كيف يُخبر القرآن بدخول آل فرعون أشدّ العذاب وقد كان فرعون عقيماً ولا ذرّيّة له..؟!.

السؤال: (( السلام عليكم ، الآية: {أَدخِلُوا آلَ فِرعَونَ أَشَدَّ العَذَابِ} ، إذا كان المقصود هنا ذرّيّة فرعون فمن أين له ذرّيّة وهو قد تبنّى النبي موسى..؟! ، وقد سُئل الإمام الصادق "عليه السلام" مَن ( الآل ) ؟ ، فقال: ذرّية محمّد "صلّى الله عليه وآله" ، فقيل له: من الأهل..؟ ، فقال: الأئمّة "عليهم السلام" ، فقيل له: قوله تعالى: {أَدخِلُوا آلَ فِرعَونَ أَشَدَّ العَذَابِ}..؟! ، قال: والله ما عنى إلّا ذرّيته) ، وما هو سبب إدخال ذريته العذاب الشّديد ، وقد ذُكر أنّ بنتَ فرعون ماشطةٌ كانت على خير..؟!.))

: الشيخ فاروق الجبوري

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم ، الأخ السائل ، السلام عليكم ، وبعد .. فإنّ سؤالكم مؤلّف من ثلاثة شقوق يتّضح جواب الثالث منها عن طريق مناقشة سابقيه؛ كما يلي:

أولاً: فيما يتعلّق بالشقّ الأوّل ، وهو الإشكال المرتبط بقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46]، يلاحظ عليه ما يلي:

1ـ لم يرد في آيات الذكر الحكيم، ولا في روايات أهل البيت "عليهم السلام" ، ولا في كلام عالم من علماء المذهب ما يفيد بأنّ فرعون كان عقيماً ولا ذرّيّة له ، بل أخبار الفريقين صريحة بأنّ له ابنة كانت تعتقد بربوبيّته ، فهي كافرة بدعوة موسى "عليه السلام" ، فمن تلك الأخبار – مثلاً – ما روي عن ابن عباس أنّ رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال: (( لما أُسري بي مَرَّتْ بي رائحةٌ طيبةٌ ، فقلت لجبرئيل: ما هذه الرائحة؟ قال: هذه ماشطة آل فرعون وأولادها كانت تمشّطها فوقعت المشطةُ من يدها فقالت: بسم الله، فقالت بنت فرعون: أبي..؟ ، فقالت: لا ، بل ربّي وربّك وربّ أبيك ، فقالت: لأُخبرَنَّ بذلك أبي، فقالت: نعم، فأخبرته فدعا بها وبوِلْدها وقال: مَن ربُّك؟ فقالت: إنّ ربّي وربَّك اللهُ ، فأمر بتنّور من نحاس فأحمي ، فدعا بها وبوِلدها، فقالت: إنّ لي إليكَ حاجةً ، قال: وما هي؟ قالت: تجمع عظامي وعظام وِلدي فتدفنها. قال: ذاك لك لِما لَك علينا مِن حقٍّ، فأمر بأولادها فأُلقوا واحداً واحداً في التنّور حتّى كان آخر وِلْدها وكان صبياً مرضعاً، فقال: اصبري يا أمّاه إنّك على الحقّ، فألقيت في التنّور مع وِلدها.)) [ بحار الأنوار:ج13،ص163 ، مسند أبي يعلى الموصلي:ج4،ص394 ، صحيح ابن حبّان:ج7،ص163 ، الأحاديث الطوال للطبراني:ص113 ، البداية والنهاية لابن كثير:ج1،ص386 وغيرهم الكثير]، وعن الحاكم بإسناده إلى أبي هريرة قال: "قال رسول الله صلّى الله عليه وآله لم يتكلّم في المهد إلّا ثلاثة: عيسى ابن مريم ، وشاهد يوسف وصاحب جريج، وابن ماشطة بنت فرعون"))[المستدرك للحاكم النيسابوري:ج2،ص595 ، وقال عنه: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه].

2ـ لم يرد في كتب التأريخ الإسلاميّة المعتبرة ما يؤكّد أنّ فرعون كان عقيماً وليست له ذرّيّة، وإنّما العكس هو المذكور كما رأيتم في المصادر المتقدّمة التي تتّفق معها في ذلك الكثير من الدراسات والأبحاث الأكاديميّة التي قام بها خبراء عرب وغربيّون متخصّصون في دراسة الآثار المصريّة وتاريخ الفراعنة. نعم، هنالك نظريّة قاصرة وغير دقيقة قال بها طبيب مختصّ بالأمراض النسائيّة ..! – يعني ليس من المختصّين بالمجال التاريخيّ ولا المجال الدينيّ - تفترض أنّ فرعون كان عقيماً ، [يلاحظ بحث: رؤية بحثية قرآنية لفرعون موسى، للدكتور علي أبو الخير]، ولكن من الواضح عدم إمكان تقديم مثل هذه النظريّات البائسة على ما ورد في القرآن الكريم وصريح الأخبار التي تقدّم بعضها وسيأتي بعض آخر؛ لأنّ معنى ذلك هو التكذيب بالوحي وبما أخبر به النبيّ وأهل بيته "صلوات الله عليهم أجمعين" ، وهذا ممّا يوجب الحكم بكفر الإنسان ما لم يكن تكذيبه عن شبهة عرضت له ، وهو - على أيّة حال - أمر لا يُتصوّر صدوره من إنسان مسلم.

3ـ ممّا ينبغي الالتفات إليه في المقام أنّه لو لم يكن هنالك صحّة لِما ذكره القرآن الكريم والأحاديث ذات العلاقة بالمقام لما أغفل اليهود المتربّصون بالإسلام مثل هذا الإشكال ، ولتمسّكوا به من عهد رسول الله "صلّى الله عليه وآله" حتى عصرنا الحالي جيلاً بعد جيل من أجل تكذيب القرآن وإبطال حجيّته..!.

4ـ وأمّا ما ذكرتموه من أمر تبنّي فرعون لموسى "عليه السلام" ، فليس دليلاً على العقم ؛ إذ لا ملازمة بين التبنّي الذي هو عُرف اجتماعيّ تسالم العقلاء عليه ، وبين العقم الذي هو خلل ونقص في الخلقة التكوينيّة ، فقد تبنّى رسول الله "صلّى الله عليه وآله" زيدَ بن حارثة حتّى كان الناس ينسبونه إليه فيقولون: "زيد بن محمد" ، وكان قد ولد له "صلّى الله عليه وآله" آنذاك عدّة أولاد، كما أنّه تولّى تربية أمير المؤمنين "عليه السلام" منذ صباه ، فهل كان ذلك دليلاً على ما ذكرتم..؟!.

ثانياً: وأمّا ما يتعلّق بالشقّ الثاني من سؤالكم وهو إيرادكم للرواية عن الإمام الصادق "ع"، ففيه:

بعد الرجوع إلى المصدر الأصلي للرواية ، وهو كتاب معاني الأخبار للشيخ الصدوق ، اتضح أنّه ساق الرواية بإسناده إلى محمّد بن سليمان الديلميّ ، عن أبيه قال : قلت لأبي عبد الله "عليه السلام" : جعلت فداك ، مَن الآل..؟ ، قال: ذرّيّته محمّد "صلّى الله عليه وآله". قال: فقلت: ومن الأهل..؟ ، قال: الأئمّة "عليهم السلام". فقلت: قوله عزَّ وجلَّ: {أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} ..؟! ، قال: والله ما عنى إلّا ابنته ))[معاني الأخبار:ص94] ، فلا يوجد فيه ولا في غيره من كتب الحديث المعتبرة وغير المعتبرة لفظ: ((والله ما عنى إلّا ذريّته؟؟)) .

نعم، في كتاب [مجمع البحرين للطريحيّ ج5، ص313] وردت هذه الرواية عن الإمام الصادق(ع) وفيها هذه العبارة: ((قال والله ما عنى إلّا ذرّيّته))، ولكنْ في هذا الموضع حصل تصحيفٌ في كلمة (ابنته)، إذْ صُحّفت إلى كلمة (ذرّيّته). وهذا الأمر معروف بين أهل العلم، إذْ إنّ التصحيف حاصل في مواضع كثيرة في كتب الحديث والفقه والأصول والتاريخ وغيرها. فالصواب في هذه الكلمة هو ما ورد في كتاب الصدوق (ره) المؤيّد بالأخبار المتقدّمة التي تؤكّد صحّة هذه الكلمة، خصوصاً أنّ الصدوق (ره) متقدّمٌ رتبةً على الطريحيّ الذي عداده من المتأخّرين.

ثالثا: يظهر أنّ السائل حصل له لبس في هذا المقام بين (الماشطة المسكينة) التي كانت امرأة صالحة وعلى خير وآمنت بدعوة موسى "عليه السلام"، وبين (ابنة فرعون) الكافرة بالله العظيم وكانت تقول بربوبيّة أبيها وقد تسبّبت بقتل الماشطة وأولادها، إذْ نتج من مجموع ذلك ذنب شديد يوجب العذاب لذرّيّة فرعون المتمثّلة بهذه البنت الكافرة، وهذا هو جواب الشقّ الثالث من سؤالكم، والحمد لله ربّ العالمين.