ما بينِ النّفختينِ كما روى الصّدوقُ بسندِه عنِ الإمامِ الصّادقِ (ع) قالَ : ويومُ الوقتِ المعلومِ يومَ يُنفخُ في الصّورِ نفخة واحدة فيموتُ إبليسُ ما بينَ النّفخةِ الأولى والثّانية . (عللُ الشّرائع 2 / 402) . 

ينظرُ : الرّجعةُ للشّيخِ محمّد السّند : 3 / 113 . 

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين .