عدلت فأمنتَ فنمتَ

السؤال: هل صحَّ في حقِّ عمر بن الخطَّاب (عدلت فأمنت فنمت) أم لا؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

من الأقوال المشهورة والمعروفة في تراث أهل العامَّة، ما نُقل عن الهرمزان، ملك خوزستان الفارسيّ، حين أُتي به إلى عمر بن الخطَّاب، فلـمَّا دخل المدينة وجده نائماً في المسجد، متوسِّداً الدرَّة، فلمَّا رآه كذلك قال في حقِّه هذا القول.

روى أبو منصور الثعالبيُّ [ت429ه] أنه (لـمَّا جيء بالهرمزان ملك خوزستان أسيراً إلى عمر بن الخطَّاب وافق ذلك غيبته عن منزله، فما زال الموكَّل بالهرمزان يقتفى أثر عمر حتَّى عثر عليه في بعض المساجد نائماً متوسِّداً درَّته، فلما رآه الهرمزان قال: هذا والله الملك الهنيء، عدلتَ فأمنتَ فنمتَ، والله إني قد خدمتُ أربعةً من ملوك الأكاسرة أصحاب التيجان فما هبتُ أحداً منهم هيبتي لصاحب هذه الدرَّة) [يُنظر: ثمار القلوب ص86].

وروى الزمخشريُّ [ت583 ه] نقلاً عن الشعبيّ [ت104ه] أنه (لـمَّا جيء بالهرمزان ملك خوزستان أسيراً إلى عمر، لم يزل الموكَّل به يقتفي أثر عمر، حتَّى عثر عليه بالمسجد نائماً متوسِّداً درَّته، فلما رآه الهرمزان قال: هذا والله المُلك الهني، عدلتَ فأمنتَ فنمتَ) [ربيع الأبرار ج4 ص 13].

ولنا جملةٌ من الملاحظات على هذا النصّ، نذكرها في ضمن أمور:

الأمر الأوَّل: من الأمور المتَّفق عليها بين علماء الحديث أنَّ الرواية التي لا سند فيها لا يُعتدُّ بها في إثبات الحقائق، لأنَّ السند هو الطريق الذي يُعرف به حال الرواية من حيث القبول والرد، ولذلك نُقل عن عبد الله بن المبارك أنه قال: (الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء) [الثقات للعجليّ ص7]، وهذا يدلُّ على أنَّ الرواية إذا خلت من سندٍ، فهي عرضة للوضع والكذب، ولا يُمكن نسبتها إلى قائلها، كما هو واضح.

الأمر الثاني: لو تغاضينا عن مسألة السند وافترضنا صحَّة المنقول هذا، فإنه لا يُعدُّ حُجَّة ولا يُمكن الأخذ به، لكونه صادراً عن الهرمزان، وهو بشرٌ غير معصومٍ من الخطأ، وعليه فإنَّ قوله هذا لا يُغني شيئاً ولا يُعتدُّ به، كما هو بيِّنٌ وواضح.

الأمر الثالث: إنَّ الهرمزان هذا هو أحد الشخصيات المتَّهَمة في مقتل عمر بن الخطَّاب؛ ولذلك أقدم عُبيد الله بن عمر بن الخطَّاب على قتله بعد مقتل أبيه، وعليه فلو كان يعتقد فيه العدل ـ كما قيل ـ لما أقدم على قتله، مُعرِّضاً نفسه بذلك لخطر القتل، كما حصل بعد ذلك بالفعل.

إنَّ إقدام الهرمزان على قتل عمر بن الخطَّاب ـ كما يقولون ـ يدلُّ على كذب هذا المنقول بشكلٍ واضح، كما أنَّ قتل عُبيد الله بن عمر بن الخطَّاب له بتهمة قتله لأبيه عمر يُكذِّب هذا القول أيضاً، فتفطَّن.

قال عبد الرزاق الصنعانيُّ: (قال الزهريُّ: فأخبرني سعيد بن المسيب، أنَّ عبد الرحمن بن أبي بكر ـ ولم نجرِّب عليه كذبةً قط ـ قال ‌حين ‌قتل ‌عمر: ‌انتهيت ‌إلى ‌الهرمزان وجفينة وأبي لؤلؤة وهم نجيٌّ، فبَغَتُّهم فثاروا وسقط من بينهم خنجر له رأسان، نصابه في وسطه، فقال عبد الرحمن: فانظروا بما قتل عمر؟ فنظروا فوجدوه خنجراً على النعت الذي نعت عبد الرحمن، قال: فخرج عُبيد الله بن عمر مشتملاً على السيف حتَّى أتى الهرمزان، فقال: اصحبني حتَّى ننظر إلى فرسٍ لي ـ وكان الهرمزان بصيراً بالخيل ـ فخرج يمشي بين يديه، فعلاه عُبيد الله بالسيف ... فقتله، ثمَّ أتى جفينة ـ وكان نصرانيَّاً ـ فدعاه فلما أشرف له علاه بالسيف فصُلب بين عينيه، ثمَّ أتى ابنة أبي لؤلؤة - جارية صغيرة تدَّعي الإسلام - فقتلها، فأظلمَّت المدينة يومئذٍ على أهلها، ثمَّ أقبل بالسيف صلتاً في يده وهو يقول: والله لا أترك في المدينة سبياً إلَّا قتلته وغيرهم ـ وكأنَّه يعرِّض بناس من المهاجرين ـ فجعلوا يقولون له: ألق السيف، ويأبى، ويهابونه أنْ يقربوا منه، حتَّى أتاه عمرو بن العاص، فقال: أعطني السيف يا ابن أخي، فأعطاه إياه، ثمَّ ثار إليه عثمان، فأخذ برأسه فتناصيا حتَّى حجز الناس بينهما، فلما ولي عثمان، قال: أشيروا عليَّ في هذا الرجل الذي فَتَقَ في الإسلام ما فَتَق ـ يعني عُبيد الله بن عمر ـ فأشار عليه المهاجرون أنْ يقتله، وقال جماعة من الناس: أَقُتِلَ عمر أمس وتريدون أنْ تتبعوه ابنه اليوم...) [المصنَّف ج6 ص115].

والنتيجة النهائيَّة من كلِّ ما سبق، أنَّ ما يُنسب إلى الهرمزان من قوله (عدلتَ فأمنتَ فنمتَ) لا يُمكن القبول به بوجهٍ من الوجوه .. والحمد لله ربِّ العالمين.