هناك قول ينسب لأمير المؤمنين عليه السلام (عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه) ما المقصود من هذا الحديث ونحن نعلم أن أمير المؤمنين ع ربما كان يقضي يوم او يومين بلا طعام
السلام عليكم ورحمة الله
تُنسَبُ هذهِ المقولةُ لأبي ذرٍّ الغِفاريّ (رضوانُ اللهِ عليهِ) وإن صحَّت عنهُ فليسَ معناها الدّعوةُ إلى السّلبِ والسّرقةِ، فقَد كانَ لها مُقدّماتٌ تاريخيّةٌ سبّبَها الأمويّونَ زمنَ حكومةِ عُثمانَ، حيثُ جعلَ المُجتمعَ يرزحُ تحتَ نارِ الطّبقيّةِ والفِئويّةِ فقَد قرَّبَ عشيرتَهُ وأبعدَ الصّالحينَ مِن أصحابِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلِه): يذكرُ إبنُ أبي الحديدِ، أنّهُ قَد أتاهُ - أي عُثمانَ أبو موسى مِنَ العراقِ بأموالٍ جليلةٍ، فقسّمَها كُلّهَا في بني أُميّةَ، وأنكحَ الحارثَ بنَ الحكمِ إبنتَهُ عائشةَ فأعطاهُ مائةَ ألفٍ مِن بيتِ المالِ أيضاً بعدَ صرفِه زيداً بنَ أرقم عَن خزنِه.وكذلكَ سارَ عُثمانُ في رعيّتِه. يُوسِّعُ لأقربائِه في العطايا، والإماراتِ، ولا أدلّ على ذلكَ مِن مُعاويةَ بنِ أبي سُفيان، الذي منحَهُ كاملَ الصّلاحيّةِ في إدارةِ الشّامِ، فكانَ أطولَ الأُمراءِ إمارةً. وحيثُ كثُرَ الغِنى الفاحشُ، وتسابقَ الغُزاةُ على الأمصارِ، لكسبِ المزيدِ مِنَ الغِنى وإضطرَّتِ الطّبقةُ الثّريّةُ أن تستوردَ الرّقيقَ مِنَ الأمصارِ، لاستغلالِهم في إستثماراتِهم. واستولى بنو أميّةَ على بعضِ مزارعِ الكُوفةِ، وهجّروا أهلَها. وبقيَت طبقةٌ هُنالكَ مِنَ الفُقراءِ العربِ ناقمينَ على الفئةِ الثّريّةِ، وكذلكَ أولئِكَ الذينَ فتحُوا البُلدانَ، ولَم تُتَح لهُم الفُرصةُ، كما أُتيحَت لغيرِهم مِن بني أُميّةَ، للإقامةِ في الأمصارِ، والإستحواذِ على مُمتلكاتِها. كانَ هذا الواقعُ الطّبقيُّ الذي تشكّلَ بفعلِ السّياسةِ المُنفلتةِ لعُثمان، سبباً في تشكُّلِ حالةٍ منَ الرّفضِ والتّمرّدِ، تُمثّلُها الفئاتُ المَحرومةُ في المُجتمعِ، وهُم غالِباً، أولئكَ الذينَ ضاقُوا منَ الإحتكارِ الأمويّ في عهدِ عُثمان، وتمرّدوا تلقائيّاً لمّا ثقُلَ عليهِم أمرُهم، وكانُوا هُم القاعدةَ التي إستجابَت لفكرةِ التّحدّي والثّورةِ على عُثمان. تلكَ الحالةُ التي يُصوّرها أبو ذرٍّ (رضيَ اللهُ عنهُ) قائِلاً: عجِبتُ لمَن لا يجدُ قوتَ يومِه كيفَ، لا يخرجُ إلى النّاسِ شاهِراً سيفَه.فهذا دليلٌ على وجودِ، فئةٍ مسحوقةٍ، ومغلوبٍ على أمرِها، لا تستطيعُ الإفصاحَ عَن واقعِها، مقموعةٍ بعُمّالِ عُثمان، وعناصرِ عشيرتِه ذاتِ النّفوذِ الوسيعِ في كُلِّ الأصقاعِ.لقَد شيّعنِي الحُسينُ (عليه السّلامُ) - إدريس الحُسينيّ المغربيّ ص١٩٥
اترك تعليق