أنا عبدٌ من عبيد محمَّد
السؤال: هل صحَّ قول أمير المؤمنين (عليه السلام) «إنَّما أنا عبدٌ من عبيد محمَّد (صلَّى الله عليه وآله)» وما معناه؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
يُشير الأخ السائل إلى ما رواه الشيخ الكُلينيُّ والشيخ الصدوق (طاب ثراهما) بسنده عن أبي الحسن الموصليّ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «جاء حِبرٌ من الأحبار إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين، متى كان ربُّك؟ فقال له: ثكلتك أمُّك، ومتى لم يكن حتَّى يقال: متى كان؟ كان ربّي قبل القبل بلا قبل، وبعد البعد بلا بعد، ولا غاية ولا منتهى لغايته، انقطعت الغايات عنده فهو منتهى كلِّ غاية، فقال: يا أمير المؤمنين، أفنبيٌّ أنت؟ فقال: ويلك، إنما أنا عبدٌ من عبيد محمَّد (صلَّى الله عليه وآله)» [الكافي ج1 ص89، وص90، التوحيد ص174].
ولنا في هذا الخبر الشريف وقفتان:
الوقفة الأولى: في سند الحديث:
إسناد هذا الحديث إلى أبي الحسن الموصليّ صحيح، رواته ثقات، وأمَّا هو فيُمكن القول بوثاقته؛ لرواية أحمد بن أبي نصر البزنطيّ عنه؛ إذْ عُرِف عنه بأنه لا يروي ولا يرسل إلَّا عن ثقة.
والأصل في هذا المبنى ما قاله الشيخ الطوسيُّ (طاب ثراه): (وإذا كان أحد الراويين مسنِداً والآخر مرسِلاً، نُظر في حال المرسل، فإنْ كان ممن يُعلم أنه لا يرسل إلَّا عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبرٍ غيره على خبره، ولأجل ذلك سوَّت الطائفة بين ما يرويه محمَّد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن محمَّد بن أبي نصر، وغيرهم من الثقات الذين عُرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلَّا عمَّن يوثق به، وبين ما أسنده غيرهم؛ ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية غيرهم) [العدَّة في أصول الفقه ج1 ص١٥٤]. وبناءً على ذلك يُمكن القول باعتبار السند من الناحية الرجاليَّة، كما لا يخفى.
الوقفة الثانية: في معنى الحديث:
يُفهم من ألفاظ الحديث أنَّ المقصود بقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «أنا عبدٌ من عبيد محمَّد» هو التعبير عن أقصى مراتب الطاعة والخضوع للنبيّ الأكرم (صلَّى الله عليه وآله)، وليس المعنى الحرفي للعبوديَّة، كما قد يُتوهَّم، بل المراد بها ـ في الحديث ـ هو الطاعة والخدمة والولاء المطلق له (صلَّى الله عليه وآله)، كما هو واضح.
ويتجلَّى من ذلك عِظم مكانة النبيّ (ص) في قلب أمير المؤمنين، حتَّى إنه يفتخر بأنْ يكون مجرَّد خادمٍ له، كما يُستشف من هذا القول أنَّ ما ناله أمير المؤمنين من فضلٍ وشرفٍ إنما هو ثمرة تبعيته وولائه لرسول الله (صلَّى الله عليه وآله).
وقد أشار لهذا المعنى جملةٌ من الأعلام، فقد قال الشيخ الصدوق (طاب ثراه) بعد نقل الحديث ما هذا لفظه: (يعني بذلك: عبد طاعته لا غير ذلك) [التوحيد ص175]، وقال العلَّامة المجلسيُّ (طاب ثراه) ما لفظه: (قوله (عليه السلام): «إنما أنا عبدٌ» أي: مطيعٌ خادمٌ له مقتبسٌ من علمه، وهذا من غاية تواضعه وحبِّه للرسول (صلَّى الله عليهما وآلهما)) [مرآة العقول ج1 ص314]، وقال السيِّد محمَّد بن حيدر النائينيّ (طاب ثراه): (وقوله: «إنَّما أنا عبدٌ من عبيد محمَّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)» أي: خادمٌ مطيعٌ من جملة خَدَمه ومطيعيه وتَبعه (صلَّى الله عليه وآله)) [الحاشية على أصول الكافي ص303]، وغيرها من كلمات الأعلام.
والمتحصَّل من جميع ذلك، أنَّ السند لهذا الحديث يُمكن القبول به رجالياً، كما أنَّ معناه الطاعة والخدمة لرسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وليس العبودية الحقيقية التي هي من مختصَّات الباري تبارك وتعالى، كما هو واضح .. والحمد لله ربِّ العالمين.
اترك تعليق