كيفَ نثبتُ أنَّ الثّوراتِ التي قامَتْ بعدَ ثورةِ الإِمامِ الحُسينِ ع كانتْ جذوتَها شرارةُ كربلاء ؟
كيفَ نثبتُ أنَّ الثّوراتِ التي قامَتْ بعدَ ثورةِ الإِمامِ الحُسينِ ع كانتْ جذوتَها شرارةُ كربلاء ؟
الجوابُ :السّلامُ عليكم لو تتّبَعنا الواقعَ الإجتماعيَّ للمسلمينَ قبلَ ثورةِ الإمامِ الحسينِ ( عليهِ السّلامُ ) وبعدَها وقارنّا بينَ الواقعينِ لوجدْنا الأثرَ الواضحَ لهذهِ الثورةِ في تفعيلِ الرّوحِ الجهاديّةِ المناهضةِ للظّلمِ والتّسلطِ ، فالمجتمعُ الإسلاميُّ قبلَ ثورةِ الحسينِ ( عليهِ السّلامُ ) بقيَ لمدّةِ عشرينَ عامّاً - منْ سنةِ أربعينَ إلى سنةِ ستينَ للهجرةِ - يعيشُ حالةً منَ السّكونِ والخنوعِ ولم نجدْ أيَّ حالةِ احتجاجٍ جدّيٍّ جماعيٍّ ينهضُ بهِ النّاسُ في الوقوفِ بوجهِ الظّلمِ الأمويّ واضطهادهِ وسرقتهِ لأموالِ المسلمينَ والعبثِ بالسّلطةِ ، ولكنْ بعدَ ثورةِ الإمامِ الحسينِ ( عليهِ السّلامُ ) تغيّرتِ الأمورُ تماماً وأصبحتْ حالةُ المناهضةِ والتّصدي لظلمِ الظّالمينَ حالةً سائدةً في المجتمعِ الإسلاميّ ، ولنستعرضْ معاً جانباً من هذهِ الثّوراتِ التي تلتْ ثورةَ الإمامِ الحسينِ ( عليهِ السّلامُ ) وكانتْ هذهِ الّثورةُ مشكاتَها ونبراسَها في الّتصدّيِ للظلمِ الأمويّ : 1- ثورةُ التّوابينَ : هذهِ الثّورةُ - وكانتْ في العامِ 61 هـ - هيَ أوّلُ ردّةِ فعلٍ للمسلمينَ على قتلِ الحسينِ ( عليهِ السّلامُ ) ؛ إذ اجتمعَ جماعةٌ منْ كبارِ الموالينَ لأهلِ البيتِ ( عليهمُ السّلامُ ) وقرّروا الثّورةَ والخروجَ على يزيدَ ونظامهِ وشعروا بالنّدمِ والتّوبةِ لِما فاتَهم منْ نصرةِ ابنِ بنتِ رسولِ اللهِ ( صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهِ ) ، وكانَ منهجُ ثورتِهم أنْ يتوجّهوا من الكوفةِ إلى الشّامِ ويَقلبوا النّظامَ الأمويَّ في عقرِ دارهِ فقاتلوا على الحدودِ معَ الشّامِ حتى قُتِلوا جميعاً.2- ثورةُ أهلِ المدينةِ : هذهِ الثّورةُ- وكانتْ في العامِ 62 هـ - هي ثورةٌ أخرى وشرارةٌ ثانيةٌ قدحَتها الثّورةُ الحسينيّةُ ، فعندَ رجوعِ الحوراءِ زينبَ ( عليها السّلامُ ) إلى المدينةِ عملتْ على تأجيجِ الرّأيِّ العامِّ في المدينةِ واستنهاضِ النّاسِ للخروجِ على يزيدَ والأخذِ بثأرِ الحسينِ المظلومِ ( عليهِ السّلامُ ) ، حتّى جاءَ الكتابُ منْ عمرو بن سعيدٍ الأشدق والي يزيدَ على المدينةِ إلى يزيدَ يَشتكي منْ وجودِها ، فقالَ في كتابهِ : " إنَّ وجودَها بينَ أهلِ المدينةِ مهيّجٌ للخواطرِ ، وإنّهَا فصيحةٌ ، عاقلةٌ ، لبيبةٌ ، وقد عزمتْ هيَ ومنْ معها على القيامِ للأخذِ بثأرِ الحسينِ " ، فأتاهُ كتابُ يزيدَ بأنْ يفرّقَ بينها وبينَ النّاسِ . [ زينبُ الكبرى لجعفرِ النّقدي ، ص 120- 122، نقلاً عن أخبارِ الزّينبياتِ للنّسابةِ العبيدي ] وحتّى يتأكّدَ النّاسُ ممّا تقولهُ الحوراءُ زينبُ عن يزيدَ ونظامهِ المنحرفِ عن الإسلامِ بَعثوا وفداً منَ المدينِة إلى الشّامِ فوجَدوا ماذكرتْهُ لهمْ صحيحاً جدّاً فَجاؤا وصرّحوا للنّاسِ : إنّنا قَدِمنا منْ عندِ رجلِ ليسَ لهُ دينٌ ، يشربُ الخمرَ ويَدعُ الصّلاةَ ، ويضربُ بالطّنابيرِ ، ويعزفُ عندهُ القيانُ ، ويلعبُ بالكلابِ ، ويسمرُ عندهُ اللّصوصُ، وإنّا نشهدُكم إنّا قد خلعناهُ . [ راجعْ كلماتِ وفدِ المدينةِ في تاريخِ الطّبري 4: 369]3- ثورةُ المختارِ الثّقفيِ : هذهِ الثّورةُ - وكانتْ في سنةِ 66 هـ - الّتي قَادها المختارُ بنُ أبي عبيدةَ الثّقفيّ للأخذِ بثأرِ الحسينِ ( عليهِ السّلامُ ) وقد استجابَ معها المجتمعُ العراقيُّ بشكلٍ كبيرٍ وحقّقتْ غاياتِها في تتبّعِ قتلةِ الحسينِ ( عليهِ السّلامُ ) وقتلِهم واحداً واحداً ، وكانتْ جذوةً قويّةً منْ جذواتِ الثّورةِ الحسينيّةِ .4- ثورةُ مطرفٍ بنِ المغيرة : في سنةِ 77 للهجرةِ ثارَ مطرفٌ بنُ المغيرةِ بنِ شعبةَ على الحجّاجِ بنِ يوسفَ ، وخلعَ عبدَ الملكِ بنَ مروانٍ ، وقالَ في كتابٍ لهُ : " أمّا بعدُ فإنّ اللهَ كتبَ الجهادَ على خلقهِ وأمرَ بالعدلِ والإحسانِ وقالَ فيما أنزلَ علينا : تعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثمِ والعدوانِ واتّقوا اللهَ إنّ اللهَ شديدُ العقاب ، وإنّي أشهِدُ الله أنّي قد خلعتُ عبدَ الملكِ بنَ مروانٍ والحجّاجَ بنَ يوسفَ فمنْ أحبّ منكم صُحبتي وكانَ على مثلِ رأيي فليتابعني فإنّ لهُ الأسوةَ وحسنَ الصّحبةِ ومنْ أبى فليذهب حيثُ شاءَ فإنّي لستُ أحبّ أنْ يتبعني من ليستْ لهُ نيّةٌ في جهادِ أهلِ الجورِ ، أدعوكم إلى كتابِ اللهِ وسنّةِ نبيّهِ وإلى قتالِ الظّلمة " [ تاريخُ الطّبري 5: 111]ولا يَخفى على كلّ أحدٍ ما في هذا الكتابِ من روحِ كربلاءَ التّي جاءتْ بنفسِ المضامينِ التي يتحدّثُ عنها مطرف هنا . 5- ثورةُ ابنِ الأشعث : في سنةِ 81 للهجرةِ ثارَ عبدُ الرّحمنِ بنُ محمّدٍ بنِ الأشعثِ على الحجّاجِ ، وخلعَ عبدَ الملكِ بنَ مروانٍ ، وكانَ سببُ الثّورةِ أنّ عبدَ الرّحمن - وكانَ قائداً للحجّاجِ إلى سجستان - أدركَ أنّ الحجّاجَ والأمويّينَ لا يهمُّهم سوى الغزوِ والغنائمِ ولا يهمُّهم المخاطرُ التي يواجِهها الجنودُ المسلمونَ في هذهِ الحروبِ ؛ إذ كان همُّ الحجّاجِ هو الجبايةُ والخرائجُ مهمّا كلّفَ الأمر ، فشاورَ عبدُ الرّحمن أصحابهُ بواقعِ الحالِ فقرّروا خلعَ الحجّاجِ والثورةَ على النّظامِ الأمويّ الظّالمِ [ راجعْ ما نقلهُ الطبريُّ في تاريخهِ ج5 ص 146 من كلامِ الصّحابيّ أبي الطّفيلِ عامرِ بنِ واثلةَ الكنانيّ والتّحريضِ على خلعِ الحجّاجِ والقيامِ بهذه الثّورة ] ، ولم تكنْ هذه الرّوحُ في التّصدّي للظّالمينَ ومُنتفعي السّلطةِ قبلَ كربلاء ، وقد استمرّتْ هذهِ الثّورةُ مدّةَ ثلاثِ سنواتٍ ، من سنةِ 81 هـ إلى 83 هـ ، وكانَ قوامُها العربُ العراقيّونَ إلى أنْ قضى عليها الحجّاجُ بجيوشٍ منَ الشّام . 6- ثورةُ زيدٍ بنِ عليٍّ بنِ الحسين : في سنةِ 121 هـ تهيّأ زيدٌ بنُ عليّ بنِ الحسينِ للثّورةِ في الكوفةِ وثارَ في سنةِ 122 هـ ، وكانَ شعارُ الثّائرينَ في هذهِ الثّورةِ مع زيدٍ : " يا أهلَ الكوفةِ اخرجوا منَ الذلِّ إلى العزّ ، وإلى الدّينِ والدّنيا " [ مقاتلُ الطالبيين : 139] ، وقد لاقتْ هذهِ الثّورةُ استجابةً كبيرةً في أطرافِ العراقِ من الكوفةِ والبصرةِ وواسطَ والموصل ، وكذلكَ في خراسانَ والرّيّ وجرجان ، وكادتْ هذهِ الثّورةُ أن تنجحَ لولا اختلالُ التّوقيتِ بينَ قيادةِ الثّورةِ وأطرافها ، الأمرُ الذي مكّنَ الجيشَ الأمويَّ منَ السّيطرةِ عليها .هذهِ عيّنةٌ يسيرةٌ منَ الثّوراتِ التي كان لثورةِ الإمامِ الحسينِ ( عليهِ السّلامُ ) التأّثيرُ المباشرُ وغيرُ المباشرِ في انطلاقِها وهناكَ ثوراتٌ أخرى عديدةٌ لا يسعُ المجالُ لذكرِها جميعاً كثورةِ الحسينِ صاحبِ فخٍّ سنةَ 169 هـ في المدينةِ ، وثورةِ أبي السّرايا سنةَ 199هـ في الكوفةِ وغيرِهما منَ الثّوراتِ التي كانتْ تحملُ روحَ الحسينِ ( عليهِ السّلامُ ) في نهضتهِ وثورتهِ ضدَّ الظّالمينَ منَ الحكّامِ والطّغاة . ودُمتُم سالِمين
اترك تعليق