هل الإنسان متحول عن قرد كما تقول بعض النظريات؟ 

: اللجنة العلمية

 

أصل الإنسان من مَني يمنى حتى يصل إلى آدم (عليه السلام)، وآدم من تراب وهو يمتاز على سائر أبناء جنسه من الحيوانات بالعقل وإدراك الكليات وماهيات الأشياء.

وما يقوله بعض الناس مِنْ أنّ الإنسان مركب بوجه عام على مثال أجساد الحيوانات وذلك مما يدل دلالة قاطعة على شدّة المشابهة بينه وبينها ولا سيما القرد في عموم البنية ودقة الأنسجة والألفة والتركيب (الكيميائي) كلام باطل من وجوه:

الأول: إنّ مجرد المشابهة بين شيئين لا يدلّ على تحولهما عن ثالث، أو تحول أحدهما عن الآخر، فكيف يمكن القطع به فكم في الأرض أصناف من الحيوان والنبات تتشابه بعضها مع بعض في الصفات والبنية وتباينه في الطبيعة والفصيلة.

الثاني: إنّ الإنسان كما يشبه القرد الشبيه في بنيته وتركيبه يشابه حيوانات أخر، من جهات أخرى، بل لعلّ في الحيوانات الدنيا أنواعاً لا توجد في العليا، فلا يصح الاعتماد على مجرد المشابهة في ذلك التحول فضلاً عن الجزم به.

الثالث: انّ من الواضح أنّ عمدة ارتقاء الإنسان والذي استوجب به أن يعد نتيجة الكون والغاية من تعب الطبيعة في تحولاتها الكثيرة إنما هي بقواها العقلية وبقدرته على المسائل العلمية، فكان الأولى بالقياس أن يعتمد هؤلاء في المشابهة الجسمية والقرد وإنْ كان له نصيب منها ولكن في الحيوانات الأخرى من النباهة ما يفوق عليه وحسبك في ذلك ما نقله صاحب عجائب الخلق في الكون ص 121 عن ( حنا النبيه ) وهو فرس ( لهرفون استن ) الألماني الذي كان يقيم في شمالي برلين من أنّ الفرس المذكور كان يجيد الجمع والطرح والضرب والقسمة، ثم أخذ في تعليمه الكسور العشرية وما وراءها مما يعجز عنه بعض البشر فضلاً عن القرود.

ويقول الأستاذ المعروف (كوفيه) إنّ إدراك القرد ليس أرقى من إدراك الكلب إلا قليلاً، فعلى هذا ينبغي أنْ يكون للإنسان كلباً، و شرف الإنسان وكرامته لا يقبلان بهذا المنطق الأهوج.

الرابع: لو سلّمنا جدلاً أنّ من لوازم المشابهة التحول والإرتقاء ولكن من أين يتعين تحوله قرداً؟ لأن الانتخاب الطبيعي لا يؤدي إلى الإرتقاء دائما، بل قد يؤول إلى التقهقر والانحطاط، كما في الدب الأسمر الحالي وغيره مما ذكره ( الأستاذ) (دارون) (في فلسفته) فلعلّ طائفة من الإنسان وقعت في وسط قضت أحوال العيش فيه أنْ تسكن الغابات وكهوف الجبال وتتسلق الأشجار لتقتطف منها الأثمار وتحارب أعداءها من الحيوانات بأظافرها وأسنانها فتركت المشي مستقيما واضطرت إلى أنْ تستعمل الأرجل مقام الأيدي، وتركت النطق، لقلة حاجتها إليه، و دخل النقص على زاوية وجهها وامتد بوزها وطال شعرها ثم انتقلت العادات بالوراثة إلى أولادها وهلك الضعيف منها وبقي القوي بالانتخاب منها على تحمل عوارض الوسط وهو ذو الشعر الذي يقيه من البرد والذنب الذي يطرد عنه هوام الأرض، فصاروا بعد أعوام طويلة قرودا، فالقرد إذن إنسان منحط، لا أنّ الإنسان كان حيوانا فارتقى، فإن هذا ليس بأولى من ذاك، ولعلك أيها القارئ الفطن تقول: أن صفحات العلم أعلا شأنا وأجل قدراً من أن تسجل فيها هذه الأوهام ولكني أقول لك: أني لا ألقي عن نفسي هذه الأوهام بل أجري على ما سنه هؤلاء المتفلسفون من الارتقاء و ليس الفرق بين وهمي ووهمهم سوى أنّهم صنعوا من القرد إنسانا و صنعت من الإنسان قرداً، فانظر أينا أحق في هذه الأوهام وسخافات الأحلام، وعلى الجملة، هنا أصلان يعترف بهما كل من المنكر للتحول والقائل به، وهما التشابه والتباين فكما يجوز لأهل التحول أن يستدلوا بالتشابه ويجعلوه دليلاً على وحدة الأصل والتباين عارضاً بالتدريج، يجوز لخصومهم المنكرين للتحول أن يعكسوا عليهم الدليل ويجعلوا التباين دليلاً على اختلاف الأصل والتشابه عارضاً بالتدريج وهذا ما لا سبيل لهم إلى رده ولا يمكنهم التخلص منه .

الخامس: أن الحكم بالتحول يحتاج إلى أمور تجريبية شاهدوها بأعينهم ولمسوها بأيديهم، لأنهم لا يستندون في إثبات مدعياتهم إلا إليها، فيا ذا الذي صرف عمره في التجارب في أحوال الحيوان وأطواره في الأدوار الجنينية إلى تماثلها وتباينها من حيث النوع والفصل، هل رأت عيناك أنّ قرداً صار إنساناً، أيتها المحسوسات والتجربيات التي استند إليك هؤلاء هل اشعريتهم يوما أحسسيتهم بتحول الإنسان عن القرد. وكيف يستطيع الإنسان أن يجري التجريبات الكاملة الصحيحة لأصناف الحيوانات قاطبة بالفحص والاستقراء الكاملين بحيث لا تفوته منها شاردة ولا واردة، وتكون صحيحة غير خاطئة أو لا يجوز عليها الخطأ ليبدي حكمه الجزمي القاطع بأن الإنسان متحول عن القرد أو غيره، وهل هذا إلا تحكم صرف و جزاف في الحكم فكيف إذن تنخدع أيها الغر البسيط بهذه الأوهام والتخمينات، وأنت ترى بعينك أموراً متباينة مختلفة من حيث الحقيقة و النوع، وترى القرد قرداً حتى يعمر ويموت، والإنسان إنسانا حتى يعمر و يموت وهلم جرا، فمتى يا ترى صار القرد إنسانا ومن أين لهم العلم الصحيح به، وكيف لهم بالاطلاع الحسي عليه، يا ذا الذي تشبث بهذيان هؤلاء من ذا أخبرك بصريح قوله أنّه شاهد تحول الإنسان عن القرد، وهل هذا إلا تخرص صرف لا يدخله في وهم من له عقل أو شيء من الفهم على أن التجربة وإن كانت غير كاملة غير منقوصة لا تصلح أن تكون مقياساً لمعرفة حقيقة الأشياء، وذلك لتوقف معرفة التجربة أما على نفسها أو على غيرها، ومعنى الأول بطلانها وعدم ثبوتها، فيثبت الثاني وهو مطلوبنا.(1)

_______________________________

(1) انظر: عقيدة المسلم، ص38