هل الأحلام مجرد نشاط دماغي أم أنها تحمل معاني حقيقية؟

السؤال: الأحلام - من وجهة نظرٍ علميّةٍ - هي نتاج نشاط الدماغ، وليست رسائل مُشفّرةً تحتاج إلى تفسير، ولا يوجد دليلٌ علميٌّ يدعم فكرة أنَّ للأحلام معنىً محدداً يمكن تفسيره بطريقةٍ منهجيّةٍ، كما أنَّ محاولات التفسير غالباً ما تكون ذاتيّةً وتعتمد على المعتقدات الشخصيّة أو الثقافيّة. وعليه، أحلام ورُؤى الأنبياء التي استدلّوا بها على نبوتهم لا أهمّيّة لها، وليست من الحقيقةِفي شيءٍ.

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

الأحلام أو ما يراه الإنسان في منامه ظاهرةٌ لا يمكن إنكار وقوعها، وقد شكّلت موضوعاً مُعقّداً شغل عقول العلماء والفلاسفة منذ القِدَم. فهي تُدرَسُ من زوايا متعدّدةٍ، تمتدُّ من علم النفس إلى الفلسفة والدين.

وفي العصر الحديث، تبنّت بعض الاتّجاهات العلميّة - ولا سيّما علم الأعصاب وعلم النفس التحليليّ - تفسيراً مادّياً للأحلام، معتبرةً إيّاها مجرّد نشاطٍ دماغيٍّ ناتجٍ عن إعادة معالجة المعلومات المخزّنة، دون أن تحمل أيَّ معنىً يتجاوز هذا الإطار.

إلّا أنّ هذا التفسير ليس كافياً أو شاملاً بالضرورة، فهو يستند إلى رؤيةٍ مادّيةٍ بحتةٍ، تتجاهل الأبعاد الروحيّة والمعرفيّة التي قد تتضمّنها الأحلامُ. فرغم أنّ علم الأعصاب يفسّر بعض الآليّات العصبيّة التي تحدثُ في أثناء النومِ، فإنّه لم يتمكّن من إنكار وجود أنماطٍ متكرّرةٍ ذات دلالاتٍ رمزيّةٍ في الأحلام، كما أنّه لم يقدّم تفسيراً مقنعاً لسبب تطابق بعضِ الرؤى مع الواقع المستقبليّ بشكلٍ يتجاوز المصادفة.

وعليه، كيف يمكنُ تفسير الظواهر المتكرّرة التي أظهرت أنّ بعضَ الأحلام حملت معلوماتٍ تتجاوز الإدراك الطبيعيّ للرائي؟ فقد وثّقت عبر التاريخ العديد من الحالاتِ التي تضمّنت أحلاماً ذات دلالاتٍ واقعيّةٍ تحقّقت لاحقاً أو كشفت عن أمورٍ لم يكن للشخص علمٌ بها مسبقاً. ومن منظورٍ بحثيٍّ، يمكن النظر إلى هذه الظاهرة باعتبارها مؤشّراً على أنّ الأحلام ليست مجرّد نشاطٍ عصبيٍّ تلقائيٍّ، بل قد تكون أحياناً وسيلةً لاستقبال معلوماتٍ أو معالجة قضايا تتجاوز ما هو متاحٌ للوعي المباشرِ.

ولعلّ ما يعزّزُ هذه الرؤية: أنّ الأحلام كانت دائماً موضع اهتمامٍ في مختلف الثقافات، بما فيها الحضارات القديمة والفكر الفلسفيّ والأنثروبولوجيّ، حيث اعتُبرت مصدراً للإلهام والتنبّؤ بالمستقبل. وقد سجّلت مئات الروايات عن شخصيّاتٍ تاريخيّةٍ وفلاسفةٍ وعلماءٍ استندوا إلى الأحلام في اتّخاذ قراراتٍ مصيريّةٍ أو تحقيق اكتشافاتٍ علميّةٍ.

فعلى سبيل المثالِ: العالمُ (ديميتري مندلييف) الذي وضع الجدول الدوريّ للعناصرِ، ذكر في مذكراته: أنّه رأى في المنام الترتيب الصحيح للعناصر الكيميائيّة، حيث قال: (رأيت في المنامِ طاولةً تسقطُ فيها جميعُ العناصرِ في أماكنها الصحيحة كما يجب، وحالما استيقظتُ كتبتُ على الفور على ورقةٍ ما قد رأيته). وقد أشار إلى هذه الحادثةِ عددٌ من المصادرِ، ومن جملتها مقالٌ منشورٌ على موقعِ الجزيرةِ بعنوان: «في ذكرى جدول العناصرِ.. منامٌ غيّر مجرى الكيمياءِ».

كذلك، هناك العديد من القادة والمفكّرين الذين اتخذوا قراراتٍ مصيريةً بناءً على رؤى مناميةٍ، ممّا يشير إلى أنّ للأحلامِ دوراً في توجيهِ السلوكِ البشريّ بطرقٍ لا تزال غير مفهومةٍ بالكامل من الناحية العلميّة.

وبالتالي، إنكار أيّ بُعدٍ آخر للأحلام خارجَ التفسير العصبيّ المحضّ هو افتراضٌ غير قائمٍ على دليلٍ قاطعٍ، خاصّةً مع وجودِ شواهد تاريخيّةٍ وتجريبيّةٍ تعارض هذا الطرحَ.

فالأسئلة التي تطرحها هذه الظواهر لا يمكن الإجابةُ عنها بمجرد اختزال الأحلام بـ (نشاطٍ دماغيٍّ بلا معنى)، بل تستدعي مقاربةً أوسعَ تدمج بين علم النفس والفلسفة والتجربة الإنسانيّة.

أمّا من المنظور الإسلاميّ، فقد ميّز الإسلام بوضوحٍ بين (أضغاثِ الأحلامِ) التي قد تكون نتيجةً لعوامل نفسيّةٍ أو تأثيراتٍ شيطانيّةٍ، وبين (الرؤى الصادقة) التي تعدّ وسيلة اتّصالٍ بعالم الغيب. وقد ورد في الحديثِ النبويّ الشريفِ: «الرؤيا ثلاثةٌ: بشرى من اللهِ، وتحزينٌ من الشيطانِ، والذي يحدّثُ به الإنسانُ نفسه فيراه في منامه» [بحار الأنوارِ ج 58 ص191، مسند أحمد ج2 ص269]. بل إنّ الإسلامَ يعتبر الرؤى الصالحةَ جزءاً من النبوّةِ، كما قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): «الرؤيا الصادقةُ جزءٌ من سبعين جزءاً من النبوّة» [عيون أخبار الرضا ج2 ص288، وينظر: من لا يحضره الفقيه ج2 ص585، صحيح البخاري ج8 ص69].

وعليهِ، فإنّ الادّعاء بأنّ الأحلام ليست سوى نشاطٍ دماغيٍّ يتجاهل حقيقةَ أنّ بعض الأحلام تتضمّن أنماطاً متكرّرةً ذات رمزيّةٍ واضحةٍ، وأنّ بعض الرؤى قد تكون صادقةً. كما أنّ التفسير العلمي الحاليّ للأحلام لا يستبعد احتمال وجود بُعدٍ آخر لها يتجاوز النشاط العصبيّ المجرّدَ. إضافةً إلى ذلك، فإنّ الأحلام والرؤى ليست دليلاً وحيداً على النبوّةِ، وإنّما هي جزءٌ من منظومةٍ متكاملةٍ من الأدلّة التي تثبتُ صدق الأنبياء، مثل المعجزات، والبشائر السابقة، والحقائق التي يأتون بها، ممّا يجعل التشكيك في الأحلام بوصفها دليلاً على النبوّةِ طرحاً قاصراً عن الإحاطة بجميع الأبعاد المتعلّقة بهذا الموضوع.