ما مصيرُ مَنْ لمْ تصلْه الرسالةُ؟

مصطفى علي: السلامُ عليكمْ .. هناكَ شبْهةٌ تُثارُ، وهيَ أنّه ما ذنبُ مَن خُلِق فيْ بلادِ غيرِ المسلمينَ أو لمْ تصلْهمُ الدعوةُ الإسلاميةُ، ثمَّ يُحاسَبونَ على كفرِهمْ وإنْ كانَ هذا قبلَ اختراعِ الأنترنت وغيرِه منَ الوسائلِ التيْ تسهِّلُ الوصولَ للمعرفةِ كما في حالةِ الهُنودِ الحُمْرِ على سبيل ِالمثالِ.

: اللجنة العلمية

الأخُ مصطفى الْمُحْتَرَمُ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

لا وجودَ لمثلِ هذهِ الشُّبهةِ؛ لأن الإسلامَ قد ميّزَ بينَ الإنسانِ الذيْ وصلتهْ الدعوةُ وبينَ مَن لمْ تصلْه، فرتّبَ أحكامَه على مَن بلغتْه الدعوةُ ولمْ يرتِّبْ ذلكَ على مَن لمْ تبلغْه، قالَ تعالى: (منِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا) (15 الإسراءُ). فقدْ صرّحتِ الآيةُ بأنّ العذابَ يأتيْ بعدَ بعثِ الرسلِ، والمقصودُ مِن ذلكَ هوَ إمكانُ معرفةِ الناسِ بالإسلامِ، وقدِ استنبطَ الفُقهاءُ مِن هذهِ الآيةِ قاعدةً عامّةً وهيَ (قبحُ العقابِ بلا بيانٍ)، ومنَ المعلومِ أنّ البيانَ المقصودَ هوَ أوسعُ منْ أنْ يأتيَ الرسولُ بنفسِه لكلِّ شخصٍ، وإنّما يكفيْ فيهِ وصولُ آياتِه وما أمرَ به منْ حقائقَ ومعارفَ بأيِّ وسيلةٍ متاحةٍ، فليسَاً معذور مَن تهيّأَ لهُ معرفة ُالإسلامِ ولمْ يفعلْ، سوى كان ذلك عبر الترجمات المختلفة للقرآن أو من خلال المطبوعات الإسلامية، أو مِن خلالِ المراكزِ الإسلاميةِ المنتشرةِ، أو بأيِّ وسيلةٍ ممكنةٍ، ولذا فرّق الفقهاءُ بينَ الجاهلِ القاصرِ والجاهلِ المقصِّرِ. 

الجاهلُ المقصّرُ: هوَ الذيْ بإمكانِه البحثُ والاطلاعُ، ولكنّه لا يهتمُّ بالأمرِ ويتمادى في ضلالِه وغيِّه. وهذا غيرُ معذورٍ؛ لأنّه لم يتحملْ مسؤوليّةَ مصيرِه.

الجاهلُ القاصرُ: هوَ الذي لمْ يصلْه الحقُّ، وليسَ بمقدورِه معرفةُ ذلكَ لقصورٍ فيه، إمّا بسببِ الظرفِ الزّمانيِّ والمكانيِّ أو لقصورٍ في طبيعتِه. وقد أَلحقَ بهمُ البعضُ أهلَ الفترةِ، وهمُ الذينَ لمْ يأتِهمْ رسولٌ ولا نبيٌّ، ولمْ يكونوا على أيِّ دينٍ منَ الأديانِ السّماويّةِ، ومنْها الفترةُ بينَ عيسى عليهِ السلامُ ومحمدٌ صلّى اللهُ عليهِ وآلِه، قالَ اللهُ تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) (المائدةُ: 19). إلا أنّ هذه الآيةَ تخاطبُ أهلَ الكتابِ الذينَ كانوا على دينِ عيسى عليهِ السلامُ، وبالتالي فهيَ ليستْ ناظرةً لمنْ لمْ يأتِهمْ رسولٌ. والمهمُّ فيْ الأمرِ أنَّ الآيةَ التيْ ذكرتُها فيْ أولِ الحديثِ هيَ الآيةُ المحكَّمةُ في الأمرِ (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا)، وقدِ اختلفَ الباحثون في مصيِر هؤلاءِ هلْ هم إلى الجنة أم إلى النار؟ وقد جاء في بعض أخبار أهل البيت عليهم السلام أن هؤلاء سوفَ يكونُ لهمْ امتحانٌ منْ نوعٍ آخرَ سواءٌ كانَ فيْ عالمِ البرْزخِ أو يومَ المَحشرِ، فمَن نجحَ منهمْ يدخلِ الجنةَ، ومَن لمْ ينجحْ فمصيرُه النارُ، وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا. 

ودمتم سالمين.