من هو صافي صفا؟

السؤال: من هو صافي صفا المدفون في النجف الأشرف، وما هي قصَّته؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

بداية لابدَّ أنْ يُعلم بأنَّ لفظ (صافي صفا) يُطلق على المكان الذي دفن فيه رجلٌ من أهل اليمن كما سنوضِّح ذلك، وليس هو اسم الرجل المدفون هناك، كما يُفهم من كلام الأخ السائل.

قال المؤرِّخ السيِّد حسن الحكيم: (كانت المحلَّة التي يقع فيها هذا القبر تسمَّى (محلة الشيلان) كما تحكيه الصكوك القديمة، وقد أطلق الرحالة أبو طالب خان عام (1213هج ـ 1799م) لفظ (صفوة الصفوة). وكان يُدعى أيضاً (صفَّة صفا) ولكن أشتهر عند النجفيين باسم (صافي صفا)، ويقال إنَّ هذه المنطقة الفسيحة قد اتخذتها القوافل محلَّ استراحة واناخة الإبل والجمال، فدُعيت (الصفاة) حسب مصطلح أهل نجد والبادية، ولذلك سُمِّيت (صفاة الصفا) أي مناخة الصفا، ومن المحتمل أنَّ لفظ (صافي صفا) تصحيف من تلك التسمية) [المفصَّل في تاريخ النجف الأشرف ج3 ص56].

اذا بان هذا ـ عزيزي السائل ـ فاعلم بأنَّ المنقول في بعض المصادر أنَّ رجلاً (لم يُعرف اسمه) من أهل اليمن أوصى أولاده بأنْ يدفنوه في أرض الغري، لما بلغه من فضلٍ لهذه التربة المقدَّسة.

جاء في إرشاد القلوب ما لفظه: (روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنَّه كان إذا أراد الخلوة بنفسه أتى إلى طرف الغري، فبينما هو ذات يوم هناك مشرف على النجف وإذا رجل قد أقبل من البرية راكباً على ناقة، وقدَّامه جنازة، فحين رأى علياً (عليه السلام) قصده حتَّى وصل إليه وسلَّم عليه، فردَّ عليه السلام، وقال له: من أين؟ قال: من اليمن. قال: وما هذه الجنازة التي معك؟ قال: جنازة أبي، أتيتُ لأدفنه في هذه الأرض، فقال له (عليه السلام): لِمَ لا دفنته في أرضكم؟ قال: أوصى إليَّ بذلك وقال: إنَّه يُدفن هناك رجلٌ يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر. فقال له (عليه السلام): أتعرف ذلك الرجل؟ قال: لا، فقال (عليه السلام): أنا والله ذلك الرجل، أنا والله ذلك الرجل، أنا والله ذلك الرجل، قمْ فادفن أباك، فقام فدفنه) [إرشاد القلوب ج2 ص352].

ونقلها العلَّامة المجلسي عن بعض كتب الأصحاب القديمة مع تفاوتٍ يسير فقال ما لفظه: (وجدتُ في بعض مؤلَّفات أصحابنا أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان ذات يوم يصلِّي بالغري إذْ أقبل رجلان معهما تابوتٌ على ناقة، فحطَّا التابوت وأقبلا إليه، فسلَّما عليه، فقال: من أين أقبلتما؟ قالا: من اليمن، قال: وما هذه الجنازة؟ قالا: كان لنا أبٌ شيخٌ كبير، فلمَّا أدركته الوفاة أوصى إلينا أنْ نحمله وندفنه في الغري، فقلنا: يا أبانا، إنه موضعٌ شاسعٌ بعيدٌ عن بلدنا، وما الذي تريد بذلك؟ فقال: إنه سيُدفن هناك رجلٌ يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): الله أكبر الله أكبر، أنا والله ذلك الرجل، ثمَّ قام فصلَّى عليه، ودفناه ومضيا من حيث أقبلا) [بحار الأنوار ج42 ص333].

وقال الشيخ محمَّد حرز الدين: (اليمانيُّ: هو الرجل الذي جيء بجنازته من اليمن إلى ظهر الكوفة ودفن في الغري ـ النجف الأشرف ـ بمحضر إمام المتقين علي بن أبي طالب (عليه السلام). مرقده في النجف الأشرف، ويُعرف بقبر اليمانيّ تارة، ومقبرة الصفا أُخرى، وصِفَةُ الصفا متأخِّراً، وكانت الدراويش تسكنه، وتسمِّي حرم قبره بالصفَّة، فإذا أضافوها يقولون: صفَّة الصفا، والعوام تقول: (صافي صفا)، ويقع على رأس الوادي في الحدِّ الغربي لمدينة النجف الأشرف، وبين السورين، عامرٌ مشيَّد، يُعهد تاريخ بنائه القائم اليوم إلى القرن السابع الهجريّ، عليه قبَّةٌ بيضاء صغيرة، فوق حرمٍ صغير، سميك الدعائم والجدران، تزوره الناس وتقام فيه الاحتفالات الدينيّة في مواسمها، وذكرى سيِّد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام)) [مراقد المعارف ج2 ص382].

ثمَّ لابأس بأنْ أُشير في هذه المناسبة إلى أنَّ هذا الخبر ـ المشهور كما عبَّر صاحب الجواهر (طاب ثراه) [جواهر الكلام ج4 ص344] والمتسالم عليه كما عبَّر السيِّد الحكيم (طاب ثراه) [مصباح المنهاج ج7 ص416] ـ يُعدُّ واحداً من مستندات القول باستحباب الدفن في أرض النجف الأشرف.

والنتيجة النهائيَّة من كلِّ ذلك، أنَّ المقصود من (صافي صفا) هو المكان الذي دُفن فيه رجلٌ من أهل اليمن؛ طمعاً في شفاعة سيِّدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، نسأل الله تعالى أنْ نحظى جميعاً بشفاعته في الدنيا والآخرة .. والحمد لله ربِّ العالمين.