مَصَادِيقُ المُجَرَّدَاتِ.

أَحْمَدُ عَبَّاسٌ الخَاقَانِي: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. هَلْ إنَّ البَارِي تَعَالَى هُوَ المُجَرَّدُ الوَحِيدُ، وكُلُّ مَا دُونَهُ تَعَالَى هُوَ مِنْ المَادَّةِ؟

: اللجنة العلمية

     الأَخُ أَحْمَدُ المُحْتَرَمُ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

 ذُكِرَ فِي الحِكْمَةِ أَنَّ المَوْجُودَ: 

      إِمَّا مَادِّيٌّ، كَالإِنْسَانِ وَالفَرَسِ وَالبَقَرِ وَنَحْوِهَا.

      أَوْ مُجَرَّدٌ، وَالمُجَرَّدُ:

      إِمَّا مُجَرَّدٌ تَجَرُّداً نَاقِصاً، وَمِثَالُهُ: النَّفْسُ، فَإِنَّ النَّفْسَ لَهَا اتِّصَالٌ وَمُبَاشَرَةٌ للمَادِّيَّاتِ، فَالسَّعَادَةُ وَالتَّعَاسَةُ وَالإنْشِرَاحُ وَالإنْقِبَاضُ وَنَحْوُهَا أَوْصَافٌ لِلنَّفَسِ أَكِيدٌ، وَهَذِهِ إِنَّمَا تَحْصُلُ نَتِيجَةَ أَسْبَابٍ مَادِّيَّةٍ - فِي الأَعَمِّ الأَغْلَبِ - فَمَنْ رَأْى وَحِيدَهُ مَثَلاً يَمُوتُ أَمَامَهُ يَعْلُوهُ الإنْقِبَاضُ، وَمَنْ شَاهَدَ تَفَوُّقَ وَلَدِهِ انْشَرَحَ صَدْرُهُ وَطَابَتْ نَفْسُهُ.

     أَوْ مَجَرَّدٌ تَجَرُّداً تامّاً، وَهَذَا النَّوْعُ لَهُ مَرَاتِبُ أَوَّلُهَا العَقْلُ، فَلِلعَقْلِ القُدْرَةُ عَلَى انْتِزَاعِ المَفَاهِيمِ الكُلِّيَّةِ مِنْ الصُّوَرِ الجُزْئِيَّةِ الحَاضِرَةِ فِي القُوَّةِ الخَيَالِيَّةِ وَالمُتَصَرِّفَةِ وَفِي قُوَّةِ الوَهْمِ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَحْصُلُ بِمَعْزِلٍ عَنْ المَادِّيَّاتِ تَمَاماً، فَالإِنْسَانُ لَمَّا يَسْتَحْضِرُ فِي ذِهْنِهِ مِقْدَارَ مَسَافَةٍ بَيْنَ مَدِينَتَيْنِ وَعَرَفَ سُرْعَةَ السَّيْرِ يَعْرِفُ مِقْدَارَ الوَقْتِ الَّذِي يَسْتَغْرِقُهُ لِطَيِّ تِلْكَ المَسَافَةِ.

      وَقَدْ قَسَمُوا مَرَاتِبَ العَقْلِ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ بِحَسَبِ مَرَاتِبِ تَجَرُّدِهِ مِنْ الأَدْنَى إِلَى الأَعْلَى وَهِيَ:

      العَقْلُ الهَيُولِيُّ.

      العَقْلُ بِالمَلَكَةِ.

      العَقْلُ بِالفِعْلِ.

      العَقْلُ المُسْتفَادُ. 

      وَآخِرُ تِلْكَ المَرَاتِبِ المُجَرَّدَةِ الخَالِقُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَهَذَا بَحْثٌ عَمِيقٌ يَحْتَاجُ إِلَى مُقَدَّمَاتٍ كَبِيرَةٍ.

وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.