لا توجدُ عُنصريّةٌ في مذهبِ أهلِ البيتِ ( عليهمُ السّلامُ )
السّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ جاءَ في ( بابِ ) ( مَن كرهَ مُناكحتهُ منَ الأكرادِ والسّودانِ وغيرِهِم ) ١ ـ عليٌّ بنُ إبراهيمَ ، عَن هارونَ بنِ مُسلمٍ ، عَن مسعدةَ بنِ زيادٍ ، عَن أبي عبدِ اللهِ عليهِ السّلامُ قالَ قالَ أميرُ المؤمنينَ عليهِ السّلامُ إيّاكُم ونكاحُ الزّنجِ فإنّهُ خلقٌ مُشوّهٌ. وهذا واردٌ في الكافي الشّريفِ وحكمَ بصحّتِهَا العلّامةُ المجلسيُّ . سؤالي هَل في هذا الحديثِ دليلٌ على وجودِ عُنصريّةٍ في مذهبِ أهلِ البيتِ عليهمُ السّلامُ ؟
عليكمُ السّلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ هذهِ الأحاديثُ الواردةُ بهذا المضمونِ حملها غير واحد من علمائنا على نحوِ القضيّةِ الخارجيّةِ ، أي لا يُرادُ بهَا كلُّ كُرديٍّ وكلُّ أسودٍ ، وإنّمَا تُشيرُ إلى أقوامٍ مُعيّنينَ طغَتْ عليهِم طِباعٌ مُعيّنةٌ أو ظروفٌ مُعيّنةٌ جعلتِ الإقترانَ بهِم سبباً لعدمِ استقرارِ البيتِ الزّوجيّ ، والإسلامُ عادةً يُقدّمُ النّصائحَ الوافيةَ في تخيّرِ الأكفّاءِ للزّواجِ حتّى تنجحَ الأسرةُ في تشكيلِ نفسِهَا ولا تصطدمَ بمشاكلَ إجتماعيّةٍ أو خَلقيّةٍ تُؤثّرُ على أبنائِهَا. فمثلاً فيما يتعلّقُ بالأكرادِ فقَد وردَتْ رواياتٌ تقولُ بأنَّ الأكرادَ قومٌ منَ الجنِّ وأنّهُ يُكرَهُ التّزوّجُ منهُم، لكنّهَا لَم تُفسَّر تفسيراً صحيحاً للأسفِ فظنَّ البعضُ بأنَّ المقصودَ مِنهَا الإختلافُ في السّنخيّةِ والخلقِ وهذا خطأٌ فظيعٌ ، بلِ المُرادُ بكونِهِم قومٌ منَ الجنِّ أي أنّهُم قومٌ مُستترونَ بالجبالِ ولا يُخالطونَ النّاسَ كبقيّةِ الأقوامِ ، فالمُرادُ بالجنِّ هُنا معناهُ اللّغويُّ وهوَ الإستتارُ ، كمَا يُقالُ شخصٌ مجنونٌ أي شخصٌ استترَ عقلهُ وغابَ ، وليسَ المُرادُ بهِ هذا الصّنفُ المَخلوقُ المُغايرُ للبشرِ.وجِهةُ الكراهةِ في التّزوّجِ مِنهُم وذلكَ لإبتعادِهِم عنِ الحياةِ المدنيّةِ وإنزوائِهِم بالجبالِ الأمرُ الذي يَشكلُ معهُ توفُّرُ حياةٍ زوجيّةٍ ناجحةٍ لمَن كانَ خارجَ بيئتِهِم وطِباعِهِم.وهذهِ الرّواياتُ وردَتْ في زمانٍ كانَ الأكرادُ بهذهِ الصّفةِ أمّا اليومُ فالأكرادُ عندَهُم مُدنٌ حضاريّةٌ رائعةٌ وأقاليمُ مُتطوّرةٌ جِدّاً فصِفةُ الكراهةِ بالزّواجِ مِنهُم إنتفَت جزماً.وكذلكَ الحالُ فيمَا يتعلّقُ بالزّنجِ والسّودانِ ، فقَد جاءَ في القرآنِ الكريمِ كراهةُ التّزوّجِ بالإماءِ ( وهُنَّ النّساءُ السّوداواتُ البشرةِ غالِباً ) ، لمحذورِ استرقاقِ الولدِ ، فإنَّ الإبنَ يتبعُ الأمَّ في الحُرّيّةِ والرّقيّةِ .جاءَ في " جامعِ أحاديثِ الشّيعةِ " عَنِ : الدّعائمِ 244 ج 2 - عَن أبي جعفرٍ وأبي عبدِ اللهِ عليهِمَا السّلامُأنّهُمَا قالا لا بأسَ بنكاحِ الحُرِّ الأمةَ إذا اضطرَّ إلى ذلكَ قالَ أبو جعفرٍ عليهِ السّلامُولا يتزوّجُ الحُرُّ الأمةَ حتّى يجتمِعَ فيهِ الشّرطانِ العنتُ وعدمُ الطّولِ ولَو لَم يكُنْ يُكرَهُنكاحُ الأمةِ مِن غيرِ ضرورةٍ إلّا لاسترقاقِ الولدِ لكانَ ذلكَ ممّا ينبغِي أن لا يفعلهُ إلّا مَناِضطرَّ إليهِ ولَم يجِدْ غيرَهُ. [ جامعُ أحاديثِ الشّيعةِ 20 : 96] وجاءَ في " أحكامِ القُرآنِ " للجصّاصِ : (( قولهُ تعالى : ( ذلكَ لمَنْ خشيَ العنتَ منكُم ) قالَ إبنُ عبّاسٍ وسعيدٌ بنُ جبيرٍوالضّحّاكُ وعطيّةُ العوفي : " هوَ الزّنا " . وقالَ آخرونَ : هوَ الضّررُ الشّديدُ في دينٍ أو دُنيا ،مِن قولهِ تعالى : ( ودّوا ما عنتُّم ) [ آلُ عمرانَ : 118 ] . وقولهُ : ( لمَن خشيَ العنتَمنكُم ) راجِعٌ إلى قولهِ : ( فمِن ما ملكَتْ أيمانُكُم مِن فتياتِكُم المُؤمناتِ ) ، وهذا شرطٌإلى المندوبِ إليهِ مِن تركِ نكاحِ الأمةِ والاقتصارِ على تزوّجِ الحُرّةِ لئلّا يكونَ ولدهُ عبداًلغيرهِ ، فإذا خشيَ العنتَ ولَم يأمَنْ مواقعةَ المحظورِ فهوَ مُباحٌ لا كراهةَ فيهِ لا في الفعلِولا في التّركِ. ثُمَّ عقّبَ ذلكَ بقولهِ تعالى : ( وأن تصبِرُوا خيرٌ لكُم ) فأبانَ عَن موضعِالنّدبِ ، والاختيارُ هوَ تركُ نكاحِ الأمةِ رأساً ، فكانَت دلالةُ الآيةِ مُقتضيةً لكراهيةِ نكاحِالأمةِ إذا لَم يخشَ العنتَ ، ومتى خشيَ العنتَ فالنّكاحُ مُباحٌ إذا لَم تكُنْ تحتهُ حرّةٌ.والإختيارُ أن يتركهُ رأساً وإن خشيَ العنتَ ، لقولهِ : ( وأن تصبِرُوا خيرٌ لكُم ) . وإنّمَا ندبَاللهُ تعالى إلى تركِ نكاحِ الأمةِ رأساً معَ خوفِ العنتِ لأنّ الولدَ المولودَ على فراشِ النّكاحِمِنَ الأمةِ يكونُ عبداً لسيّدِهَا ، ولَم يكرَه استيلادَ الأمةِ بمُلكِ اليمينِ لأنَّ ولدَهُ مِنهَا يكونُحُرّاً.وقَد رويَ عنِ النّبيّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ مَا يُوافقُ معنى الآيةِ في كراهةِ نكاحِ الأمةِ ، حدّثنا عبدُالباقي بنُ قانعٍ قالَ : حدّثنا محمّدٌ بنُ الفضلِ بنِ جابرٍ السّقطيّ قالَ : حدّثنا محمّدٌ بنُعُقبةَ بنِ هرمٍ السّدوسيّ قالَ : حدّثنا أبو أميّةَ بنُ يعلى قالَ : حدّثنا هشامٌ بنُ عروةَ عَن أبيهِعَن عائشةَ قالَت : قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ : " انكحُوا الأكفّاءَ وأنكحوهنَّ واختارُوا لنُطفِكُموإيّاكُم والزّنجَ فإنّهُ خلقٌ مُشوّهٌ " . قولهُ : " انكحُوا الأكفّاءَ " يدلُّ على كراهةِ نكاحِ الأمةِلأنّها ليسَت بكفوٍ للحُرِّ ، وقولهُ : " إختارُوا لنُطفِكُم " يدلُّ على ذلكَ أيضاً لئلّا يصيرَ ولدهُعبداً مَملوكاً وماؤهُ ماءُ حرٍّ فينتقلُ بتزويجهِ إلى الرّقِّ . ورويَ في خبرٍ آخرَ عنِ النّبيّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَأنّهُ قالَ : " تخيّرُوا لنُطفِكُم فإنَّ عرقَ السّوءِ يدركُ ولَو بعدَ حينٍ " )). [ أحكامُ القُرآنِ 2: 214] وجاءَ في " فيضِ القديرِ" للمنّاويّ عندَ شرحهِ للحديثِ : ( إشترُوا الرّقيقَ وشاركوهُم في أرزاقِهِم وإيّاكُم والزّنجَ ) . قالَ المنّاويّ : (( ( وإيّاكُم والزّنجَ ) بفتحِ الزّاي وتكسرُ : أي احذرُوا شراءَهُم ( فإنّهُم قصيرةٌ أعمارُهُم قليلةٌ أرزاقُهُم )وهوَ جيلٌ منَ السّودانِ مسكنُهُم تحتَ خطِّ الإستواءِ وجنوبِيَّهُ ولا عمارةَ وراءَهُم ( قيلَ ) وتمتدُّ بلادُهُم إلىقُربِ الحبشةِ وبعضُهُم على نيلِ مصرَ ، وإنّما كانُوا كذلكَ لأنَّ الأسودَ إنّمَا هوَ لبطنهِ وفرجهِ كمَا فيخبرٍ سيجئُ ، وإن جاعَ سرقَ وإن شبعَ فسقَ كمَا في خبرٍ ، وهذهِ الأوصافُ تمحقُ البركةَ منَ العُمرِوالرّزقِ كمَا هوَ بيّنٌ)) .[ فيضُ القديرِ للمنّاويّ 1: 660] فالموضوعُ كمَا تَرى ليسَ لهُ علاقةٌ باللّونِ أوِ العُنصرِ الذي يتكوّنُ منهُ البشرُ ، بَل هيَ تحذيراتٌ مِن مشاكلَ كوّنَتهَا الأعرافُ الإجتماعيّةُ والظّروفُ المُحيطةُ ببعضِ الأقوامِ مِمّا جعلَ الإقترانَ بهِم سبباً في زعزعةِ البيتِ الأُسريّ وعدمِ استقرارهِ ، تماماً كمَا جاءَ التّحذيرُ في الرّواياتِ عَن نكاحِ الأعرابيّ والفاسقِ وشاربِ الخمرِ ، فهذهِ الأصنافُ كُلّهَا تفتقدُ للأهليّةِ الشّرعيّةِ في تشكيلِ أُسرةٍ ناجحةٍ تضمنُ مُستقبلاً ناجحاً لأبنائِها لِذا وجبَ التّحذيرُ منَ الإقترانِ بهَا .ودُمتُم سالِمينَ.
اترك تعليق