سلسلة سؤال وجواب حول المعاد (3)
حقيقة الإنسان
س1: مقتضى العدل الإلهيّ المدّعى, أنّ الإنسان إذا مات يُحشر بنفسه, وفق قانون الثواب والعقاب, لكن كيف يُحشر بنفسه, مع أنّه تلاشى ولمْ يبقَ من شخصيّته شيءٌ؟
ج: هذه الشبهة من شبهات منكري المعاد, الذين يعتقدون أنّ حقيقة الإنسان هو الجسد المادي الظاهري, الذي هو عبارة عن مجموعة من الخلايا، والأعصاب، والعظام، والجلود, فلو مات يتلاشى وينتهي:
والجواب عليها: عن طريق إثبات تجرّد النفس الإنسانية, والصحيح أنّها مجردة وليست مادية.
س2: ما الأدلة العقلية على تجرد النفس الإنسانية؟
ج: نستدل على ذلك بدليلين:
الأول: ثبات الشخصيّة الإنسانية:
إنّ من أهم خصائص المادة التغير والتحول, فالقول إنّ شخصية الإنسان هو البدن لا غير, لازمه التغيّر والتحوّل, فالإنسان في تغيّر وتبدل ولا تبقى له شخصيّة ثابتة, وهذا غير صحيح جزماً, فالإنسان هو هو, أي شخصيّته واحدة غير متبدلة أو متغيرة, فهو نفسه مذ كان صغيراً, ثمَّ صارَ صبياً فشاباً فكهلاً, فشيخاً, ولم يصبح شخصاً آخراً, بل الوجدان شاهد على ذلك بكل تأكيد, فهذه (الأنا) هي بنفسها, منذ ولد إلى ما بعد ذلك بسنوات عدة, نعم: ممكن أنْ يتكامل, أو يتسافل وهذا لا بأس به وهو مما لا يتنافى مع التجرّد, والثبات وعدم التبدّل والتحوّل, علامة على التجرّد.
بعبارةٍ أخرى: (قياس إستثنائي):
لو كانت الشخصيّة الإنسانية مادية للزم تغيّرها وتبدّلها, لكنّها ثابتة ولم تتغير أو تتحول, إذنْ الشخصيّة ليست ماديّة, بل مجردة فيثبت المطلوب .
الثاني: عدم الإنقسام آية التجرّد
هذه الشخصيّة المعبّر عنها بــ(أنا) لا تقبل الانقسام بل هي أمر بسيط، وكذلك نمتلك مجموعة من القضايا الوجدانية, من الحب والبغض, والإرادة والكراهة وغيرها, ونتصف بها ولا يمكن لعاقل أنْ ينكرها، وهذه القضايا لا تقبل الإنقسام والتجزئ, مع العلم أنّ من لوازم المادة الإنقسام والتجزئ, فرفضها الانقسام آية(علامة)على التجرّد, فيثبت المطلوب من كون حقيقة الإنسان روح وهو مجرّد وليس مادي.
س3: ما الأدلة القرآنية على تجرد النفس الإنسانية؟
ج: الآيات الشريفة دالة على بقاء النفس بعد الموت, ولازم ذلك أنَّ النفس الإنسانية مجردة وليست مادية ومن هذه الآيات:
*قوله تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(1).
لفظة التوفي بمعنى القبض والأخذ, ولا تعني الإماتة والإفناء, فالإنسان مركب من بدن وروح, وعند الموت يقطع الله العلاقة بين الروح والبدن، بناءاً على القول بأنّ الروح هي النفس، فتفقد الروح السيطرة على البدن تماماً, فالروح لها ثلاث حالات بالنسبة للجسد:
(1) إرتباط كامل, وذلك حال الحياة واليقظة.
(2) وارتباط ناقص, وذلك أثناء النوم.
(3) وقطع الإرتباط, وذلك عند الموت, فالموت ليس إعدام وفناء, وإنما هو قطع العلاقة بين الروح والجسد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الزمر: 42.
اترك تعليق