هَلْ اليَعْقُوبِيُّ صَاحِبُ التَّارِيخِ شِيعِيٌّ؟

عَلِيٌّ رِضَا: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ .. هَلْ ثَبَتَ أَنَّ اليَعْقُوبِيَّ صَاحِبُ كِتَابِ تَارِيخِ اليَعْقُوبِيِّ مِنْ عُلَمَاءِ الشِّيعَةِ؟ لِأَنَّ بَعْضَ المُخَالِفِينَ يَعْتَبِرُونَهُ مِنْ عُلَمَاءِ الشِّيعَةِ؟

: اللجنة العلمية

     الأَخُ علي المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

     اليَعْقُوبِيُّ صَاحِبُ التَّارِيخِ المَعْرُوفِ هُوَ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ (أَبِي يَعْقُوبَ) بْنِ جَعْفَرِ بْنِ وَهْبِ بْنِ وَاضِحٍ الكَاتِبِ العَبَّاسِيِّ.

     تَرْجَمَ لَهُ كُلٌّ مِنْ:

     - يَاقُوتٍ الحَمَوِي (ت 626 ه) فِي مُعْجَمِ الأُدَبَاءِ ج2 ص557، نَاقِلًا تَرْجُمَتَهُ عَنْ تَارِيخِ أَبِي عُمَرَ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ الكِنْدِيِّ المِصْرِيِّ المُؤَرِّخِ (ت 358 ه).

     - وَابْنِ السَّاعِي (ت 674 ه) فِي الدُّرِّ الثَّمِينِ فِي أَسْمَاءِ المُصَنِّفِينَ ص295، وَأَثْنَى عَلَيْهِ.

     - وَالمقْرِيزِيِّ (ت 845 ه) فِي المقفى الكَبِيرِ ج1 ص454.

     -    وَالزَّركَلِيِّ فِي الأَعْلَامِ ج1 ص95.

     وَغَيْرِهِمْ.

     وَلَمْ يَذْكُرُوهُ تَشَيَّعَ وَلَا تَرَفَّضَ.

     وَنَقَلَ عَنْهُ كُلٌّ مِنْ:

     - أَبِي بَكْرٍ الإِشْبِيلِيِّ (ت 379 ه) فِي طَبَقَاتِ النَّحْوِيِّينَ وَاللُّغَوِيِّينَ بِتَرْجُمَةِ أَبِي عُثْمَانَ المَازِنيِّ.

     - وَأَكْثَرَ النَّقْلَ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ التَّمِيمِيُّ المَقْدِسِيُّ (المُتَوَفَّى حَوَالَيْ 390 ه) فِي كِتَابِهِ جَيْبِ العَرُوسِ وَرَيْحَانِ النُّفُوسِ.

     - وَنَقَلَ ابْنُ عَسَاكِرَ (ت 571 ه) فِي تَارِيخِ دِمَشْقَ خَبَرًا عَنْ جَدِّهِ وَاضِحًا، وَقَعَ اليَعْقُوبِيُّ فِي طَرِيقِهَا.

     - وَأَكْثَرَ ابْنُ العَدِيمِ (ت 660 ه) النَّقْلَ عَنْهُ فِي بُغْيَةِ الطَّلَبِ فِي تَارِيخِ حَلَبٍ.

     - وَنَقَلَ عَنْهُ الحَمَوِيُّ أَيْضًا.

      وَهَكَذَا غَيْرُهُمْ.

      وَلَمْ يَذْكُرُوهُ تَشَيَّعَ وَلَا تَرَفَّضَ.

      تَشَيُّعُ المُؤَرِّخِ اليَعْقُوبيّ.

-      وَأَوَّلُ مَنْ أَثَارَ مَسْأَلَةَ تَشَيُّعِ اليَعْقُوبِيِّ هُوَ المُسْتَشْرِقُ الأَمْرِيكِيُّ أَدوَارد فانديك (ت 1313 ه) فِي كِتَابِهِ اكْتِفَاءِ القَنُوعِ بِمَا هُوَ مَطْبُوعٌ ج1 ص69، حَيْثُ قَالَ بِأَنَّ اليَعْقُوبِيَّ يَمِيلُ فِي غَرَضِهِ إِلَى الشِّيعِيَّةِ دُونَ السُّنِّيَّةِ!!

     ثُمَّ تَبِعَهُ جرجي زَيْدَانُ (ت 1332 ه) فَإِنَّهُ قَالَ بِأَنَّ اليَعْقُوبِيَّ كَانَ شِيعِيَّ المَذْهَبِ! وَنَقَلَ عِبَارَتَهُ إليان سركيس (ت 1351 ه) فِي مُعْجَمِ المَطْبُوعَاتِ العَرَبِيَّةِ ج2 ص1948.

     وَذَهَبَ بَعْضُ البَاحِثِينَ المُعَاصِرِينَ إِلَى أَنَّهُ مُعْتَدِلٌ فِي تَشَيُّعِهِ، وَبَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ مُتَعَصِّبٌ.

     وَكَلَامُهُمْ مُجَرَّدُ دَعْوًى خَالِيَةٍ عَنْ الدَّلِيلِ.

     أَمَّا عِنْدَ الشِّيعَةِ :

 -     فَلَيْسَ لِليَعْقُوبِيِّ ذِكْرٌ وَلَا تَرْجُمَةٌ فِي المَصَادِرِ الشِّيعِيَّةِ الأُولَى كَالنَّجَاشِيِّ وَالطُّوسِيِّ وَابْنِ شَهْرِ آشُوبٍ وَمُنْتَجَبِ الدِّينِ، وَلَا أَثَرَ لِكُتُبِهِ فِي المَصَادِرِ القَدِيمَةِ عِنْدَنَا.

     وَهَذِهِ أَوَّلُ قَرِينَةٍ تُرْشِدُنَا إِلَى عَدَمِ تَشَيُّعِهِ، فَلَوْ كَانَ شَيعِيًّا لَبَادَرَ أَصْحَابُ الفَهَارِسِ الشِّيعِيَّةِ إِلَى ذِكْرِهِ، لِأَنَّ لَهُ كُتُبًا عَدِيدَةً. 

     - وَأَوَّلُ مَنْ ذَكَرَ اليَعْقُوبِيَّ مِنَ الشِّيعَةِ بِالتَّشَيُّعِ هُوَ الشَّيْخُ آغَا بُزُرْك الطَّهْرَانِيُّ، وَالسَّيِّدُ مُحْسِنٌ الأَمِينُ العَامِلِيُّ.

      أَمَّا آغا بُزُرْك: فَإِنَّهُ ذَكَرَ كِتَابَهُ البُلْدَانَ، وَنَقَلَ عِبَارَةَ المُسْتَشْرِقِ إدوَارد فانديك فِي اكْتِفَاءِ القَنُوعِ، ثُمَّ ذَكَرَ كِتَابَهُ التَّارِيخَ وَنَقَلَ عَنْ اليان سركيس أَنَّهُ شِيعِيُّ المَذْهَبِ، وَعَنْ إدوَارد فانديك أَنَّهُ يَمِيلُ إِلَى التَّشَيُّعِ.

     وَهَذَا يُرْشِدُنَا إِلَى أَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ.

     وَأَمَّا السَّيِّدُ مُحْسِنٌ الأَمِينُ: فَإِنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى قَرَائِنَ لَا تُفِيدُ تَشَيُّعَهُ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ يَظْهَرُ تَشَيُّعُهُ مِنْ كِتَابِهِ التَّارِيخِ، وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ الغَدِيرِ، وَأَنَّهُ ذَكَرَ الإِمَامَ الرِّضَا (عَ) فِي كِتَابِهِ البُلْدَانِ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ جرجي زَيْدَانَ أَنَّ مُؤَلِّفَهُ شِيعِيٌّ!

     هَذَا غَايَةُ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ السَّيِّدُ العَامِلِيُّ فِي تَشَيُّعِهِ.

     وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى تَشَيُّعِهِ، فَخَبَرُ الغَدِيرِ مَشْهُورٌ مُتَوَاتِرٌ تَنَاقَلَهُ عُلَمَاءُ السُّنَّةِ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ.

     وَأَمَّا ذِكْرُهُ لِلإِمَامِ الرِّضَا (عَ) فَهُوَ مَعْهُودٌ فِي كُتُبِ التَّرَاجُمِ وَالتَّارِيخِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ.

     فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا عِبَارَةُ جرجي زَيْدَانَ الَّتِي نَصَّ فِيهَا عَلَى تَشَيُّعِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا أَنَّ جرجي زَيْدَانَ تَبِعَ المُسْتَشْرِقَ إِدوَارد فانديك فِي ذَلِكَ.

    - وَقَدْ اسْتَدَلَّ بَعْضُ عُلَمَائِنَا فِي حِوَارَاتِهِمُ المَذْهَبِيَّةِ بِكِتَابِ تَارِيخِ اليَعْقُوبِيِّ كَالسَّيِّدِ مِير حَامِد حُسَيْنٍ فِي العَبَقَاتِ، وَالعَلَّامَةِ الأَمِينِيِّ فِي الغَدِيرِ، وَهُمَا لَا يَسْتَدِلَّانِ بِالكُتُبِ الشِّيعِيَّةِ عَلَى الخَصْمِ.

     النَّتِيجَةُ: اليَعْقُوبِيُّ مُؤَرِّخٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ، تَرْجَمُوا لَهُ وَنَقَلُوا عَنْهُ، وَلَيْسَ لَهُ ذِكْرٌ فِي مَصَادِرِنَا الأَوَّلِيَّةِ، وَلَمْ يَثْبُتْ تَشَيُّعُهُ وَلَا تَرَفُّضُهُ، نَعَمْ هُوَ كَاتِبٌ مُعْتَدِلٌ، يَكْتُبُ بِحُرِّيَّةٍ نَوْعًا مَا.

     هَذَا خُلَاصَةُ مَا نَمِيلُ إِلَيْهِ بَعْدَ البَحْثِ وَالتَّحْقِيقِ.

     وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.