ما هي الدابة التي تخرج اخر الزمان؟
السلام علكم ورحمة الله وبركاته : لعلَّ مقصودَكَ بهذا السّؤالِ ما وردَ في قولِه تعالى : (وَ إِذَا وَقَعَ القَولُ عَلَيهِم أخرَجنَا لَهُم دَابَّةً مِّنَ الأَرضِ تُكَلِّمُهُم أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُون) [النمل: 82], فإذا كانَ الأمرُ كذلكَ, فإنَّ هذهِ الآيةَ تتحدّثُ عَن علامةٍ مِن علاماتِ يومِ القيامةِ, وهيَ دابّةٌ تخرجُ منَ الأرضِ قبلَ يومِ القيامةِ تُكلّمُ النّاسَ بلسانٍ يفهمونَه، فتُخبرُهم: (أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُون).وقبلَ الشّروعِ في بيانِ المُرادِ منَ الدّابّةِ بحسبِ ما يذهبُ إليهِ أهلُ العلمِ, مِـمَّنْ أفادوا ذلكَ منَ الرّواياتِ الواردةِ عنِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلِه) وأهلِ بيتِه عليهم السّلام؛ فإنّهُ يحسنُ أنْ نعرفَ المُرادَ منَ الدّابّةِ على حسبِ اِصطلاحِ اللّغويّينَ, لأنَّ لها تأثيراً في فهمِ المُرادِ الصّحيحِ مِن هذهِ الآية.
فنقولُ: إنَّ الدّابّةَ هيَ ما يتحرّكُ ويدبُّ على الأرضِ, فهيَ - إذن - تشملُ الإنسانَ وكلَّ حيوانٍ يتحرّكُ على الأرضِ، وهذا واضحٌ مِن خلالِ بعضِ الآياتِ القُرآنيّةِ الكريمةِ، فمثلاً في سورةِ هود الآيةُ (6) قالَ تعالى: (وَ مَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزقُهَا), وفي سورةِ فاطِر الآيةُ: 45، قالَ تعالى: (وَلَو يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيهَا مِن دَآبَّةٍ) وفي سورةِ الأنفالِ, الآيةُ: 22, قالَ تعالى: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكمُ الَّذِينَ لاَ يَعقِلُون). فالدّابّةُ - إذَن - في القرآنِ الكريمِ تُطلَقُ على الإنسانِ, لأنّهُ يدبُّ ويتحرّكُ على الأرضِ.
مِن أيِّ مكانٍ تخرجُ هذهِ الدّابّةُ؟ ذهبَ طائفةٌ منَ المُفسّرينَ وأهلِ العلمِ إلى أنَّ الدّابّةَ تخرجُ بينَ الصّفا والمروة ، فتُخبرُ المُؤمنَ بأنّهُ مُؤمنٌ ، والكافر بأنّه كافر ، وعند ذلك يرتفع التكليف ، ولا تقبل التوبة ، وهو علم من أعلام الساعة.
الإختلافُ في وصفِ الدّابّةِ: فقد روى محمّدٌ بنُ كعبٍ القرظيّ قالَ : سُئلَ عليٌّ صلواتُ الرّحمنِ عليهِ عنِ الدّابّةِ ؟ فقالَ : أما واللهِ ما لها ذنبٌ، وإنَّ لها للحيةً. وفي هذا إشارةٌ إلى أنّها منَ الإنسِ . ورويَ عَن ابنِ عبّاسٍ أنّها دابّةٌ مِن دوابِّ الأرضِ لها زغبٌ وريشٌ ، ولها أربعُ قوائمَ . وعَن حُذيفةَ عنِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) قالَ : دابّةُ الأرضِ طولُها ستّونَ ذراعا لا يُدرِكُها طالبٌ ، ولا يفوتُها هاربٌ ، فتسمُ المُؤمنَ بينَ عينيه ، وتكتبُ بينَ عينيهِ مُؤمِنٌ ، وتسمُ الكافرَ بينَ عينيه ، وتكتبُ بينَ عينيه كافرٌ . ومعها عصا موسى ، وخاتمُ سُليمانَ ، فتجلو وجهَ المُؤمنِ بالعصا . وتختمُ أنفَ الكافرِ بالخاتمِ ، حتّى يُقالَ : يا مؤمنُ ، ويا كافر .
الإختلافُ في المُرادِ بهذهِ الدّابّةِ: وسببُ الإختلافِ يُعزى إلى اختلافِ الرّواياتِ الواردةِ في وصفِ المُرادِ بالدّابّةِ, فقَد رويَ عَن وهبٍ أنّهُ قالَ : وجهُها وجهُ رجلٍ ، وسائرُ خلقِها خلقُ الطّيرِ . وقَد رويَ عنِ الإمامِ عليٍّ عليهِ السّلامُ أنّهُ قالَ : أنّهُ صاحبُ العصا والميسمِ . وروى المجلسيّ وغيرُه مِن أصحابِ المُصنّفاتِ عَن عليٍّ بنِ إبراهيمَ بنِ هاشمٍ في تفسيرِه المُسمّى بـ(تفسيرِ القُمّيّ) بسندٍ مُعتبرٍ إلى الإمامِ الصّادقِ (عليه السّلام) أنّهُ قالَ: «انتهى رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) إلى أميرِ المُؤمنينَ (عليه السّلام), وهوَ نائمٌ في المسجدِ قد جمعَ رملاً , ووضعَ رأسَهُ عليهِ فحرّكهُ برجلِه، ثُمَّ قالَ: قُم يا دابّةَ اللهِ، فقالَ رجلٌ مِن أصحابِه: يا رسولَ اللهِ أَنُسَمِيّ بعضَنا بعضاً بهذا الإسمِ؟ فقالَ لهُم: لا واللهِ ما هوَ إلّا لهُ خاصّةً, وهوَ الدّابّةُ التي ذكرَ اللهُ في كتابِه (فإذا وقعَ ... الخ), ثُمَّ قالَ: يا عليُّ إذا كانَ آخرُ الزّمانِ أخرجَكَ اللهُ في أحسنِ صورةٍ, ومعكَ ميسمٌ تسمُّ بهِ أعداءَك. وعَن أبي عبدِ اللهِ عليه السّلامُ أنّهُ قالَ : قالَ رجلٌ لعمّارٍ بنِ ياسر: يا أبا اليقظانِ ! آيةٌ في كتابِ اللهِ أفسدَت قلبي ؟ قالَ عمّارُ : وأيُّ آيةٍ هيَ ؟ فقالَ : هذهِ الآيةُ ، فأيُّ دابّةِ الأرضِ هذهِ؟ قالَ عمّارُ : واللهِ ما أجلسُ ، ولا آكلُ ، ولا أشربُ ، حتّى أُريَكَها . فجاءَ عمّارٌ معَ الرّجلِ إلى أميرِ المؤمنينَ عليهِ السّلام ، وهوَ يأكلُ تمراً وزبداً ، فقالَ : يا أبا اليقظانِ ! هَلُمَ . فجلسَ عمّارٌ يأكلُ معَه ، فتعجّبَ الرّجلُ منه . فلمّا قامَ عمّارٌ ، قالَ الرّجلُ : سُبحانَ اللهِ حلفتَ أنّكَ لا تأكلُ ، ولا تشربُ ، حتّى ترينيها ! قالَ عمّارٌ: أريتُكَها إنْ كُنتَ تعقلُ . وروى العياشيُّ هذهِ القِصّةَ بعينِها عَن أبي ذرٍّ ، رحمَهُ اللهُ ، أيضاً. ولأجلِ ذلكَ ذهبَ جماعةٌ مِن عُلماءِ الإماميّةِ إلى أنَّ الدّابّةَ التي تخرجُ وتُكلّمُ النّاسَ هوَ الإمامُ عليٌّ أميرُ المؤمنينَ (عليه السّلام), واستدلّوا على ذلكَ بالرّواياتِ والشّواهدِ التي تقدّمَ ذكرُها فضلاً عَن غيرِها. يُنظر المصادرُ التّالية:( مجمعُ البيانِ للطبرسيّ عندَ تفسيرِ هذهِ الآيةِ, وكتابُ الأمثلِ ج12 ص105 و حقُّ اليقينِ ج2 ص277). هذا ما يسعُنا توضيحُه في هذا المقامِ، ودمتُم سالِمين.
اترك تعليق