مَا هوَ الفَرقُ بينَ لفظَتَي الإنسانِ والبشرِ؟
احمد الموسوي: السَّلامُ عليكُم: مَا هوَ الفرقُ بينَ الإنسانِ والبشرِ؟
الأخُ أحمد المحترمُ، السَّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه،
كلمةُ "إنسانٍ" في كلامِ العربِ ترجعُ إلى معنَى الظُّهورِ، عكسَ الجِنِّ. وذكرُوا للإنسانِ معنىً آخرَ هوَ: النِّسيَانُ. فَقَدْ أورَدَ إبنُ منظورٍ عنِ اِبنِ عبَّاسٍ: "إنَّمَا سُمِّيَ الإنسانُ إنسانَاً؛ لأنَّهُ عُهِددَ إليهِ فنَسيَ". [لسانُ العربِ،ج6ص11]، يَعنِي قولَهُ تعالى: "وَلَقَدْ عَهِدَنَا إلى آدَمَ مِنْ قَبلُ فَنَسيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزمَاً". وبهذَا قالَ الكُوفيُّونَ: إنَّهُ مُشتقٌّ منَ النِّسيانِ. [المِصباحُ المُنيرُ،ج1ص25]. لذَا فإنَّ معنَى الإنسانِ في كلامِ العربِ يعنِي الظُّهورَ، والنِّسيَانِ.
و(النَّاسُ) إسْمٌ للْجَمعِ مِنْ بنِي آدمَ واحدُهُ إِنْسَانٌ منْ غيرِ لَفظِهِ. [المُعجَمُ الوسيطُ،ج3ص963].
وأمَّا كلمةُ (بَشَرٍ) فهيَ: أصلٌ واحدٌ: وتعنِي ظُهورَ الشَّيءِ مَع حُسنٍ وجمالٍ. فالبشرَةُ ظاهرُ جلدِ الإنسانِ. ومنهُ باشرَ الرَّجلُ المرأةَ، وذلكَ إفضاؤهُ ببشرتِهِ إلى بشرتِهَا، وسُمِّيَ البشرُ بشرَاً لظهورهِم. والبَشيرُ، الحسنُ الوجهِ. والبَشارةُ: الجمالُ، ويُقالُ بَشَّرتُ فُلاناً أبشِّرُهُ تبشِيرَاً.
وفِي لسانِ العربِ: البَشرُ: الخلقُ يقعُ على الأنثَى والذَّكرِ والواحدِ والاثنينِ والجَمعِ، لا يُثنَّى ولا يُجمعُ، يُقالُ: هِيَ بشرٌ، وهوَ بشرٌ، وهُمَا بشرٌ، وهُمْ بشرٌ. وقَدْ يُثنَّى، وفِي التَّنزيلِ: { أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا}. [المؤمنون : 47].
ويَقُولُ بعضُ المُحقِّقينَ: إنَّ الأصلَ الواحدَ فِي هذهِ المادَّةِ: هوَ الاِنبساطُ المَخصوصُ الطَّبيعيُّ والطَّلاقةُ فِي السَّيماءِ لوجُوههِمْ تَكوينَاً، ويُمكِنُ أنْ يقالَ أنَّ اللبِشرَ حالةٌ طَبيعيَّةٌ للإنسانِ منَ الانبِساطِ، وهيَ قَبلَ التَّبسُّمِ. وبهذهِ الحالةِ يمتازُ الإنسانُ في الظَّاهرِ عَن سائِرِ الحيوَاناتِ. فالبَشَررُ كحَسَنْ صِفةٌ مشبَّهةٌ وهوَ مَنْ كانَ مُنبسطاً طلقَاً تكوينَاً، ثُمَّ صارَ اِسمَاً لنوعِ الإنسانِ.
ويدلُّ على مَا ذَكرنَا منَ الأصلِ: قولُهُم: بَشَرَةُ الأرضِ ما ظهرَ مِن نباتِهَا، وهوَ حَسنُ البِشرِ أيْ طلقُ الوجهِ، وبَشِرَ بكذَا كفَرِحَ لفظاً ومعنَىً، والبَشرُ ظُهورُ الشَّيءِ معَ حُسنٍ وجمالٍ، والبَشيرُ الحَسنُ الوجهِ، والبِشارَةُ الجمالُ.
وأمَّا البَشَرَةُ بمعنَى الجِلدِ: فمعنَىً مَجازِيّ باعتِبارِ كَونِ البَشَرِ وظُهُورِهِ في الجِلدِ وظاهرِ البَدنِ. وأمَّا المُبَاشَرةُ: فإنَّ المُفاعَلَةَ للإمتِدَادِ والطُولِ، وإمتدادُ الطَّلاقَةِ والاِنبساطِ بالنِّسبةِ إلى الزَّوجةِ يدلُّ على المُلامَسَةِ، أو أنَّ هذا المَعنَى مُستفادٌ مِنَ الاِشتقاقِ الاِنتزاعيّ مِنَ البَشرةِ بمعنَى الجلدِ. وَكذلكَ مُباشرةُ الأمورِ على الوجهينِ. وأمَّا التَّبشِيرُ: فهوَ إيصالُ الاِنبساطِ والطَّلاقةِ إلى الغَيرِ والإيجادِ فيهِ، كمَا هوَ مُقتضَى التَّعديَةِ. [التَّحقيقُ في كلماتِ القرآنِ الكريم ج1 ، ص296-301].
وفِي بيانِ الفرقِ بينَ كلمةِ (إنسانٍ) و(بَشَرٍ) يقولُ إبنُ هلالٍ العسكريّ فِي الفُروقِ اللُّغويَّةِ [ص 228]: الفَرقُ بينَ النَّاسِ والبشرِ: إنَّ قولَنَا البشرُ يقتضِي حُسنَ الهيئةِ، وذلكَ أنَّهُ مُشتقٌّ منَ البِشارةِ وهيَ حُسنُ الهيئةِ ، يُقالُ رجلٌ بشيرٌ وامرأةٌ بشيرةٌ إذا كانَ حَسنُ الهَيئَةِ، فسُمِّيَ النَّاسُ بشرَاً لأنَّهُم أحسنُ الحيوانِ هيئةً، ويجوزُ أن يُقالَ إنَّ قولنَا بشرٌ يقتضِي الظُّهورَ، وسُمُّوا بشرَاً لظهورِ شأنِهِم، ومِنهُ قِيلَ لظاهرِ الجلدِ بشرةٌ، وقولنَا (النَّاسُ) يقتضِي النُّوسَ وهُوَ الحركةُ، والنَّاسُ جمعٌ والبَشرُ واحدٌ وجَمعٌ، وفِي القرآنِ: {مٰا هٰذا إلا بَشَرٌ}. وتَقولُ: مُحمَّدٌ خَيرُ البشرِ. يَعنُونَ النَّاسَ كلّهُم، ويُثنَّى البَشرُ فيُقالُ بشرَانِ: {لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا}. [المؤمنون : 47].
ودُمتمْ سالِمين.
اترك تعليق