هَلْ وُجُودُ الشَّيْطَانِ خَيْرٌ أمْ شَرٌّ لِلإنْسَانِ؟
قَبْلَ الشُّرُوعِ بالجَوَابِ لَا بُدَّ مِنْ مُقَدِّمَاتٍ لِنَصِلَ إلَى المَطْلُوبِ:
(الأُولَى) : قَد يُقَالُ: هَل أفْعَالُ اللهِ مُعلَّلَةٌ بالغَايَاتِ والمَصَالِحِ؟
الجَوَابُ: اخْتُلِفَ في ذلِكَ، فَجُمهُورُ أهلِ الخِلَافِ علَى نَفْيِ الغَرَضِ والحِكْمَةِ والمَصَالِحِ (1).
وَذَهبَتْ الإمَامِيَّةُ إلى أنَّ أفعَالَهُ إنَّما تَقَعُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ وحِكْمَةٍ، وأنَّهُ لا يَفْعَلُ الظُّلْمَ ولا العَبَثَ، وأنَّه رَؤُوفٌ بالعِبَادِ يَفْعَلُ بِهِمْ مَا هُوَ الأصْلَحُ لَهُمْ والأنْفَعُ (2).
ودَلِيلُنَا: لَو لَمْ تَكُنْ أفْعَالُ اللهِ تَبَارَكَ اسْمُهُ مُعَلَّلَةً بالغَايَاتِ والمَصَالِحِ، لَلَزِمَ العَبَثَ في أفْعَالِهِ وهُو قَبِيحٌ ومُنَافٍ للحِكْمَةِ، واللهُ حَكِيمٌ لا يَفْعَلُ القَبِيحَ.
ويُؤَيِّدُ ذلِكَ مَا جَاءَ في الكِتَابِ الكَرِيمِ:
قَولُهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ﴾.
وقَولُهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ) (38).
وقَولُهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾.
وقَولُهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ..﴾.
(الثَّانِيةُ) : بَعْدَما أثْبَتْنَا أنَّ أفْعَالَ اللهِ مُعلَّلَةً بالغَايَاتِ والمَصَالِحِ نُثْبِتُ أنَّ إبْلِيسَ فِيهِ شَرٌّ وخَيْرٌ:
(1)- أمَّا الخَيْرُ: فإنَّ اللهَ خَلقَنَا لنَعْبُدَه، كَمَا في قَولِهِ: (ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)) فَيُفْتَتَنُ العِبَادُ بالشَّيْطَانِ لِيَمِيزَ المُؤْمِنَ فَيُثَابَ، والعَاصِي فَيُعَاقَبَ (لِيَبلُوَكُم أَيُّكُم أَحسَنُ عَمَلاً وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ) (الملك:2).
وقَالَ جَلَّ اسْمُهُ: (أحَسِبَ النَّاسُ أنْ يُتْرَكُوا أنْ يَقُولُوا آمنَّا وهُمْ لا يُفْتَنُونَ) (العَنكَبُوتُ :2).
وقَد سُئِلَ الإمَامُ الرِّضَا (عَلَيه السَّلامُ) عَن قَولِهِ تَعَالَى: ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا)؟
فَقَالَ (عَلَيه السَّلامُ): «إنّه (عزَّ وجلَّ) خَلَقَ خَلْقَهُ لِيَبْلُوَهُم بتَكْلِيفِ طَاعَتِهِ وعِبَادَتِهِ لا علَى سَبِيلِ الإمْتِحَانِ والتَّجْرِبَةِ، لأنَّه لَم يَزَلْ عَلِيمًا بِكُلِّ شَيءٍ»(3).
(2) - أمَّا الشَّرُّ: فَهُو عَدُوٌّ للإنْسَانِ مُبِينٌ، وقَد حَذَّرَ مِنهُ القُرآنُ الكَرِيمُ:
قَولُهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ: (ياأيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا في السِّلْمِ كآفَّةً ولا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إنَّه لَكُم عَدُوٌّ مُبِينٌ (208).
وقَولُهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ: (ويُرِيدُ الشَّيْطَانُ أنْ يُضِلَّهُم ضَلَالًا بَعِيدًا (60).
وقَولُهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ: (ولا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إنَّه لَكُم عَدُوٌّ مُبِينٌ (142).
وقَولُهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ: (إنَّ الشَّيْطَانَ للإنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5).
وقَولُهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ: (إنَّ الشَّيْطَانَ لَكُم عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إنَّما يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أصْحَابِ السَّعِيرِ (6).
وقَولُهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ: (ولا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إنَّه لَكُم عَدُوٌّ مُبِينٌ (62).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال الفخر الرازي: قول أصحابنا وهو أنه يحسن منه كلما أراد ولا يعلل شيء من أفعاله بشيء من الحكمة والمصالح .. [مفاتيح الغيب ج17ص10].
قال الإيجي المتوفى سنة 756هـ: لنا في إثبات مذهبنا بعدما بينا من أنه لا يجب عليه تعالى شيء، فلا يجب حينئذ أن يكون فعله معللًا بغرض، ولا يقبح منه شيء [المواقف ج3ص296].
قال أبو حفص عمر بن عادل الحنبلي: قول أهل السُّنَّة: أنَّه تعالى يحْسُن منه كلّ ما أراد ، ولا يُعَلَّلُ شيء من أفعاله بشيء من الحِكْمَة والمصالح [اللباب في علوم الكتاب ج10ص258]
(2) منهاج الكرامة في معرفة الإمامة ص 5
(3) بحار الأنوار ج4 ص80
اترك تعليق