ما الرد على منكري السنة ؟ ما الدليل على وجوب اتباع السنة من القرآن ؟

: اللجنة العلمية

الأخُ المُحترمُ، السّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ

يعتمدُ القُرآنيّونَ ومُنكرو السّنّةِ بشكلٍ عام على بعضِ الشّبهاتِ مثلَ قولِهم السّنّةُ ظنّيّةُ الصّدورِ، أو قولِهم إنَّ عصمةَ الرّسولِ مُنحصرةٌ في التّبليغِ، أو قولِهم إنَّ آيةَ (لا ينطقُ عنِ الهوى) المقصودُ بها القُرآنُ فقَط دونَ غيرِه، وسوفَ نستعرضُ بشكلٍ مُختصرٍ هذهِ الشّبهاتِ ونردُّ عليها. 

الشّبهةُ الأولى: (القُرآنُ قطعيٌّ والسّنّةُ ظنّيّةٌ ولا يمكنُ تقديمُ الظّنّيّ على القطعيّ) ويتضمّنُ هذا القولُ مُغالطةً واضحةً في الطّرحِ، ولكي نفهمَ المُغالطةَ لابُدَّ أن نُوجِدَ مساحةً فاصلةً بينَ صورةِ الدّليلِ ومضمونِ الدّليلِ، أو كما يُقالُ بينَ شكلِ البُرهانِ ومصداقِ البُرهانِ؛ فكثيراً ما تكونُ صورةُ الإستدلالِ صحيحةً ولكِنّ مضمونَ الإستدلالِ ومِصداقُه غيرُ صحيحٍ، فالقولُ: إنَّ الظّنّيَّ لا يُقدَّمُ على القطعيّ أو أنَّ القطعيَّ حاكمٌ على الظّنّيّ وليسَ محكوماً لهُ، قولٌ صحيحٌ في صورتِه ولا نقاشَ فيهِ، ولكِنّ المِصداقَ التّطبيقيَّ لهذهِ الصّورةِ البُرهانيّةِ قَد يكونُ غيرَ صحيحٍ، وهذهِ مُغالطةٌ لأنّنا نُسلّمُ بالبُرهانِ في شكلِه الإستدلاليّ ولكِن لا نُسلّمُ بمضمونِ هذا البُرهانِ. ففيما يخصُّ العلاقةَ بينَ السّنّةِ والقُرآنِ هُناكَ مُستويانِ، الأوّلُ لهُ علاقةٌ بالصّدورِ أي صدورُ القرآنِ والسّنّةِ، والثّاني لهُ علاقةٌ بدورِ السّنّةِ في فهمِ القُرآنِ، وإذا رجعنا إلى جوهرِ الخلافِ معَ القُرآنيّينَ نجدُه مُنحصِراً حولَ دورِ السّنّةِ في فهمِ القُرآنِ ومدى شرعيّتِها، حيثُ يقولُ القُرآنيّ لا يمكنُ أن نستعينَ بالسّنّةِ لأنّها ظنّيّةٌ والقرآنُ قطعيٌّ ولا يمكنُ أن يكونَ الظّنّيُّ حاكِماً على القطعيّ.. وكما هوَ واضحٌ إنَّ ذلكَ مُصادرةٌ على المطلوبِ.. فالكلامُ ليسَ في قطعيّةِ صدورِ القُرآنِ أو السّنّةِ، وإنّما الكلامُ في دائرةٍ أُخرى تماماً وهيَ دائرةُ فهمِ القُرآنِ، ومِنَ الواضحِ عندَما يكونُ الكلامُ عَن فهمِ القُرآنِ يكونُ الكلامُ عمّا نظنُّ أنّهُ فهمٌ مُطابقٌ للواقعِ، وبالتّالي هُناكَ نوعانِ منَ البحثِ، الأوّلُ: حولَ صدقِ صدورِ القُرآنِ والسّنّةِ، والبحثُ الثّاني: حولَ فهمِ القُرآنِ، ففي البحثِ الأوّلِ نقولُ أنَّ القُرآنَ قطعيُّ الصّدورِ أمّا السّنّةُ فما كانَ منها مُتواتِراً فهوَ قطعيٌّ وما كانَ منها دونَ ذلكَ لا يُقطعُ بعدمِ صدورِه لعدمِ التّواترِ فقَط؛ لأنَّ القطعيَّ والظّنّيَّ هُنا بحسبِ موازينِ العُقلاءِ في المعرفةِ، بمعنى إرتفاعِ مُستوى اليقينِ بالخبرِ إلي درجةٍ يُصدّقهُ العُقلاءُ، وبالتّالي حتّى الخبرُ غيرُ المُتواترِ يُورِثُ الإطمئنانَ بحسبِ القرائنِ التي تحفُّ بهِ، أمّا فيما يخصُّ فهمَ القُرآنِ فإنَّ الإنسانَ لا يصلُ فيهِ إلى درجةِ القطعِ بأنَّ ما وصلَ إليهِ هوَ تمامُ ما أرادَ الله، وبالتّالي كُلُّ الأفهامِ ظنّيّةٌ سواءٌ إستعانَت بالعقلِ أو بأيّ شيءٍ آخر.. والعقلاءُ في فهمِهم يستعينونَ بكُلِّ القرائنِ التي تُقرّبُ المُرادَ مِنَ النّصِّ سواءٌ كانَت هذهِ القرينةُ لُبّيّةً وعقليّةً أم كانَت روايةً أو كانَت قضيّةً تاريخيّةً أو أيّ قرينةٍ أُخرى، المُهمُّ عدمُ إهمالِ القرائنِ المُعتمدةِ عندَ العُقلاءِ، والقولُ بأنَّ السّنّةَ مُستبعدةٌ كقرينةٍ لفهمِ النّصِّ القُرآنيّ هوَ قولٌ أشبهُ بالتّفكيرِ الطّفوليّ الذي يَرى الأشياءَ بلونٍ واحدٍ فقَط في حينِ أنَّ المعرفةَ الإنسانيّةَ مُنفتحةٌ على كُلِّ الخياراتِ المُمكنةِ طالما هيَ مُنضبطةٌ بطريقةِ العُقلاءِ، ومِن هُنا لا يمكنُ إستبعادُ السُّنّةِ في معرفةِ ما أرادَهُ اللهُ في كتابِه بحُجّةِ أنّها ظنّيّةُ الصّدورِ، وذلكَ لأنَّ الظّنَّ المرفوضَ هوَ الظّنُّ الشّخصيُّ وهوَ بخلافِ الظّنِّ النّوعيّ الذي يعتمدُ عليه العقلاءُ في الفهمِ والإدراكِ، وثانياً حتّى لَو إستبعدنا السُّنّةَ مِن فهمِ القُرآنِ فإنَّ الطّرقَ الإجتهاديّةَ التي يُمارسُها القُرآنيُّ في فهمِ القُرآنِ هيَ ظنّيّةٌ أيضاً وليسَت قطعيّةً، وبالتّالي هُم أشبهُ بالمُستجيرِ مِنَ الرّمضاءِ بالنّارِ؛ لأنّهُ هروبٌ منَ الظّنِّ العُقلائيّ إلى الظّنِّ الشّخصيّ الذي تتحكّمُ فيهِ الأمزجةُ الخاصّةُ، وعليهِ لا يمكنُ أن يُقالَ أنَّ فهمَنا للقُرآنِ قطعيٌّ فلا يمكنُ مُعارضتُه بالسُّنّةِ الظّنّيّةِ.. والإختبارُ الحقيقيُّ للمعرفةِ هوَ بينَ الظّنِّ العُقلائيّ والظّنِّ الشّخصيّ أي الظّنُّ الذي يعتمدُ على القرائنِ المنطقيّةِ والمناهجِ المُنضبطةِ وبينَ الظّنِّ الذي يرتكزُ على الذّوقِ الشّخصيّ وما تُحبّهُ النّفسُ وتهواهُ.

الشّبهةُ الثّانيةُ: عصمةُ الرّسولِ خاصّةٌ في تبليغِ ما أُنزلَ إليهِ منَ القُرآنِ وبالتّالي لا يمكنُ قبولُ ما ليسَ بقُرآنٍ.  

وقبلَ الرّدِّ على هذا الزّعمِ لابُدَّ منَ التّأكيدِ على أنَّ إثباتَ العصمةِ المُطلقةِ للرّسولِ هيَ إثباتُ حُجّيّةِ قولِه وفعلِه وتقريرِه، ولمُناقشةِ ذلكَ نوردُ بعضَ الرّدودِ في شكلِ نقاطٍ كنماذجَ وليسَ للحصرِ.

أوّلاً: العصمةُ هيَ مرتبةٌ متى ما نالَها الإنسانُ ستعصمُه في كلِّ شيءٍ؛ لأنّها كمالٌ إنسانيٌّ وليسَت قضيّةً خارجيّةً تُمنَحُ للإنسانِ في أشياءَ وتُنزعُ منهُ في أشياءَ أُخرى، والإنسانُ المعصومُ تكونُ أفعالُه كُلّها قائمةً على هذهِ العصمةِ، فلا نفهمُ كونَهُ معصوماً في التّبليغِ وغيرَ معصومٍ في غيرِه، فالمرتبةُ التي جعلَتهُ معصوماً في التّبليغِ هيَ ذاتُها التي تجعلُه معصوماً في غيرِه، ولَو صحَّ فهمُ مَن يُخصّصُ العصمةَ في التّبليغِ لصحَّ أيضاً أن يعصمَ اللهُ الفاسقَ والفاجرَ والمُنحرفَ في تبليغِ الرّسالةِ أيضاً، طالما العصمةُ يمكنُ تجزئتُها وتقسيمُها، وطالما شخصُ الرّسولِ لا قيمةَ ولا إعتبارَ لهُ في نفسِه، وحينَها لا يكونُ منَ الضّروريّ أن يكونَ الرّسولُ صاحبَ مناقبَ ومكارمَ ومكانةٍ عاليةٍ؛ لأنَّ اللهَ هوَ الذي يتدخّلُ ويجعلُه معصوماً عندَ التّبليغِ وهذا خلافُ سُنّةِ اللهِ في إصطفاءِ خيارِ عِبادِه للقيامِ بمهامِّ الرّسالةِ، وعليه فإنَّ شخصَ الرّسولِ هوَ المعصومُ لوصولِه إلى درجةٍ منَ الطُّهرِ والطّهارةِ والعلمِ والذّوبانِ في اللهِ. 

ثانياً: لو سلّمنا بأنَّ العصمةَ خاصّةٌ فيما يُبلّغُه الرّسولُ مِن رسالةٍ، فمِن حقِّنا أن نسألَ عنِ الدّليلِ على أنَّ رسالةَ اللهِ للرّسولِ محصورةٌ فقَط في القُرآنِ؟ وبخاصّةٍ أنّنا لا نجدُ في آياتِ الكتابِ آيةً تُحذّرُنا مِن إتّباعِ الرّسولِ أو تُنبّهُنا بضرورةِ اجتنابِه وعدمِ الأخذِ بأقوالِه، بَل على عكسِ ذلكَ حيثُ نجدُ أنَّ القُرآنَ قَد حضَّ على إتّباعِ الرّسولِ بشكلٍ مُطلقٍ، فإذا كانَ للرّسولِ جانبٌ شخصيٌّ ليسَ لهُ علاقةٌ بالرّسالةِ فكانَ منَ الضّروريّ أن تُنبّهنا الآياتُ إلى ذلكَ، حتّى لا يتسبّبَ في الخلطِ بينَ جانبِ الرّسولِ الشّخصيّ وجانبِه الرّساليّ.. وعدمُ تفكيكِ آياتِ القُرآنِ بينَ الجانبينِ الشّخصيّ والرّساليّ، أمّا أن يكونَ المقصودُ منهُ إيقاعُنا في الضّلالِ، وإمّا أن يكونَ الرّسولُ ليسَ لهُ إلّا جانبٌ واحدٌ وهوَ كونُه رسولاً وعليهِ كلُّ ما يصدرُ منهُ يكونُ تشريعاً.  

 ثالِثاً: إنَّ تبليغَ الوحي منَ اللهِ أعمُّ مِن مُجرّدِ تسلُّمِ القُرآنِ وتسليمِه، فإنَّ هذا القدرَ منَ المُهمّةِ قَد لا يتوقّفُ على العصمةِ حيثُ يمكنُ أن يُكتفى فيهِ بالصّادقِ فقَط، فالرّسولُ الصّادقُ في حديثِه والأمينُ في نقلِ ما إستُحفظَ بهِ قادرٌ على إيصالِ القُرآنِ، طالما لا يحتاجُ هذا القرآنُ للبيانِ والشّرحِ والتّوضيحِ أو لا يحتاجُ إلى نموذجٍ تطبيقيٍّ بوصفِه المصداقَ الأتمَّ لكُلِّ ما جاءَ فيه، وعليهِ فإنَّ إشتراطَ العصمةِ ضرورةٌ لمُجملِ الرّسالةِ وليسَ بخصوصِ الإبلاغِ والإيصالِ فقَط. 

رابِعاً: ربطُ عصمةِ الرّسولِ بتبليغِ الوحي فحَسب مُخالفٌ لِما جاءَ في القُرآنِ مِن أدوارٍ مُتعدّدةٍ للرّسولِ قالَ تعالى: (يتلُوا عليكُم آياتِه ويُزكّيكُم ويُعلّمُكُم الكتابَ والحِكمةَ ويُعلّمُكُم ما لَم تكونُوا تعلمونَ) فإذا إعتبرنَا التّلاوةَ هيَ مُهمّةُ الإبلاغِ التي رتّبَ عليها القُرآنيُّ العِصمةَ، فما بالُ المهامِّ الأُخرى؟ فمَن يُزكّي غيرَه ألا يكونُ زاكياً في نفسِه طاهِراً مِن كُلِّ دنسٍ وعيب؟ كما أنَّ مُهمّةَ تعليمِ الكتابِ مُهمّةٌ إضافيّةٌ تختلفُ عَن مُهمّةِ الإبلاغِ؛ لأنَّ في الكتابِ أحكامٌ وحقائقُ ومعارفُ تحتاجُ إلى الرّسولِ ليُعلّمها للنّاسِ، فإذا كانَ غيرَ معصومٍ في تعليمِه للكتابِ فوقوعُ الخطأِ منهُ غيرُ مأمونٍ، حيثُ يمكنُ أن يُعلّمنا ما لَم يُرِدهُ اللهُ مِنّا.. وكذلكَ تعليمُه لنا الحِكمةَ فإذا لَم يكُن معصوماً في تعليمِه الحِكمةَ لنا فقَد يُعلّمُنا ما هوَ مُخالفٌ لها. وعليهِ فإنَّ بيانَ الرّسولِ إمّا أن يكونَ هوَ ذاتُه إبلاغُ النّصِّ القُرآنيّ، وإمّا أن يكونَ شيئاً آخرَ زائداً على الإبلاغِ؟ فإن كانَ هوَ ذاتُه الإبلاغُ فحينَها يكونُ البيانُ والإبلاغُ شيئاً واحِداً، وعندَها يُصبحُ قولُنا أنَّ الرّسولَ مُبيّنٌ للقُرآنِ تحصيلٌ للحاصلِ، وإذا كانَ البيانُ غيرَ التّبليغِ وهوَ شيءٌ زائدٌ على إبلاغِ النّصِّ القُرآنيّ، فما زادَ عنِ النّصِّ إمّا أن يكونَ جُزءاً منَ الرّسالةِ، وإمّا أن يكونَ لا علاقةَ لهُ بالرّسالةِ، فإن كانَ جُزءاً منَ الرّسالةِ فهوَ تشريعٌ لا محالةَ، وإن كانَ ليسَ جُزءاً منَ الرّسالةِ فبيانُه لغوٌ لا معنى له، وعليهِ فإنَّ مُهمّةَ الرّسولِ تارةً تكونُ هيَ إبلاغ هذهِ الآيةِ (أقيمُوا الصّلاةَ) مثلاً.. وتارةً تكونُ مُهمّتهُ هيَ بيانَ المُرادِ مِن هذهِ الآيةِ (أقيمُوا الصّلاةَ) فلَو بيّنَها الرّسولُ مثلاً بقولِه (صلّوا كما رأيتمونِي أُصلّي) وعلّمَهُم طريقةَ الصّلاةِ حينَها يُصبحُ ذلكَ تشريعاً حتماً، وإلّا كانَ عبثاً في عبثٍ ولا قيمةَ لهُ والعياذُ باللهِ مِن قولِ ذلكَ، وعليهِ فإنَّ عصمةَ الرّسولِ مُطلقةٌ وغيرُ خاصّةٍ بإبلاغِ القُرآنِ للنّاسِ فقَط.

خامِساً: إذا كانَت مُهمّةُ الرّسولِ فقَط هيَ تبليغُ الوحي، وكانَ واجبُ النّاسِ اتّجاههُ هوَ فقَط الإيمانُ بما جاءَ بهِ، فحينَها كيفَ يستقيمُ قولُه تعالى: (ربّنا آمنَّا بما أنزلتَ وإتّبعنا الرّسولَ فاكتُبنَا معَ الشّاهدين) حيثُ تُصبحُ كلمةُ (وإتّبعنَا الرّسولَ) تحصيلٌ للحاصلِ وزيادةٌ من دونِ داعٍ، طالما كانَ إتّباعُ الرّسولِ عندَ القُرآنيّ هوَ مُجرّدُ الإيمانِ بما أُنزلَ إليهِ، وعليهِ تُصبحُ الآيةُ: (ربّنا آمنّا بما أنزلتَ واتّبعنا الرّسولَ فاكتُبنا معَ الشّاهدين).  

سادِساً: قالَ تعالى: (والذينَ إستجابُوا للهِ والرّسولِ مِن بعدِ ما أصابَهُم القرحُ..) إذا كانَت الإستجابةُ للهِ هيَ في الإيمانِ بما أُنزلَ والعملِ بهِ.. فكيفَ تكونُ الإستجابةُ للرّسولِ؟؟ وإذا كانَت الإستجابةُ للرّسولِ هيَ تصديقَ ما أُنزِلَ إليهِ فكيفَ تكونُ الإستجابةُ للهِ؟؟؟ 

سابِعاً: قالَ تعالى: (تلكَ حدودُ اللهِ ومَن يُطِع اللهَ ورسولُه يُدخِلُه جنّاتٍ ... ) إذا كانَت حدودُ اللهِ كُلُّهَا في القُرآنِ ولا توجدُ للهِ حدودٌ خارجَ القُرآنِ كما يدّعي مُنكرو السّنّةِ فلابُدَّ أن تكونَ الآيةُ بهذا الشّكلِ (تلكَ حدودُ اللهِ ومَن يُطِع اللهَ يُدخِلُه جنّاتٍ...) فما هوَ ضرورةُ طاعةِ الرّسولِ في هذهِ الآيةِ طالما الرّسولُ ليسَ لهُ حدودٌ غيرَ حدودِ القُرآنِ؟ 

ثامِناً: قالَ تعالى: (وإذا قيلَ لهُم تعالوا إلى ما أنزلَ اللهُ وإلى الرّسولِ ...) فإذا كانَت مُهمّةُ الرّسولِ محصورةً في تبليغِ ما أُنزِلَ إليهِ، فلِماذا يدعونا للرّسلِ مرّةً أُخرى بعدَ أن دعانا لِما أنزلَ اللهُ؟ فطالما تحقّقَ الإنزالُ وتمَّ التّبليغُ لِماذا يدعونا مِن جديدٍ للرّسولِ؟ وعليهِ تُصبحُ الآيةُ بحسبِ تفسيرِ مُنكرِ السّنّةِ (وإذا قيلَ لهُم تعالوا إلى ما أنزلَ اللهُ وإلى ما أنزلَ اللهُ) وغير ذلكَ منَ الآياتِ الدّالّةِ على ضرورةِ إتّباعِ الرّسولِ والإهتداءِ بسُنّتهِ الشّريفةِ. 

الشّبهةُ الثّالثةُ: أنَّ قولَهُ تعالى (وما ينطقُ عنِ الهوى) يُقصَدُ بها القُرآنُ فقَط دونَ غيرِه، وبالتّالي الحُجّةُ بينَنا وبينَ اللهِ هوَ القُرآنُ دونَ السّنّةِ. 

أوّلاً: الآيةُ تحدّثَت عَن كونِ الرّسولِ لا ينطقُ عنِ الهوى بشكلٍ مُطلقٍ وتخصيصُ النّطقِ بالقُرآنِ فقَط تخصيصٌ بلا مُخصّصٍ.

ثانياً: بحسبِ هذا الفهمِ إنَّ الرّسولَ لهُ نوعانِ منَ النّطقِ، الأوّلُ: هوَ النّطقُ بالقُرآنِ. والثّاني: هوَ النّطقُ بغيرِ القُرآنِ.. فإذا كانَ النّطقُ الأوّلُ من دونِ هوىً فتعيّنَ أن يكونَ النّطقُ الثّاني بالهوى بحسبِ المفهومِ، وحينَها يجبُ أن يُحذّرنا اللهُ مِمّا ينطقُ بهِ الرّسولُ بهواهُ، وكيفَ نُثبتُ أنَّ تعليمَ الرّسولِ لنا الكتابَ والحِكمةَ وغيرَ ذلكَ لَم يكُن بهواهُ؟ فما هوَ الضّمانُ أن يُعلّمنا ويُربّينا بحسبِ هواه؟؟؟ 

  هذهِ بعضُ الإشاراتِ السّريعةِ، والقُرآنُ كُلّهُ شاهدٌ على ضرورةِ إتّباعِ الرّسولِ في أقوالِه وأفعالِه وتقريراتِه.